معجزة موسى مع سحرة فرعون
معجزة موسى مع سحرة فرعون
بقلم: أبوعبيدة العجاوي
قال ربنا تبارك وتعالى :
{ فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَٰتِ يَوۡمٖ مَّعۡلُومٖ • وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلۡ أَنتُم مُّجۡتَمِعُونَ • لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُواْ هُمُ ٱلۡغَٰلِبِينَ • فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرۡعَوۡنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجۡرًا إِن كُنَّا نَحۡنُ ٱلۡغَٰلِبِينَ • قَالَ نَعَمۡ وَإِنَّكُمۡ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ • قَالَ لَهُم مُّوسَىٰٓ أَلۡقُواْ مَآ أَنتُم مُّلۡقُونَ • فَأَلۡقَوۡاْ حِبَالَهُمۡ وَعِصِيَّهُمۡ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرۡعَوۡنَ إِنَّا لَنَحۡنُ ٱلۡغَٰلِبُونَ • فَأَلۡقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ • فَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَٰجِدِينَ • قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ • رَبِّ مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ }. (الشعراء ٣٨-٤٨).
{ قَالُوٓاْ أَرۡجِهۡ وَأَخَاهُ وَأَرۡسِلۡ فِي ٱلۡمَدَآئِنِ حَٰشِرِينَ • يَأۡتُوكَ بِكُلِّ سَٰحِرٍ عَلِيمٖ • وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرۡعَوۡنَ قَالُوٓاْ إِنَّ لَنَا لَأَجۡرًا إِن كُنَّا نَحۡنُ ٱلۡغَٰلِبِينَ • قَالَ نَعَمۡ وَإِنَّكُمۡ لَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ • قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِمَّآ أَن تُلۡقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحۡنُ ٱلۡمُلۡقِينَ • قَالَ أَلۡقُواْۖ فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ سَحَرُوٓاْ أَعۡيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسۡتَرۡهَبُوهُمۡ وَجَآءُو بِسِحۡرٍ عَظِيمٖ • وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۖ فَإِذَا هِيَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ • فَوَقَعَ ٱلۡحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ • فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَٱنقَلَبُواْ صَٰغِرِينَ • وَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَٰجِدِينَ • قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ • رَبِّ مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ }. (الأعراف ١١١-١٢٢).
{ وَلَقَدۡ أَرَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ • قَالَ أَجِئۡتَنَا لِتُخۡرِجَنَا مِنۡ أَرۡضِنَا بِسِحۡرِكَ يَٰمُوسَىٰ • فَلَنَأۡتِيَنَّكَ بِسِحۡرٖ مِّثۡلِهِۦ فَٱجۡعَلۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكَ مَوۡعِدٗا لَّا نُخۡلِفُهُۥ نَحۡنُ وَلَآ أَنتَ مَكَانٗا سُوٗى • قَالَ مَوۡعِدُكُمۡ يَوۡمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحۡشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحٗى • فَتَوَلَّىٰ فِرۡعَوۡنُ فَجَمَعَ كَيۡدَهُۥ ثُمَّ أَتَىٰ • قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيۡلَكُمۡ لَا تَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبٗا فَيُسۡحِتَكُم بِعَذَابٖۖ وَقَدۡ خَابَ مَنِ ٱفۡتَرَىٰ • فَتَنَٰزَعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجۡوَىٰ • قَالُوٓاْ إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخۡرِجَاكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِمَا وَيَذۡهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلۡمُثۡلَىٰ • فَأَجۡمِعُواْ كَيۡدَكُمۡ ثُمَّ ٱئۡتُواْ صَفّٗاۚ وَقَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡيَوۡمَ مَنِ ٱسۡتَعۡلَىٰ • قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِمَّآ أَن تُلۡقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنۡ أَلۡقَىٰ • قَالَ بَلۡ أَلۡقُواْۖ فَإِذَا حِبَالُهُمۡ وَعِصِيُّهُمۡ يُخَيَّلُ إِلَيۡهِ مِن سِحۡرِهِمۡ أَنَّهَا تَسۡعَىٰ • فَأَوۡجَسَ فِي نَفۡسِهِۦ خِيفَةٗ مُّوسَىٰ قُلۡنَا لَا تَخَفۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡأَعۡلَىٰ • وَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيۡدُ سَٰحِرٖۖ وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ • فَأُلۡقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّدٗا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِرَبِّ هَٰرُونَ وَمُوسَىٰ }. (طه ٥٦-٧٠).
قال بشير الدين محمود ابن القادياني : "لما ألقى السحرة حبالهم وعصيهم، ألقى موسى عصاه. وكانت حبالهم وعصيهم محشوة بالزئبق الذي كان يحركها، فانكسرت بضرب موسى إياها بعصاه وخرج منها الزئبق، وانكسفت خداع السحرة، فخروا ساجدين إذ كانوا يعلمون حقيقة سحرهم، وقالوا : ( آمنا برب العالمين • رب موسى وهارون ). أي قد عرفنا الآن أنه نبي صادق ولسنا إلا سحرة دجالين".
والرد عليه :
أولا : لا أعرف كيف تحشى الحبال والعصي بالزئبق، وكيف يحركها، وهذا الكلام غير عملي ولا هو واقعي، وهذا التفسير فاسد كفساد صاحبه.
ثانيا : في هذا التفسير يقول بشير : ( ألقى موسى عصاه ) و ( فانكسرت بضرب موسى إياها بعصاه وخرج منها الزئبق ).
وهناك فرق بين الإلقاء وبين الضرب ! ففي شأن البحر أثبت الله الضرب : { فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ }. (الشعراء ٦٣).
وفي شأن الحجر والعيون اثبت الله الضرب : { فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا }. (البقرة ٦٠).
بينما في شأن السحرة أثبت الله "الإلقاء" كما في النصوص الثلاثة في الأعلى.
وبشير الدين متناقض، فمرة أثبت الإلقاء، ومرة أثبت الضرب، وهذا الضرب لكسر العصي يحتاج ضربا متواصلا وكثيرا، وهذا إن تحقق في العصي وكسرت، فهو غير ممكن في الحبال، فالحبال لا تكسر كسرا، بل تقطع قطعا !
ثالثا : إن الله لم يذكر الكسر بشأن العصي والحبال، بل أثبت التلقف، والتلقف هنا : هو البلع بسرعة :
" فألقاها فاذا هي تلقم وتبتلع ما يسحرون كذبًا وباطلا ". (تفسير الطبري).
" ( فإذا هي تلقف ) أي : تأكل ( ما يأفكون ) أي : ما يلقونه ويوهمون أنه حق ، وهو باطل " . (تفسير ابن كثير).
" تَلَقَّفَ الشيءَ : التقفه. ويقال: تلقَّف الكلامَ من فمه : تلقَّاه وحفِظه بسرعة..و تَلَقَّفَ الطعامَ : بَلِعَه ". (المعجم الوسيط).
رابعا : إذا كان الأمر مجرد حيلة ( التحرك بالزئبق ) فكشف حيل كهذه لا تثبت نبوة لأحد، فمثلا لو كان هناك شيء يتحرك ( بواسطة بطارية وما شابه ذلك ) فكسر ذلك الشيء لا يثبت نبوة، إنما الأمر كشف حيلة وخداع. لكن في حالة موسى عليه السلام كان هناك إبطال لسحر عظيم بإذن الله، كما وصفه الله تعالى : { وَجَآءُو بِسِحۡرٍ عَظِيمٖ }. وتلقفت عصى موسى -عليه السلام- حبال وعصي السحرة بسرعة، هذا ليس فقط إبطال للسحر، بل ومعجزة أيضا وآية من آيات الله، وإثبات نبوة.
خامسا : السحر أنواع : مثل سحر المحبة، وسحر الربط، وسحر التخييل… والسحر الذي وقع مع موسى ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - هو سحر التخييل فتسخر العيون فترى أشياء على خلاف حقيقتها كما قال تعالى :
عن موسى : { فَإِذَا حِبَالُهُمۡ وَعِصِيُّهُمۡ يُخَيَّلُ إِلَيۡهِ مِن سِحۡرِهِمۡ أَنَّهَا تَسۡعَىٰ }.
وعن الناس : { فَلَمَّآ أَلۡقَوۡاْ سَحَرُوٓاْ أَعۡيُنَ ٱلنَّاسِ }.
فعصي وحبال السحرة لم تتحول إلى ثعابين، بل سحروا أعين الناس، فخيل للناس أن العصي و الحبال تتحرك وتسعى مثل الثعابين.
والذين ينفون سحر نبينا محمد - عليه الصلاة والسلام - بحجة أن هذا طعن في الوحي، فهذا غير صحيح، لأن السحر الذي سحر به نبينا محمد لا علاقة له بالوحي، فكان يخيل له أنه يأتي النساء ولا يأتيهن :
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ، حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ وَلَا يَأْتِيهِنَّ ". (البخاري).
ثم لاحظ أنه لما سحر السحرة عيون موسى : { قَالَ بَلۡ أَلۡقُواْۖ فَإِذَا حِبَالُهُمۡ وَعِصِيُّهُمۡ يُخَيَّلُ إِلَيۡهِ مِن سِحۡرِهِمۡ أَنَّهَا تَسۡعَىٰ فَأَوۡجَسَ فِي نَفۡسِهِۦ خِيفَةٗ مُّوسَىٰ قُلۡنَا لَا تَخَفۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡأَعۡلَىٰ * وَأَلۡقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلۡقَفۡ مَا صَنَعُوٓاْۖ إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيۡدُ سَٰحِرٖۖ وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ }.
خاطبه الله - تبارك وتعالى - ولم يؤثر السحر على الوحي، بل غلب الوحي السحر، وغلبت معجزة الله سحر السحرة.
وهذا التفسير من القاديانية لنفي أن للسحر حقيقة باطل بنصوص الكتاب والسنة، والواقع، والمشاهد، والمحسوس، والمعلوم.
سادسا : تفسير بشير هذا الذي تتبناه القاديانية مخالف لغلام أحمد القادياني :
فالقادياني يؤمن بالسحر ويثبته، يقول القادياني : " وكأن آلام ذلك العاشق وتأوهاته التي يوجهها ليل نهار تعمل في الحبيب عمل السحر ". (مذهب سناتن ٢٠٤).
والقادياني يثبت تحول عصا موسى إلى حية : " وان مثل طير كمثل عصا موسى، ظهرت كحية تسعى ولكن ما تركت للدوام سيرته الأولى ". (حمامة البشرى ١٨٨).
ويقول أيضا : " لذلك فإن عصا موسى بقيت عصا مع أنها تحولت إلى ثعبان مرارا. وإن طيور عيسى -مع أن طيرانها على سبيل المعجزة ثابت من القرآن الكريم- بقيت جينا على أية حال. ولم يقل الله تعالى مطلقا بأنها صارت حية أيضا ". (مرآة كمالات الإسلام ٦٣).
بل القادياني ! يثبت تحول حبال السحرة إلى ثعابين، مع أن المسألة هي أن السحرة سحروا أعين الناس، ولم تتحول الحبال إلى ثعابين كما قال تعالى : { فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ }. (الأعراف ١١٦).
يقول القادياني : " إنني استغرب بشدة كيف تأثرت بكتابات مثل هذا الشخص. إن هؤلاء القوم سباقون على السحرة الذين حولوا الحبال إلى ثعابين أمام النبي موسى عليه السلام ولكن لما كان موسى نبي الله فقد ابتلعت عصاه تلك الثعابين كلها ". (ينبوع المسيحية ١٥٧).
وفي هذا النص الأخير يثبت القادياني ( البلع )، وليس الضرب والكسر، كما يقول ابنه بشير الدين وما تقوله القاديانية.
بسم الله ونعوذ بالله ووجهه وكلماته رب كل شيء ومليكه.
والحمد لله رب العالمين.