نقض عقيدة القاديانيّة في إنكارها حدّ الردّة
نقض عقيدة القاديانيّة في إنكارها حدّ الردّة
تنكر القاديانيّة حدّ الردّة بحجّة الحريّة الدينيّة، لكنّها في الحقيقة تنكر هذا الحدّ لأنّ علماء المسلمين حكموا بردّة القاديانيّة، فخوفا من أن تطالها سيوف المسلمين راحت تنكر حدّ الردّة وتشكّك المسلمين فيه، وتقيم حوله التشكيكات والشبهات، ولسوف نذكر أدلّة حدّ الردّة ونردّ على شبهات القاديانيّة حوله.
عن عكرمة أنّ عليّا، حرق قوما، فبلغ ابن عباس فقال: "لو كنت أنا لم أحرقهم لأن ّالنبيّ قال: "لا تعذبوا بعذاب الله" ولقتلتهم كما قال النبيّ: "من بدل دينه فاقتلوه".١
إعترضت القاديانيّة على هذا الحديث بالإعتراضات التالية:
أوّلا: أنّ الحديث انفرد به عكرمة، وقد ضعّفه غير واحد من أئمّة الجرح والتعديل، ولم يرو له مسلم إلا متابعة.
ثانيا: أنّ الحديث عامّ، فلا يقال أنّ من بدّل دينه من النصرانيّة إلى الإسلام يقتل، لذا يلزم التخصيص ولا دليل عليه.
ثالثا: كيف يجهل علي، حرمة التحريق، وهو حكم معلوم لدى عوامّ المسلمين؟
والجواب:
بخصوص تضعيف القاديانيّة لعكرمة:
فقد روى العلماء الثقات عن عكرمة،فروى له البخاريّ وأصحاب السنن والمسانيد، وإنّ عدم رواية مسلم له لا يعتبر قدحا فيه، فقد روى له شيخه البخاريّ وانبرى للدفاع عنه أئمّة وحفّاظ؛ للذب عنه وردّ الاتّهامات الموجّهة إليه، وبيان أنّه لا أصل لها، وعلى رأسهم ابن جرير الطبريّ، ومحمّد بن نصر المروزي، وأبو عبدالله بن مَندة، وأبو حاتم بن حبّان، وأبو عمرو بن عبد البرّ، وابن حجر العسقلانيّ وغيرهم، وقال ابن مندة: (أمّا حال عكرمة في نفسه، فقد عدّلته أمّة من التابعين، منهم زيادة عن سبعين، رجلا من خيار التابعين ورفعائهم، وهذه منزلة لا تكاد توجد منهم لكبير أحد من التابعين).٢
ولنعرف تناقض القاديانيّة في ذلك وغيره،فإنّ ابن القاديانيّ وخليفته بشير الدّين، له كتاب التفسير الكبير وهو مليئ برويات عكرمة.
أمّا قول القاديانيّة أنّ الحديث تفرّد به عكرمة عن ابن عباس، فهذا كذب وتدليس على الناس،فقد روى هذا الحديث عن ابن عباس غير عكرمة فعن أنس، أن ابن عباس قال: قال رسول الله : "من بدل دينه فاقتلوه".٣
ولتعرف دجل القاديانيّة أكثر، فإنّ غير ابن عباس من الصحابة روى هذا الحديث، فقد رواه أبو هريرة ومعاوية بن حيدة، كما في الطبرانيّ. ورواه مرسلا زيد بن أسلم، كما في الموطّأ، والحسن البصري كما في النسائيّ.
وأمّا قول القاديانيّة، أنّ الحديث يلزمه التخصيص بالمسلم، فهذه سخافة؛ لأنّ النبيّ إنّما يخاطب المسلمين وليس النصارى ولا غيرهم، وعلى أيّة حال،فهذا الحديث يدلّ على التخصيص بالارتداد عن الإسلام، فعن عائشة قالت: قال رسول الله: "لا يقتل إلا أحد ثلاثة: رجل قتل رجلا فقُتل به، ورجل زنى بعد ما أحصن، ورجل ارتدّ عن الإسلام".٤
فهذا الحديث يبيّن أنّ المقصود بالردّة، هو الردّة عن الإسلام لا غيره.
أمّا قول القاديانيّة: كيف يجهل عليّ، حكم التحريق وهو معروف لدى عوامّ المسلمين لتشكك بمتن الحديث، فالجواب: إنّ عليّا ، كان يجهل حكم التحريق، كما كان أيضا يجهل حكم المذي، وهو معروف أكثر لدى عوامّ المسلمين، فعن عليّ، قال: "كنت رجلا مذّاء فأمرت رجلا أن يسأل النبيّ، لمكان ابنته، فسأل فقال: "توضأ واغسل ذكرك".٥
وهذا ليس طعنا في عليّ، فإنّه من أعلم الصحابة، لكنّ كثيرا من الصحابة لم يكن يبلغهم الحكم الشرعيّ في مسألة معيّنة، فإذا بلغهم عملوا به.
ومن الأدلّة على حد الردّة الذي اعترضت عليه القاديانيّة:
عن عبد الله بن مسعود ، قال: قال رسول الله : "لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة".٦
قالت القاديانيّة: إنّ هذا الحديث يأمر بقتل المحاربين التاركين للجماعة على فرض صحّته؛ ففيه الأعمش وهو مدلّس؛ وبذا فالحديث ضعيف.
والجواب:
أنّ هذا الحديث روي بألفاظ مختلفة عن أكثر من صحابيّ، وفيها التصريح بالكفر بعد الإسلام، وليس الحرابة، كما أنّ هذا الحديث رواه غير الأعمش، وإليك هذين الحديثين الذين فيهما التصريح بالكفر بعد الإسلام، وليس في سندهما الأعمش:
عن عائشة قالت: أما علمت أنّ رسول الله قال: "لا يحلّ دم امرئ مسلم إلّا رجل زنى بعد إحصانه، أو كفر بعد إسلامه، أو النفس بالنفس".٧
عن عثمان بن عفّان قال: سمعت رسول الله يقول: "لا يحلّ دم امرئ مسلم إلا بثلاث: أن يزني بعد ما أحصن، أو يقتل إنسانا فيقتل، أو يكفر بعد إسلامه فيقتل".٨
وبعد بطلان اعتراضات القاديانيّة على أحاديث قتل المرتدّ، لابدّ لنا أن نذكر أنّ القاديانيّة استدلّت بعدد من الآيات على عدم قتل المرتدّ،ومنها:
قوله تعالى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.٩
قوله تعالى:{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}.١٠
قوله تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصيْطِرٍ}.١١
قوله تعالى: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.١٢
وغيرها من الاستدلالات القرآنيّة، وقالت القاديانيّة: إن هذه الآيات دليل على أنّ حدّ الردّة يتعارض مع القرآن؛ لأنّه لم يذكر فيه صراحة، كما أنّ صريح الآيات تدعو لعدم قتل المرتدّ.
والجواب:
أوّلا: هذه الآيات وغيرها ـ التي تستدل بها القاديانيّة ـ تتحدّث عن الإيمان والكفر، بينما الخلاف هو حول قتل المرتدّ، فلم يقل أحد من المسلمين بإجبار الكافر على الإسلام أو قتله، وإنّما قال المسلمون بقتل من كفر بعد إسلامه.
ثانيا: صحيح أنّ القرآن لم ينصّ صراحة على قتل المرتدّ، لكنّه أيضا لم ينصّ على عدم قتله، فبالتالي: أحاديث قتل المرتدّ لا تتعارض مع القرآن الكريم.
ثالثا: أنّ الحديث النبويّ مستقلّ، فقد وردت كثير من الأحكام فيه، ولم ترد في القرآن، كأحكام السواك والنجش وكيفية الصلاة والزكاة وغيرها...
رابعا: أنّ القرآن أشار إشارة إلى قتل المرتدّ دون التصريح، وذلك في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}.١٣ والسؤال هنا: متى يكون قتل النفس التي حرّم الله إلّا بالحق؟ والجواب: هو هذا الحديث النبويّ: "لا يحلّ دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأنّي رسول الله، إلّا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة".
وهكذا يتّضح لك بطلان شبهات القاديانيّة حول أحاديث قتل المرتدّ، وبطلان استدلالاتها بالقرآن الكريم.
وأختم هذا المبحث بالقول: إنّ الذين ينكرون حدّ الردّة ـ ممّن ينتسبون للإسلام ـ إمّا أنّهم ارتدّوا، ولذلك هم يخافون من سيف الإسلام، وإمّا أنّهم متأثرون بالفكر الغربيّ الذي غزى بلاد المسلمين ويدعو إلى حريّة الكفر باسم حريّة الرأي، وباسم حريّة التعبير عن الرأي، وباسم الرأي والرأي الآخر.. وإمّا أنّهم مسلمون يخجلون من أحكام دينهم في زمن أصبح المسلمون فيه تتداعى عليهم الأمم، كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، فلم يكن المسلمون قديما مختلفون حول حكم المرتدّ أبدا، وإنّما ظهرت هذه الأبواق في العصر الحديث، والمصيبة أنّ المنتسبين للإسلام ممّن ينكرون حدّ الردّة، عندما تراهم القاديانيّة موافقين لها، فبالتأكيد هذا يسهّل عليها نشر أفكارها وعقائدها.
كتبه: أبو عبيدة العجاوي
ــــــــــــــــ
(١)البخاري رقم 3017
(٢)فتح الباري لابن حجر ج1 ص 425
(٣)النسائي رقم 4064 وأحمد رقم 2966 وابن حبان رقم 4475
(٤)الحاكم رقم 8039 صححه الحاكم ووافقه الذهبي
(٥)البخاري رقم 269
(٦)مسلم رقم 1676
(٧)النسائي رقم 4017
(٨)المصدر السابق رقم 4058
(٩)البقرة 256
(١٠)الكهف 29
(١١)الغاشية 22
(١٢)يونس 99
(١٣)الفرقان 68