مقولات القادياني في أدلة وجود الله

مقولات القادياني في أدلة وجود الله

محمد الجريري

مقولات القادياني في العقائد

The Sayings of Al-Qadyani in Doctrins

(2)

مقولات القادياني في أدلة وجود الله: -

لقد أمرنا الله بالتفكر في عظمته وجعل ذلك من أعظم القربات، فالكون هو كتاب الله المفتوح كما أنّ القرآن كتابه المقروء،وفي هذا المبحث سيتضح معتقد الميرزا في التوحيد وأدلّة وجود الله واعتقاده بذات الله.

إنّ من مناهج الاستدلال على وجود الله جلّ جلاله ما يعتمد على النقل ومنها ما يعتمد على الحجج العقلية ،ومنها دليل الخلق: كما في قوله تعالى(( أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون))[الطور:35]و دليل العناية والإتقان والمعجزات .

وقد استدل القادياني بهذه الأدلّة في بعض كتبه حيث يقول: "الأدلّة العقلية على وجود الله تعالى الآن انظروا ما أحسن وما أبدع ما ساقه القرآن الحكيم من أدلّة عقلية على وجود الله تعالى. "([1]

لكنّه يقول في أماكن أخرى في كتبه أنّ هذه الطُّرق (العقلية والنقلية)لا توصل إلى إثبات وجود الله حقيقة، وأنّ أصحابها لا زالوا محرومين، فهو يقول:" الذين يستدلّون على وجود الله تعالى من الشواهد العقلية أو النقلية أو الإلهامات المزعومة فقط - كعلماء الظاهر والفلاسفة -،أو الذين يقرّون بوجود الله من خلال قواهم الروحانيّة أي قدرتهم على الكشوف والرؤى، ولكنّهم محرومون من نور قرب الله تعالى فمَثلهم كمثل الذي يرى دخاناً من بعيد ولا يرى ضوء النّار، بل يقرّ بوجود النّار بالنّظر إلى الدّخان فحسب. فهذا مَثَل الإنسان المحروم من البصيرة التي تأتي بواسطة النّور" ([2])

ويقول إنّه يستحيل أن يعرف وجود الله حقيقة إلّا بالنّبوة فقط، يقول القادياني في بيان ذلك:- " ليكن معلوماً أيضاً أنّ الأنبياء عليهم السلام وحدهم يُطلِعون النّاس على وجود الله تعالى ويعلِّمونهم كونه واحداً لا شريك له. ولو لم يأتِ هؤلاء المقدّسون إلى الدنيا لاستحال نوال الصراط المستقيم بصورة يقينية. " ([3])

وهو يركز على هذا الدليل لأنّه يعتبر نفسه نبيّاً، فتعظم الحاجة إليه كي يُثبت للنّاس وجود الله الحقيقي، ويقول في موضع آخر تثبيتاً لهذا الأمر:- " من أكبر البراهين على وجود الله تعالى أنّ عباده يُنَبَّأون بالأحداث قبل وقوعها. " ([4])

ويقول:"إنّ الغارق في الظلمات الذي يجهل أنّ كلام الله المؤكّد واليقيني ينـزل على عباده يجهل وجود الله في الحقيقة" ([5])

ويقول:"ما استطاع أحد أن يحلّ عقدة وجود الله دون أن يُعلنَ هو: أنا الموجود". ([6])

أي أنّ وجود الله الحقيقي لا يكون إلا بنزول الوحي، كأن يقول الله أنا موجود وهويؤكّد هذا في تعليقه على قوله تعالى ((إياك نعبد وإياك نستعين )) [الفاتحة: 6-7] ويُشير إلى أن أعظم نعمة أنعم الله تعالى بها على الأنبياء هي الوحيّ اليقينيّ، الذي يدل على وجود الله تعالى وإذا انقطع الوحي اليقيني ينقطع على حسب رأيه اليقين بوجود الله فيقول: " وبدون ذلك لا يحصل اليقين بوجود الله ولا بصفاته. وما دام قد اعتُرف بأنّ الله قادر على أن يُنـزِّل كلامَه اليقيني على عبدٍ من عباده ". ([7])

وهو بذلك يريد أن ينزل على العبد الوحيّ اليقينيّ لكي يكون مؤمناً بوجود الله،وأمّا الإيمان بوجود الله عن طريق القرآن بأنّه وحيّ للنّاس جميعاً، أو حتى المعجزات السابقة فلا يكفي بل يجب أنّ يراها العبد بعينيه حتى يؤمن بوجود الله، يقول في هذا الصدد: "كذلك لا يمكن القول بأنّ الكتب والمعجزات السابقة لا تُشكّل دليلاً قاطعاً على وجود الله تعالى،لأنّ تلك المعجزات ليست من قبيل المشاهدات البديهية في الوقت الحالي" ([8])

كما ويقول إنّ الكتب والمعجزات السابقة لا تُشكّل دليلاً قاطعاً على وجود الله تعالى، مع هذه الطريقة بالاستدلال على وجود الله سلكها المتقدّمون من علماء المسلمين، والقول بأنّها ليست يقينيّة جهل، وكيف لا تفيد الإيمان اليقيني وقد تواتر خبرها واستفاض وهي أمور لا يستطيع أن يفعلها النّبي الّا بقدرة من الله، وبذلك تدل دلالةً يقيناً على وجوده سبحانه.

ومما يشير صراحة على أنّ معجزات الأنبياء هي دليل كافي لكي يؤمن البشر جميعهم بالله تعالى ويظهر اضطراب قول القادياني، قاله رسول الله - عليه الصّلاة والسّلام -: ( ما من الأنبياء نبيّ إلّا أُعطي ما مثلُه آمن عليه البشر، وإنّما كان الذي أوتيتُ وحياً أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة) ([9]) ومعلوم أنّ القرآن الكريم هو أكبر معجزة لسيدنا محمد- عليه الصّلاة والسّلام -، والقادياني يقول صراحة بأنّ الكتب لا تُشكّل دليلاً قاطعاً، كيف لا وما فيها من إعجازات لغويّة وتشريعيّة وعلميّة معاصرة تتحقق، تجزم بصحّة أنّه معجزة وبالتّالي تكون دليلاً قاطعاً على وجوده جلّ وعلا.

ويتّضح ممّا سبق: أنّه ردّ الأدلّة العقلية والكلاميّة والفلسفيّة وحتى النقلية ،مع أنه استخدمها في كتبه وأخذ بها، وأخذ بدليل نزول الوحي من أجل القبول بنبوّته، ودليل ادعاء أن الله يكلمه كلاما يقينيا ، وأنه لم يعتمد دليل المعجزات أيضا ولم يعتبر الكتب السابقة ولاحتى القرآن الكريم دليلا قاطعا على وجود الله تعالى .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) القادياني، غلام أحمد، فلسفة تعاليم الاسلام( ط3، 2011)،ص85، طباعةالشركة الإسلامية المحدودة،ن: Islam International Publications Ltd.

([2]) القادياني،غلام أحمد،حقيقة الوحي، ص 36.

([3]) القادياني، غلام أحمد، حقيقة الوحي، ص99-ص100.

([4]) القادياني، غلام أحمد، التذكرة، ص876.

([5]) القادياني، غلام أحمد، نزول المسيح( ط1، 2011)، ترجمة عبد المجيد عامر، ص 73، اناشر الشركة الإسلامية المحدودة.

([6]) المرجع السابق، ص 91.

([7]) القادياني، غلام أحمد، نزول المسيح، ص 114

([8]) المرجع السابق ص 115.

([9]) البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، 1422هـ،الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه ( تحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر) ط 1، باب كيف نزل الوحي و أول ما نزل من الوحي، حديث رقم :4981، ج 6 ص 182، دار طوق النجاة.