يأجوج ومأجوج عند الميرزا

يأجوج ومأجوج عند الميرزا

يأجوج ومأجوج عند الميرزا

الخلاصة: الميرزا يدعو لنصرة الدجال ومأجوج، كما أنه يجهل الواقع، ويغيّر في أقواله جدا.

ورد في الحديث: وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ ... فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ. (مسلم)

والمعنى أنّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يموتون بدعاء المسيح عليه السلام.. ومهما كان معنى الموت فهُم أعداء المسيح، وهو عدوّهم.

أما الميزرا فيقول:

أمّا يأجوج ومأجوج؛ فهما قومان حازا التقدم والازدهار في الدنيا، أحدهما الإنجليز والآخر الرُّوس. وهذان القومانِ ينسلون من كل حدب. (إزالة الأوهام عام 1891)

وبعد أنْ حدّد هذا اليأجوج والمأجوج قال:

وبهذه المناسبة نفكر أن يحمي الله تعالى الحكومة الإنجليزية المحسنة من أيدي الظالمين التي بسبب إحساناتها نحظى بتفرّغ تام وحرية تامة وزاوية الخلوة ومكان آمن وراحة. وأن يورّط اللهُ الروس المنحوسين في متاهاتهم ويرزق حكومتنا الفتح والنصرة. (مرآة كمالات الإسلام)

فالميرزا يدعو الله أن ينصر مأجوجَ على يأجوج، لا أن يهلك كلا من يأجوج ومأجوج!

وكرّر هذا الدعاء أكثر من مرة، فقال:

قد نجونا من أيدي الظالمين، في ظل دولة هذه المليكة التي نمّقْنا اسمها في العنوان، التي نضَرنا في حكومتها كنضارة الأرض في أيام التَّهْتان. هي أعزّ من الزَّبّاء بملكها وملكوتها، اللهم بارك لنا وجودها وجودها، واحفَظْ مُلكها من مكائد الروس ومما يصنعون. (التبليغ 1893)

وقال: فاشكروا لها أيها المسلمون، وادعوا الله أن يديم عز هذه المليكة الكريمة، وينصرها على الروس المنحوس. (التبليغ 1893)

وقال: إنّ هذين القومين يتغلبان على الآخرين أولا، ثم يهاجمان بعضهما بعضا، وسيرزق الله الانتصار لمن يشاء. ولما كان المراد منهما (يأجوج ومأجوج) أمة الإنجليز والروس، فعلى كل مسلم أن يدعو لانتصار الإنجليز في هذه المعركة لأنهم أحسنوا إلينا. وإن للسلطنة البريطانية علينا أيادي بيضاء كثيرة. إنه لجاهل وغبي من يَكِنُّ من المسلمين في قلبه حِقدا تجاه هذه الحكومة. ولو لم نشكر هذه الحكومة لما شكرنا الله تعالى، لأننا وجدنا في ظل هذه الحكومة راحة ما كنا لنجدها في كنف أية حكومة مسلمة قط. (إزالة الأوهام 1891)

الميرزا يدعو لنصرة الدجال ويأجوج:

والكارثة الكبيرة التي يقع فيها الميرزا هي حين يقول إن الدجال هو نفسه يأجوج ومأجوج وهو نفسه المسيحية، حيث يقول:

"لو اعتُبر الدجال والمسيحية ويأجوج ومأجوج أقواما مختلفة تظهر في زمن المسيح الموعود لتعاظم التناقض أكثر. ولكن يُفهم من التوراة بوضوح تام أن فتنة يأجوج ومأجوج إنما هي فتنة المسيحية في الحقيقة لأنها سُمِّيت في التوراة بيأجوج. إذن، فقد سُمّي قوم واحد بثلاثة أسماء نظرا إلى حالات مختلفة. (حقيقة الوحي 1907)

وإذا عدنا إلى عبارته بالدعاء إلى بريطانيا للتغلّب على روسيا، وإذا علمنا أنه يقول إن بريطانيا هي مأجوج، أي هي الدجال، فهذا يعني أنه يدعو لنصرة الدجال. فهنيئا له بنصرته الدجالَ بدلا من قتله!!!

علما أن القول بالتساوي بين المسيحية وبين يأجوج ومأجوج غير معقول البتة، ويدلّ على جهل الميرزا بالواقع، فالقوى الاستعمارية لم يكن يعنيها الدين المسيحي زمن الميرزا، بل كان يعنيها السيطرة على مصادر الثروات والمواقع الاستراتيجية والحصول على سوق لمنتجاتهم. كما كان كثير من الأوروبيين قد تخلوا عن الديانة المسيحية نتيجةً للنهضة العلمية والفلسفة.

يأجوج ومأجوج سيقتتلان:

وفي تفسيره للآية: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} يرى الميرزا أنّ الروس والبريطانيين "سيتغلبان على الآخَرين أولا، ثم يهاجمان بعضهما بعضا، وسيرزق الله الانتصار لمن يشاء". (إزالة الأوهام 1891)

مع أنه يُفهم من الآية القرآنية {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} تتحدث عنهما معا أنهما يأتيان من كل حدب ينسلون، لا أنهم يأتون يقتتلون، بل يعملان معا ضد المسلمين. وكان عليه أن يبحث عن تفسير آخر للآية {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ}.

وهذا ما يراه الميرزا في موضع آخر، حيث يقول:

"يأجوج ومأجوج يخرجون في زمن المسيح، وينسِلون مِن كل حَدَبٍ، ويملكون الأرض كلها كما ورد في القرآن العظيم (حمامة البشرى 1894). وتابع يقول: "إن المسيح لا يُحاربهم بل يدعو عليهم، فيموتون كلهم بدعائه بدُودٍ تتولد في رقابهم". وإنْ خطّأ القول بموتهم.

لماذا قصر الميرزا يأجوج ومأجوج على بريطانيا وروسيا؟

ظني أنّ الميرزا كان في البدايات يرى أن أوروبا ليس فيها إلا روسيا وبريطانيا، وأنه لم يسمع بالدول الأخرى، فيقول ساخرا من المسيحيين لقولهم بأن الجنة لا يدخلها غير المسيحي:

وكأن تلك الجنة الافتراضية سوف توزَّع بالتساوي على قومين أوروبيين عظيمين فقط؛ أي الإنجليز والروس. (البراهين الأحمدية 1882 تقريبا)، بل يبدو أنه كان يظنّ أن الدول التي أهلها مسيحيون في العالم كله هي بريطانيا وروسيا لا غير.

ويبدو أنّ أحد العقلاء قال للميرزا: هناك دول مسيحية أخرى في أوروبا، مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا، فهذه كلها قد ساهمت في الاستعمار والتوسّع، فاضطر الميرزا أن يغير في قوله لاحقا، حيث قال: إن المراد من يأجوج ومأجوج هم الأقوام المسيحية الأوروبية. (ينبوع المعرفة 1908)

مكان خروج يأجوج ومأجوج:

مع أنّ الآية القرآنية تقول: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} (الأنبياء 96)، أي أنّهم يأتوننا من كل حدب خارجين من أوطانهم، إلا أنّ الميرزا فسرها "أنهم يخرجون من بلاد المشرق، فهم من مشرق الهند خارجون" (التبليغ). ويقول أيضا: إن هذا الإلحاد وعدم تقوى الله والفتور كله سينشأ في أول الأمر في البلاد الشرقية، ومنها سيخرج الدجال ويأجوج ومأجوج، أي سيبرزون بقوتهم وشوكتهم. والمراد من البلاد الشرقية هو بلاد فارس ونجد وبلاد الهند لأنها تقع شرقيّ أرض الحجاز. وكان ضروريا، بحسب نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يخرج الكفر والكفار من هذه الأماكن بقوة. (إزالة الأوهام)

جهل الميرزا بالجغرافية والتاريخ والواقع:

لم تحدث أيّ حرب بين روسيا وبريطانيا في زمن أدعية الميرزا بانتصار بريطانيا على روسيا. فلماذا ظلّ يكرر هذا الدعاء؟ ألم يجد مَن يذكر له الوقائع، أم أنه كان بين أتباعه من يسخر منه؟ فقد "أعلنت فرنسا وبريطانيا الحرب على روسيا في عام 1854 م، ونشبت معارك ضخمة في عدة جبهات أثناء حرب القرم، حتى انتهى الأمر بسيطرة فرنسا وبريطانيا والدولة العثمانية على الميناء في عام 1855م". (ويكيبيديا).. .أي حين كان الميرزا في الخامسة عشرة من عمره، فظنّ أن الحرب ظلّت مستمرة. مع أنه في عام 1900 شنّ تحالفٌ مكوّنٌ من ثماني دول منها بريطانيا وروسيا هجوما على ثورة الملاكمين في الصين، وسحقوهم.. فقد حصل تحالف إذن بين بريطانيا وروسيا في زمنه، ولم تنشب أي معركة بينهما حين كان يدعو بانتصار مأجوج على يأجوج.

فهل يحقّ للأحمديين أن يفتخروا بتفسيراتهم لعلامات الساعة بعد أن ثبت أن الميرزا كان يدعو لانتصار الدجال ومأجوج؟ وإذا كان الدجال هو نفسه يأجوج ومأجوج، فكيف يُعطف عليه في الروايات؟

هاني طاهر 26/12/2016

يأجوج ومأجوج عند الميرزا.. ح1.. زمن خروجهم

يقول الميرزا:

"وفُتحتْ يأجوج ومأجوج، وترون أنهم من كل حدَبٍ ينسلون. وما خرَجا إلا بعد القرون الثلاثة، وما كمُل إقبالهما إلا عند آخر حصةِ هذا الألف، وكُمّلَ الألف مع تكميل سطوتهما... إن يأجوج ومأجوج قد حُبِسا وصُفّدا إلى يوم الوقت المعلوم، ثم يُفتَحان في أيام غروب شمس الصلاح وزمان الضلالات، كما أنتم ترون في هذه الأيام وتشاهدون". (الخطبة الإلهامية، ج 16، 333)

مع أنّ الفقرة غامضة نوعا ما، لكنه يقصد منها أنّ خروجهم اكتمل في عام 1300هـ الموافق 1883 م. والنصّ يخلط بينهم وبين الدجال، فهو الذي حُبس وصُفِّد كما في الرواية.

أما خروج الأوروبيين واحتكاكهم بنا فلم يتوقّف لحظة؛ فالحروب مع الإسبان امتدّت بلا انقطاع من بداية الإسلام ولمدة 770 سنة حتى أُخرِجَ المسلمون منها نهائيا. ثم استمر الصراع مع أوروبا بلا انقطاع، ومن كل الجهات.

كما أنّ الاحتكاك بالأوروبيين وحروبهم بدأ منذ عام 1096 باتجاه فلسطين وما حولها، وذلك حين جاءوا بقضّهم وقضيضهم زمن الحروب الصليبية.. أي قبل نحو ألف عام، ودارت حروب دامت قرنين. ثم إنهم بعد ذلك بقرنين هُزموا في القسطنطينية التي فتحها المسلمون في عام 1453، وقبل ذلك وبعده ظلوا ينتصرون على المسلمين في الأندلس، إلى أن أخرجوهم منها كليا في عام 1492.

وفي هذا الوقت كان البرتغاليون قد سيطروا على الخليج العربي. ثم لم تتوقف المعارك بين الأوروبيين أنفسهم للسيطرة على مختلف المناطق في العالم.

فالاحتكاك المباشر مضى عليه أكثر من ألف عام، فلا يُعقل بعد هذا الاحتكاك المتواصل لهذا الزمن الطويل جدا أن نقول: لقد فُتحت يأجوج!!! وكيف تُفتح ونحن وإياهم في هذا الاحتكاك غير المنقطع؟!! فكلمة " فُتِحَتْ" الواردة في الآية: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} (الأنبياء 96) تُبطل تفسير اليأجوج بأنهم الإنجليز أو البرتغاليين أو الإسبان أو أي قوم ظلّ بيننا وبينهم تواصل، سواء كان على شكل حروب أم على شكل تجارة.

هذا غير التناقضات بين الواقع وبين أقوال الميرزا والروايات، فالأوروبيون مثلا ظلوا يقتتلون فيما بينهم على خيراتنا، أما الروايات فلا تذكر أنّ يأجوج ومأجوج سيتصارعون فيما بينهم، بل يبدو منها أنهم كتلة واحدة ضدّ المسيح.

ثم إنّ المسيح سيدعو عليهم حسب الروايات، لا أنه يدعو لهم، أو لجزء منهم كما فعل الميرزا الذي دعا الله أن ينصر الإنجليز على "الروس المنحوس"!!

وبهذا نُسِف تفسير الميرزا المتناقض.

.......................................................................................................

يأجوج ومأجوج عند الميرزا.. ح2.. التناقُض أهمّ سِمات الميرزا بعد التحايل والتزييف.

يقول الميرزا:

"يأجوج ومأجوج اسمان لقوم تفرّق شعبهم في زماننا... وهم قوم الروس وقوم البراطنة وإخوانهم". (التبليغ، ص 55)

قلتُ: ما دام البريطانيون هم يأجوج، فالواجب الدعاء على البريطانيين، كما ورد في الحديث:

"وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ... وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمْ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِم النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ". (مسلم، كتاب الفتن، باب الدجال)

أي أنّ المسيح يدعو الله أن يهلك يأجوج.. أي أن يهلك بريطانيا وأهلها، فيهلكون عن آخرهم.

بيدَ أننا لم نرَ إلا عكس ذلك، فقد قال الميرزا مخاطبا ملكة بريطانيا:

"إن هذا المسيح الموعود الذي جاء إلى الدنيا إنما هو نتيجة بركةِ وُجُودِك وإخلاصِك القلبيّ ومواساتك الصادقة. فقد تذكّر الله تعالى المنكوبين في الدنيا في عهد سلطنتك وأرسل من السماء مسيحه، وقد وُلد في بلادك وفي حدود سلطنتك لتكون شهادة للدنيا على أن سلسلة عدلك في الأرض جذبت سلسلة عدل السماء. وسلسلة رحمتك خلقَت سلسلةَ الرّحمة في السماء.... كم هو عهدك مبارك إذ تؤيد يد الله تعالى أهدافك من السماء. والملائكة يمهّدون سبل حسن نيتك ومواساتك للرعية.... أني أحبّك من الأعماق، ففي قلبي حبك وعظمتك بوجه خاص. إن أدعيتي لك جارية ليل نهار كالماء الجاري. لا نطيعك تحت ضغط السياسة القاهرة، بل إن مزاياك العديدة قد جذبت قلبنا. (نجم القيصرة)

أيّ أنّ الميرزا يقول:

إن هذا المسيح الموعود الذي جاء إلى الدنيا إنما هو نتيجة بركةِ وُجُودِ يأجوج وإخلاصِه القلبيّ ومواساته الصادقة. فقد تذكّر الله تعالى المنكوبين في الدنيا في عهد سلطنة يأجوج وأرسل من السماء مسيحه... كم هو مباركٌ عهدُك يا يأجوج إذ تؤيِّد يدُ الله تعالى أهدافَك من السماء. والملائكة يمهّدون سبل حسن نيتك ومواساتك للرعية... أني أحبّك يا يأجوج من الأعماق... إن أدعيتي لك يا يأجوج جاريةٌ ليلَ نهار كالماء الجاري. لا نطيعك تحت ضغط السياسة القاهرة، بل إن مزاياك العديدة قد جذبت قلبنا. يا حبيبي يا يأجوج!

وقد ذكر الميرزا عشرات المرات فضل بريطانيا عليه وعلى جماعته وعلى المسلمين، وأوجب طاعتها وشكرها وحبّها، و تفاخر بمساعدتها في حروبها.. أي في خروجها من كل حدب تنسل!!!

..................................................................................

يأجوج ومأجوج عند الميرزا.. ح3.. من هم؟

إنهم النصارى عند الميرزا، حيث يقول:

"وأما قولنا إن يأجوج ومأجوج من النصارى لا قوم آخرون فثابتٌ بالنصوص القرآنية، لأن القرآن الكريم قد ذكر غلبتهم على وجه الأرض وقال: (مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ)، يعني يملكون كلَّ رفعة في الأرض، ويجعلون أعزّةَ أهلها أذلّةً، ويبتلعون كلَّ حكومة ورياسة وسلطنة ودولة ابتلاعَ الحوت العظيم الصغارَ.... فثبت أن يأجوج ومأجوج هم النصارى". (حمامة البشرى، ص 37)

قلتُ: هذه الدول الغربية لم تنسل من كل حدب إلا بعد أن بدأت تخرج على مسيحيتها، وكلما زادت بعدا عن هذه المسيحية زادت قوةً ومجدا وعظمة. ألا ترون أنّه حين كانت الكنيسة مسيطرة عاقبت العلماء والحكماء؟ ألم تسمعوا بقصة جاليلو مثلا الذي اضطر للتراجع عن قوله بدوران الأرض حول الشمس خوفا من عقوبة البابا؟ فهؤلاء الناسلون من كل حدب لم يكونوا مسيحيين، ولا راغبين بنشر المسيحية، بل كانوا باحثين عن ثرواتٍ وطرقٍ تجارية وأراضيَ جديدة وقارات جديدة ومستعمرات. أما استغلال بعض المسيحيين لهذه الاكتشافات فلا يعني أنّ اليأجوج مسيحيين، خصوصا في القرن التاسع عشر وما تلاه.

ثم إذا كان يأجوج مسيحيا، وكان المطلوب الدعاء عليه، فلماذا ظلّ الميرزا يدعو لفكتوريا ويمجّدها وقومَها ويراهم حماة حمى الإسلام!!

..................................................................................................

يأجوج ومأجوج عند الميرزا.. ح4.. الخلط بين يأجوج وبين الدجال

يقول:

"وأخبر عن قوم ذوي خصب ينسِلون مِن كل حدَبٍ ويعلُون علوًّا كبيرًا، ويُفسدون في الأرض فسادًا مبيرًا، فرأينا تلك القوم بأعيننا ورأينا غلوَّهم وغلبتهم بلغت مشارق الأرض ومغاربها. [هاني: حتى هذه الكلمة نراه يتحدث عن يأجوج، ثم يتابع في إسقاط أوصاف الدجال عليه] تكاد السماوات يتفطرن من مفاسدهم، يلبِسون الحق بالباطل وكانوا قومًا دجّالين. اتخذوا الحلم والإطماع والتحريف المنّاع شبكةَ الإضلال، وأهلكوا خلقا كثيرا من هذا التثليث كالمغتال". (سر الخلافة، ص 67)

وهذا الخلط يخالف حديث صحيح مسلم الذي يفرّق بينهما بوضوح تام، فالدجال يبدو شخصا ضخما في جزيرة، بينما اليأجوج والمأجوج يبدون أعدادا هائلة من الناس. كما يخالف أقوال الميرزا في تمجيد بريطانيا، إذ كيف يمجّدها وهي الدجال الذي جاء لقتله؟

#هاني_طاهر 18 أكتوبر2018

يأجوج ومأجوج عند الميرزا.. ح5 .. هل يأجوج ومأجوج هم الأوروبيون؟

يأجوج ومأجوج الخارجون في آخر الزمان حسب الآية القرآنية: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } (الأنبياء 96-97)، وحسب الروايات مثل: وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا (البخاري) هم أقوام لا بدّ أن يكون مُغْلَقًا عليهم في ذلك الوقت، وسيُفتَحون، أو سيُفتح ردْمُهُم ويتجاوزونه. وهذا الوصفُ إذا كان يتعلَّق ببشر فلا بدّ أن يكون هؤلاء البشر محصورين في منطقة ما وليس بيننا وبينهم أي تواصل، أو أنه تواصل ضعيف جدا، ثم صار قويا بعد فتح ردْمهم وخروجهم مهاجمين إيانا. وهذا لا ينطبق على الأوروبيين البتة، لأننا على تواصل معهم منذ البدايات بلا انقطاع. وفيما يلي التفصيل:

1: تواصُلُ المسلمين مع أوروبا عن طريق المغرب العربي وإسبانيا

بدأت الحملة العسكرية الإسلامية الأولى على إسبانيا في عام 92 هـ 711 م، وانتصرت انتصارات حاسمة. ثم هُزم المسلمون في معركة بلاط الشهداء في عام 114هـ 732 م. ثم لم يتوقف تواصل المسلمين مع الإسبان، سواء كان ذلك عبر حروب أم اتفاقيات عسكرية أم تجارة أم غير ذلك. واستمر نحو 800 سنة حتى إخراج المسلمين من إسبانيا كليا عام 1492م.

وقبل ذلك بدأت الاكتشافات البحرية البرتغالية في الساحل الإفريقي حتى الخليج، والذي تنقَّل من دولة أوروبية إلى أخرى حتى اليوم.

فمتى يمكن أن ينطبق وصف "فُتِحَت يأجوج ومأجوج" على إسبانيا أو فرنسا؟ فالتواصل مستمرّ بلا انقطاع، والبوابة مفتوحة لم تُغلق لحظةً واحدة.

هل هنالك لحظة حوَّلت أوروبا إلى "يأجوج ومأجوج"، ومتى كانت هذه اللحظة؟ بحيث ينطبق عليها أنّ أوروبا "فُتِحَت"، وينطبق عليها: {اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ}، وينطبق عليها {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ}، فما هو هذا الوعد الحقّ، وكيف شخصت أبصار الذين كفروا برؤية الأوروبيين يأجوج ومأجوج؟!

أم أنّ الأوروبيين هم يأجوج ومأجوج أصلا، ولكنه كان مغلَقا عليهم، ثم "فُتِحوا"!! وهل فُتِحوا أم فُتح الباب عليهم؟ فمن ظنّهم يأجوج ومأجوج فعليه أن يحدّد طبيعة هذا الفتح الذي فُتِحوه، ومتى وكيف كان.

أما الرواية أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا. (البخاري)، فهذا لا ينطبق على أوروبا البتة، فليس هنالك رَدْم بيننا وبين أوروبا وقد فُتِح منه سنتميتر مربع في ذلك الوقت، سواء كان هذا الردْم ماديا أم معنويا.

2: تواصل المسلمين مع أوروبا عن طريق بلاد الشام

الحملة الصليبية الأولى كانت في عام 1096، واستمرت 200 سنة حروبا متواصلة.

فلو صحّت تسمية أحد بيأجوج ومأجوج فهم أولئك الأوروبيون القادمون فجأةً في ذلك الوقت إلى فلسطين، على فرض أنه لم يكن بيننا بينهم أي تواصل عبر إسبانيا قبل ذلك بثلاثة قرون، وعبر العلاقات الودّية أحيانا كما كان الحال بين هارون الرشيد وشارلمان.

3: تواصل المسلمين مع أوروبا عن طريق الاستعمار البرتغالي في الخليج والهند

في أواخر القرن الخامس عشر وبدايات القرن السادس عشر سيطر البرتغاليون على سواحل الخليج العربي وسواحل الهند وسيطروا على الممرات التجارية بعد أن اكتشفوا طريق رأس الرجاء الصالح. فإذا جاز تسمية أحد باليأجوج الذين فُتِحوا فهم البرتغاليون قبل 500 عام، ولكن هذه التسمية لا تصحّ، لأنّه كان لهم احتكاك مباشر قبل ذلك مع المسلمين في الأندلس امتدّ 800 سنة متواصلة بلا انقطاع.

4: تواصل الدولة العثمانية مع أوروبا في حروب وتحالفات أحيانا استمرّت مِن قبل فتح القسطنطينية عام 1453حتى القرن العشرين.

الخلاصة:

لم يحدث شيء في عام 1883م وفي زمن الميرزا حَوَّلَ أوروبا إلى يأجوج ومأجوج، بل ظلّت الأمور تسير بين حروب وبين سلام وبين تجارة وبين تنازع تجاري، كما هو الحال عبر التاريخ كله.

فسَقَطَ التفسير الأحمدي الغامض الذي لا يذكر سوى عموميات متناقضة تخلو مِن ذِكْر الزمان. والذي يُسقطه أيضا أدلة أخرى ينفرد بها هذا التفسير عن غيره، مثل أدعية الميرزا لحفظ يأجوج، على عكس ما تقول به الروايات.

#هاني_طاهر 19 أكتوبر2018