مقولات القادياني في أسماء الله الحسنى وصفاته العٌلى.
مقولات القادياني في العقائد (5)
The Sayings of Al-Qadyani in Doctrins
مقولات القادياني في أسماء الله الحسنى وصفاته العٌلى.
وكما فعل القادياني في المبحث السابق يفعل الآن، فهو يدير دفة الأسماء والصفات ويوجّهها إلى أنّه المسيح الموعود والمهدي المنتظر، لذلك يدّعي اختفاء معرفة الله و فساد الزمان وانتشار الجهل بأسماء الله وصفاته وانتشار البدع والشرك والخرافات، فلا بدّ أن يبعث الله من يظهر الحق وهو كشف أسماء الله وصفاته والطرق الموصلة إليه، ويدّعي أنّ الله بعثه هو ليقوم بهذه الوظيفة، يقول القادياني:- " فقد النّاس معرفة الله تعالى، ونسبوا إليه صفات عجيبة غريبة مِن عند أنفسهم، وغفلوا عن أسماء الله وصفاته، واتخذوا كتبه وصحفه مهجورة، وجعلوا له أندادًا وشركاء، فبات الله تعالى كنزاً مخفياً، فآتاني معرفته وحبّه تعالى وبعثني لهداية النّاس إلى الصّراط المستقيم، ومن أجل ذلك لا أبرح عاكفًا على تحقيق هذه الغاية ليل نهار من خلال كتبي وخطبي وعنايتي ودعائي وسيرتي والآيات المهيبة وأسرار الغيب ومعارف القرآن وحقائقه ودقائقه التي قد وهبني الله تعالى إيّاها"([1]).
والآن بعد هذا النّص الذي يدّعي فيه القادياني أنّ وظيفته بيان صفات الله وأسمائه والطريق الموصلة إليه، سنرى ما الجديد الذي جاء به وما الطريق الذي أوضحه.
مقولات القادياني في أسماء الله تعالى:-
إنّ من أعظم مسائل الإيمان موضوع أسماء الله الحسنى والحرص على فهم قواعدها ومعانيها وتعبد الله بها. ومع عظم أهميّة أسماء الله تعالى، فلا نجد للقادياني كتاباً خاصّاً بأسماء الله الحسنى ولا بصفاته أيضاً، مع أنّه ادّعى أنّ من أهداف بعثته الكشف عن أسرار ومفاهيم جديدة وغائبة.
وبعد البحث في كتبه نجد للقادياني مقولات كثيرة عن أسماء الله يؤول فيها أسماء الله تأويلات يخرجها عن المعنى اللغوي والدلالة الاصطلاحية التي يجب أن تكون لله جل جلاله، ويدّعي لله أسماءً غريبة جديدة،ومن ذلك قوله في بيان معنى قوله تعالى:( الذين يؤمنون بالغيب )[البقرة: ٣ ]أنّ الغيب هو اسم الله، يقول القادياني:" الغيب اسم الله، وهذا الغيب يشمل الجنّة والنّار وحشر الأجساد وغيرها من الأمور التي لا تزال في حجب الغيب. " ([2])وهو يفسر هذه الآية بهذا المعنى ربما للأعجميته وعدم فهمه للدلالات اللغوية العربيةوضعفه في تقرير المعاني وتدبرة لكتاب الله تعالى.
هل هذا هو العلم الذي خفي عن العالم وجاء به القادياني ليُخرج به النّاس إلى النّور، وهل هذا الكلام الذي سيُحارب به الشرك الذي ادّعى أنّه انتشر، أم أنّ كلامه هو الذي فيه الضّلال بادّعائه أنّ الفرد بالرّياضات الروحية يعلم الغيب ويرى الله أيضاً. ويقول القادياني في موضع آخر: "إنّ من أسماء الله تعالى الملهِم ومنـزِّل الوحي أيضاً. " ([3]) يعتبر القادياني أيضاً أنّ الملهم اسم من أسماء الله تعالى وكذلك يقول: "اسم الله هو العاصم"([4]).
ومعلوم أنّ ادّعاء الأسماء لله لا يكون بالعقل بل بالنقل لكونها توقيفية، ولكنّ القادياني لم يكتفي بهذه الطريقة بل تعدّاها إلى إثبات ما هو ليس بعربيّ على أنّه اسم من أسماء الله، يقول القادياني: "عند كتابة هذا المقال خاطبَني الله تعالى وقال: "يلاش خدا کا ہي نام ہے. " (أردية) أي: أنّ "يلاش" هو من أسماء الله تعالى. " ([5])
وهذه ترجمته هو أنّ يلاش اسم من أسماء الله، وليس ذلك فحسب بل إنّ القادياني يقول عن هذا الاسم:"هذا اسم إلهامي جديد، ولم أجده على هذا الشكل في القرآن ولا في الحديث ولا في أي معجم، وقد كُشف عليّ معناه أنّه: يا لا شريك . " ([6])فهو يُصرّ على كونه من أسماء الله مع أنّه ليس في الكتاب ولا في السّنة ولا في المعجم، وطبعاً إنّ اختيار كلمة غير عربية كإسم لله غير جائز البتّة، ولكنّ القادياني يقصد بذلك أن يُعلي من منزلته أمام أتباعه وبأنّه جاء بجديد، فلو لم يأتي بجديد سيكون مثله مثل باقي المسلمين، فلذلك يُكثر من البهرجات والكلمات الكبيرة التي تحمل التهويل والتخويف، وما يُثبت ذلك ادّعاء أتباعه أنّ نزول هذا الاسم عليه هو من باب أنّ بعض الأسماء قد علّمها لبعض خلقه، وذلك استناداً لحديث: ( أو علّمته أحداً من خلقك)([7])وأنّ مسيحهم الموعود هو منهم، وليت شعري لو كان إثباته اسم من أسماء الله بالادّعاء والظنّ لجاز نسب أيّ اسم لله، لا يجوز تسميّة الله تعالى بما لم يُسمِّ به نفسه، ولا أدري أيقبل أحد من الأحمدية أن يسمي ولده عبد يلاش أو أن يخاطبهم المرء بعباد يلاش .
ولم يكتفي القادياني بذلك ولكنّه بدأ يُسمّي الله بما لا يليق به في سبيل تعظيم نفسه، فقد زعم أنّ الله يُسمّى قمراً وشمساً، والعياذ بالله.
يقول القادياني أنّه أُوحي إليه الجملة الآتية:"يا قمر يا شمس"([8])
وقال في تفسير ذلك: ". . . سمّاني الله تعالى في هذا الوحي مرّة قمرًا، وسمّى نفسه شمسًا، والمراد منّه أنّه كما يكون نور القمر مستفاضاً من الشّمس، كذلك فإنّ نوري مستفاض من الله تعالى. ثمّ سمّاني الله مرّة ثانية شمساً وسمّى نفسه قمرًا، والمراد منه أنّه يُظهر ضياء جلاله بواسطتي، وإنّه كان مخفياً وسيُعرف الآن على يدي، والدنيا كانت في غفلة عن تجلّيه ولكن تجلّياته الجلاليّة سوف تنتشر الآن بواسطتي في كل طرف من أطراف العالم. "([9])إنّ من الافتراء على الله أن تقول أن من أسماء الله شمس أو قمر، ولا حتى على سبيل المجاز، ولكن الهدف الذي يرمي له القادياني فهو تعظيم نفسه أمام أتباعه ليعظموه ولو لم يصدقوه، وهو أيضاً يريد أن يأتي بالجديد الذي وعد أتباعه به، ولو بتسمية الله بما لا يليق، فحبّ تعظيم النفس يُعمي ويُصم، حتى يصل بالمرء إلى ذلك.
وقد وجد للقادياني مقولات أخرى يمجّد فيها نفسه كعادته ولكنّه هذه المرّة وقع بمخالفة أشد في مسألة أسماء الله، يقول القادياني:"يا أحمد يتمّ اسمك ولا يتمّ اسمي".([10]) وبعد أن ادّعى ذلك يبدو أنّه تنبّه إلى عظم شناعة هذا القول، فبادر إلى تأويله وتصحيح معناه مباشرة فوضع بين قوسين المعنى الجديد مباشرة بعد الكلمة،مع أنّه في العادة يقوم بتفسير المعنى في الهامش، يقول:" أي أنت فانٍ ينقطع تحميدك، ولا ينتهي محامد الله، فإنّها لا تُعدُّ ولا تُحصى". ([11])
أن مناط الخلاف هو هو قوله يتم اسم القادياني ولا يتم اسم الله تعالى،ولكنه قلب المعنى رأساً على عقب وكأنّها كلمة أعجمية ليس لها معنى وبيّن معناها، لقد جاء لها بتفسير جديد ليس له علاقة بها،فقد حرّف جملة: يتمّ اسمك (أي أحمد): بـلا يتمّ اسمك لأنك ستفنى، وحرّف أيضا جملة "لا يتمّ اسمي" : بيتمّ اسمي، وكأنّه يفسّر مقولة لا يتمّ اسمك يا أحمد ويتمّ اسمي، مع أنّ مقولته لا يتمّ اسمي ويتمّ اسمك (أي يا أحمد) وبكلّ بساطة يفرح أفراد جماعته بهذا التفسير ويقبلونه دون نقاش.
ولم يكتفي في التّعدي على أسماء الله بهذا بل في هذه المقولة يدّعي أنّ الله يخاطبه:
" كما أحبّ ذيوع توحيدي في الدّنيا فكذلك سوف يُذاع اسمك، وأينما يصل اسمي يصل اسمك أيضاً"([12]).
فهو يقرن وصول اسمه بوصول اسم الله وليس أوضح من الردّ عليه من الواقع، ولا أظنّ أن القادياني يخفى عليه انتشار اسم الله في العالم أجمع ليحصره في أماكن جماعته، وإنّما يريد تعظيم اسمه ولو على حساب حصر اسم الله جلّ وعلا.
وأخيراً يكشف لنا القادياني عن اسم الله الأعظم فيخرق قواعد اللغة بأن يكون الاسم جملة، يقول القادياني: "في المنام ألقى الله تعالى في قلبي دعاء: "ربِّ كلُّ شيءٍ خادمُك، ربِّ فاحفَظْني وانصُرْني وارحَمْنيوأُلقيَ في قلبي أنّه هذا هو الاسم الأعظم، ومَن قرأ هذه الكلمات نجا من كلّ آفة. " ([13])ثم إنّه يكشف لنا عن اسم الله الأعلى فيدّعي أنّ الله أوحى إليه: "وأنت إسمي الأعظم. "([14]) .
هذا هو الجديد في التوحيد بما يخصّ أسماء الله الذي ادّعى القادياني أنّه سيأتي به،اسم قمر واسم شمس هو من أسماء الله وأنّ اسم الغيب ويلاش أيضاً كذلك . وما هذا إلا إلحاد في أسماء الله، وقد قال تعالى: ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأعراف: 180]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) القادياني، غلام أحمد، التذكرة، ص 87
([2]) القادياني، غلام أحمد، الملفوظات،ص1425
([3]) القادياني، غلام أحمد، ينبوع المعرفة، ص 40
([4]) القادياني، غلام أحمد، الملفوظات، ص 267
([5]) القادياني، غلام أحمد،التذكرة، ص 239.
([6]) المرجع السابق،ص 451.
([7]) رواه ابن حبّان،محمد بن حبان بن أحمد بن حبان ،الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان،ت: شعيب الأرنؤوط:إسناده صحيح، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، رقم الحديث (972) ،ج3 ص253
([8]) القادياني، غلام أحمد،التجليات الإلهية،ص 397.
([9]) القادياني، غلام أحمد، التذكرة، ص 478، في الهامش
([10]) القادياني، غلام أحمد، سر الخلافة، ص 66
([11]) القادياني، غلام أحمد، (البراهين الأحمدية، ج2 - 242).
([12]) القادياني، غلام أحمد، (أربعين رقم 3 - ص25).
([13]) القادياني، غلام أحمد، الملفوظات، ص 680.
([14]) القادياني، غلام أحمد، التذكرة ،ص 399.
محمد الجريري 9-10-2019م