مقولات القادياني في العقائد: التوحيد
مقولات القادياني في العقائد (3)
The Sayings of Al-Qadyani in Doctrins
كلام القادياني عن التوحيد:
لا شكّ أنّ التوحيد هو اعتقاد كلّ الأنبياء - عليهم السّلام -، وأنّهم كلّهم دعوا إليه، وإنّ من أهم وظائف الأنبياء هو نشره والدعوة إليه، ومواجهة كل من أراد النيل منهبتحريف معناه أو الدعوة إلى نقيضه وهو الشرك،فأعظم ما يعبد به الله التوحيد وأعظم ما يعصى به الله تعالى الشرك،يقول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25 ]ويعرف السفاريني التوحيد:" إفراد المعبود بالعبادة مع اعتقاد وحدته ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً"([1])
وبهذا تظهر أهمية التوحيد العظمى في الإسلام بأنّه أساس ما جاء به جميع الرسل والأنبياء.
وأمّا عقيدة الميرزا في التوحيد فتظهر مقولاته، فيقول فيها:" فليتضح أنّ العلامة الأولى لمعرفة الله هي التوحيد أي الإيمان بالله واحداً في ذاته وصفاته، وعدم إشراك أحد في أيّة صفة من صفاته. " ([2])
وكذلك جاء عنه في مدحه التوحيد، و بيان علوّ منزلته، قوله:" التوحيد هو الجزء الأعلى الذي يجب على كلّ مسلم صادق أن يختاره، ولكن لتكميل التوحيد جانب آخر أيضاً وهو حبّ الله تعالى" ([3])
والملحوظ أنّه يربط التوحيد باستمرار نزول الإلهام والوحي على المرء وهو يُشير إلى نفسه بهذا الربط، كما في قوله:" انّ التوحيد الإلهي انتشر دائماً بواسطة الإلهام فقط، وأنّ هذا هو الباب الوحيد الذي ظلّ مفتوحاً دائماً على الباحثين عن معرفة الله. " ([4])
وما هذا الربط بين التوحيد والإلهام إلا لينصرف النّاس إلى قوله في استمرار نزول الوحي ولينصرف النّاس إليه شخصياً أيضاً، وهويربط التوحيد بنفسه وبذاته وفي هذا الادّعاء العجيب في أنّ الله قد خصّه بتوحيد مقدّس، وأنّه جلّ وعلا أمره أن يجدّد الدّين، فيقول: " لقد وهبني الله ينبوع التوحيد المقدّس"([5]) وهو يشير إلى أن التوحيد الذي معه مقدس وطاهر، أما التوحيد المنتشر فقد أصابه الخلل والضلال، وذلك ليجعل من هذا الضلال سبباً وجيهاً لقبوله عندما يدّعي النّبوة، بل إنّ الأدهى والأمرّ ربطه بين توحيد الله وبين نفسه أيضاً، لكنّ هذه المرة بتعظيم أكبر، وبرفع حاله إلى منزلة تفوق كل المنازل، حيث يقول إنّ الله قد أوحى له :" أنت منّي بمنزلةِ توحيدي وتفريدي". ([6])
ليس ذلك فحسب بل إنّه يزعم أنّ التوحيد قد فسد ويجعل من نفسه مصلحاً لهذا التوحيد، فيقول أنّ الله بعثه هو:-" لأُعِيدَ بِهِ صَلاَحَ التَّوْحِيدِ الْمَفْقُودِ مِنَ الأَلْسُنِ وَالْقُلُوبِ وَالأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ، وَأُقِيمُ بِهِ أَمْرَ التَّدَيُّنِ وَالانْتِحَالِ" ([7])
ويُفسّر التوحيد أحياناً ويربطه بالإحياء والإماتة، كما في قوله: " التوحيد هو: كما لم يوجَد شيء بدون الله ومن تلقاء نفسه، كذلك ليس هناك شيء سوى الله بريء من الفناء والهلاك". ([8])
ونجده هنا يربط بين نفسه وبين الإحياء والفناء، لكي يُصلح الفساد الذي حلّ بالتوحيد على حدّ زعمه بقوله: " وَأُعْطِيتُ صِفَةَ الإِفْنَاءِ وَالإِحْيَاءِ مِنَ الرَّبِّ الْفَعَّالِ. فَأَمَّا الْجَلاَلُ الَّذِي أُعْطِيتُ فَهُوَ أَثَرٌ لِبُرُوزِي الْعِيسَوِيِّ مِنَ اللهِ ذِي الْجَلاَلِ، لأُبِيدَ بِهِ شَرَّ الشِّرْكِ الْمَوَّاجِ الْمَوْجُودِ في عَقَائِدِ أَهْلِ الضَّلاَلِ، الْمُشْتَعِلِ بِكَمَالِ الاشْتِعَالِ". ([9]) فإذا قارنّا بين قوله السابق: "أنت مني بمنزلة توحيدي وتفردي " وبين تعريفه للتوحيد بأنّ الله تعالى خصّه بصفة الإفناءوالإحياء، ترى بوضوح منهجه في تعظيم نفسه إلى أبعد الحدود ليلبس على العامّة أنّه صاحب هذه المكانة والمنزلة العالية وبذلك يدّعي ما يشاء. ويظهر ذلك جلياً في تفسيره لمقولته السابقة التي يقولها مراراً وتكراراً في كتبه (أنت مني بمنزلة توحيدي)، يقول: " معناه عندي أنّ مَن يُبعث في عصر تتعرض فيه وحدانية الله للإساءة والاحتقار، ويعظَّم فيه الشركُ بالله تعالى، يكون ذلك المبعوث بمنزلة وحدانية الله تعالى" ([10]).
وهو يُفسّر مقولته السابقة ليُزيل منها الإبهام ويعتقد أنه يُصلح الخلل بتأويلها، ولكنّه يُقرّر منهجه مرة أخرى في أنّ له منزلة عالية خاصة وهي الآن منزلة " الوحدانية"، ويدّعي فساد التوحيد الموجود وأنّه تعرّض " للإساءة والاحتقار، ويعظَّم فيه الشركُ بالله تعالى " لكي يجعل ذلك سبب لبعثة نبيّ أو رسول ليُصلح هذا الفساد ويقصد نفسه طبعاً، هنا يظهر هذا المراد جلياً في قوله أنّ الله أوحى له: "إنّك تحظى بقربي وحبّي، وأنا أحبّ توحيدي وتفريدي، وكما أحبّ ذيوع توحيدي في الدنيا، فكذلك سوف يُذاع اسمك، وأينما يصل اسمي يصل اسمك أيضاً". ([11])
والقول بفساد التوحيد والزيغ عن الحق وإصلاح هذا الفساد هو ما يسميه أتباع القادياني ضرورة العصر، ويتغنون به بأنّه من أدلة صدق القادياني، فالعصر إذا فسد لا بدّ من ظهور مصلح ينزل عليه الوحي،والسؤال هنا: هل جاء القادياني بالتوحيد المقدس الذي يدّعيه؟ إنّ الضلال الذي يدّعونه ما هو إلا الزيغ بعينه، فهم يدّعون أنّ انقطاع نزول الوحي هو الزيغ، ثم إنّ وظيفة الدعوة هي وظيفة كلّ مسلم وليست مقصورة على مصلح،وسيتضح جلياً رأيه في الفصول الآتية التي تفصّل أقواله في ذلك بإذن الله تعالى.
فيتضح مما سبق أن القادياني يربط التوحيد باستمرار نزول الإلهام والوحي على المرء وهو يُشير إلى نفسه وكذلك يدعي فساد التوحيد وأن الله وهبه التوحيد المقدس وذلك أيضا ليثبت نبوته ويدعي ايضا أن منزلة التوحيد تساوي منزاته والعياذ بالله وكذلك يدعي أنه أعطي صِفَةَ الإِفْنَاءِ وَالإِحْيَاءِ والعياذ بالله .
محمد الجريري 7-10-2019
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) السفاريني، محمد بن أحمد، لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية،عدد الأجزاء: 2،ط2دمشق-مؤسسة الخافقين ومكتبتها 402 هـ - 982 م. ج 1 ص 57
([2]) القادياني، غلام أحمد، كتاب نسيم الدعوة( ط1، ١٩٠٣) ، مطبعة ضياء الإسلام، ص 78،
([3]) القادياني، غلام أحمد، الملفوظات،ص 296.
([4]) القادياني، غلام احمد ،البراهين الأحمدية،الأجزاء الأربعة،ت عبد المجيد عامر، ط1، 2013 م، ن: Islam International Publications Ltd، United Kingdom. ، ص 257
([5]) القادياني، غلام أحمد، البراهين الأحمدية،ج5، ص 151 .
([6]) القادياني، غلام أحمد، التذكرة، ص 65.
([7]) القادياني، غلام أحمد، الخطبة الإلهامية(ط 2009) الشركة الاسلامية المحدودة، ص 21.
([8]) القادياني، غلام أحمد، ينبوع المعرفة، (ص157 - 158)
([9]) القادياني، غلام أحمد، التذكرة، ص 364 .
([10]) "بدر"، مجلد 2، عدد 12، يوم 10/ 4/1903، ص 91، عمود 2\التذكرة
([11]) القادياني، غلام أحمد، أربعين رقم 3 - ص25.