معجزة شق البحر
معجزة شق البحر
{ فَلَمَّا تَرَٰٓءَا ٱلۡجَمۡعَانِ قَالَ أَصۡحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدۡرَكُونَ قَالَ كَلَّآۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهۡدِينِ فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقٖ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِيمِ وَأَزۡلَفۡنَا ثَمَّ ٱلۡأٓخَرِينَ وَأَنجَيۡنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓ أَجۡمَعِينَ ثُمَّ أَغۡرَقۡنَا ٱلۡأٓخَرِينَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ }. (الشعراء ٦١-٦٧).
{ وَلَقَدۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَسۡرِ بِعِبَادِي فَٱضۡرِبۡ لَهُمۡ طَرِيقٗا فِي ٱلۡبَحۡرِ يَبَسٗا لَّا تَخَٰفُ دَرَكٗا وَلَا تَخۡشَىٰ فَأَتۡبَعَهُمۡ فِرۡعَوۡنُ بِجُنُودِهِۦ فَغَشِيَهُم مِّنَ ٱلۡيَمِّ مَا غَشِيَهُمۡ وَأَضَلَّ فِرۡعَوۡنُ قَوۡمَهُۥ وَمَا هَدَىٰ }. (طه ٧٧-٧٩).
قالت القاديانية : كل ما في الأمر أن الله تعالى قد أتى ببني إسرائيل إلى البحر وقت الجزر، فما إن ضرب موسى عليه السلام بعصاه البحر حتى أخذ الماء ينحسر. وعندما وصل فرعون البحر كان موسى عليه السلام قد عبر معظم اليابسة التي انحسر عنها ماء البحر، فلما رآهم فرعون يعبرون البحر من ذلك المكان أسرع وراءهم بعرباته. ولكن رمال البحر أدّت إلى هلاكه وجنوده حيث أخذت عجلات عرباتهم تغوص في الرمال، وقضوا وقتًا طويلا في محاولة إخراجها من الرمال، حتى حان وقت المد، فرجع الماء وأغرق فرعون وجنوده.
والحق أن قوله تعالى (فانفلق) أيضًا يشير إلى هذه الحقيقة، لأن الانفلاق يعني الانشقاق والانفصال. والمراد من انفلاق البحر أن ماءه انحسر عن الشاطئ، فظهرت اليابسة، فمرّ بها بنو إسرائيل والبحرُ على جانب منهم والبحيراتُ الصغيرة الواقعة قريبًا من البحر على جانبهم الآخر، وتراءت لهم مياه البحر والبحيرات كتلال مرتفعة.
والرد على قول القاديانية والعياذ بالله :
أولا : المد : هو ارتفاع منسوب المياه. والجزر : هو انخفاض منسوب المياه. وهذا غير متوفر في معجزة شق البحر لموسى - عليه السلام - والأمر طبيعي وعادي جدا حسب تفسير القاديانية وليس خارقا للعادة، فلماذا يأمر الله موسى : { فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَ }. لا حاجة لضرب البحر بالعصا، إذا كان الموضوع مجرد مد وجزر، ثم ضرب البحر بالعصا والموضوع مد وجزر، فهذا عبث - حسب تفسير القاديانية - والله منزه عن العبث والعياذ بالله.
ثانيا : معنى الانفلاق هو الانشقاق والانفصال كما عرفته القاديانية، إلا أنها قالت : والمراد من انفلاق البحر أن ماءه انحسر عن الشاطئ، وهناك فرق بين الانفلاق وبين الانحسار ! " انْحَسَرَ : انْكشف. و انْحَسَرَ الماءُ عن السَّاحل: ارتدَّ حتَّى بدَت الأَرضُ ". (المعجم الوسيط).
الانفلاق هو الإنشقاق، بينما الانحسار مجرد تقلص للماء وتراجع له.
ثالثا : قال تعالى : { فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقٖ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِيمِ }. أي كالجبل الكبير، وهذا لا ينطبق على المد والجزر. ثم قالت القاديانية : وتراءت لهم مياه البحر والبحيرات كتلال مرتفعة. وهذه تمويه وتلبيس حتى يتوافق مع النص القرآني.
رابعا : إن الله سبحانه قال : { فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا }. فبين - رب العزة - أن البحر لم ينشق فقط، بل طريق العبور صار يابسا للعبور، وليس مجرد ظهور لليابسة، وطمئنه الله : { لَّا تَخَٰفُ دَرَكٗا وَلَا تَخۡشَىٰ }.
وقول القاديانية : ( ولكن رمال البحر أدّت إلى هلاكه وجنوده حيث أخذت عجلات عرباتهم تغوص في الرمال، وقضوا وقتًا طويلا في محاولة إخراجها من الرمال، حتى حان وقت المد ). والمفروض حسب تفسير القاديانية - الأعوج - أن بني إسرائيل ستغوص أرجلهم في الرمال، لأن هناك رمال ووحل، ستغوص الأرجل كما تغوص العربات في الرمال والوحل ! فلماذا غاص فرعون وجنوده وعرباتهم، ولم تغص ارجل بنو إسرائيل.
ثم عقلا : من يتوقع أن المد قادم - لو فرضنا أن المشكلة في العربات - سوف يترك العربات لينجو بنفسه، أو يلحق ببني إسرائيل.
خامسا : إن الرب تعالى قال في موسى وقومه : { وَأَنجَيۡنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓ أَجۡمَعِينَ }. وقال في فرعون وجنوده : { ثُمَّ أَغۡرَقۡنَا ٱلۡأٓخَرِينَ }. ولو أن الموضوع مد وجزر، والمشكلة ليست في الأرجل بل في العربات ! على الأقل حسب تفسير القاديانية - الأعوج - سينجو نصف الجيش، أو ثلثه، او ربعه، لولا أن المسألة أكبر وأعظم من مجرد مد وجزر.
سادسا : خطر في بالي : أين ستفسر القاديانية هذا الشاطئ ؟ فوجدتهم يقولون السويس على أساس أن هناك شاطئ البحر الأحمر. أقول : هذا الشاطئ إن أصابه مد وجزر، يكفي الإبتعاد ولا داعي للدخول في الرمال والوحل.
وهذا التفسير يتناقض مع أقوال القادياني فهو يعتبر أن غرق فرعون كان في نهر النيل، يقول القادياني :
" وكما حدث في زمن موسى أن فرعون وهامان ظلا مخدوعين ما لم يأخذ بهما طوفان النيل ". (البراهين الأحمدية الجزء الخامس ٢٦٢).
" إن الله حليم دون أدنى شك ولكنه أكثر غيرة أيضا من الجميع. إن غيرته هي التي تسببت في الطوفان في زمن نوح، وغيرته هي التي أغرقت في النهر فرعون وجيشه كله في نهاية المطاف ". (ينبوع المعرفة ٢٣٧).
وكلام القادياني هذا :
١- يبطل قول بشير الدين أن الغرق كان في البحر.
٢- ويبطل تفسير القاديانية أن الغرق كان بسبب المد والجزر.
٣- ويبطل قول بشير والقاديانية أن الغرق كان عند شاطئ البحر.
سابعا : تفسير القاديانية لا معنى له سوى انه - هراء وترهات - تخيل أنك بجانب الشاطئ ستبتعد عن الشاطئ قليلا وعن الرمال والوحل وتتابع سيرك.
أخيرا : يقول القادياني : في حاشية (بركات الدعاء ٣٠) أن الأولياء يمكن لهم التغلب على الغرق والنار : " هنا يجدر الإنتباه إلى سر آخر أيضا وهو أن الخوارق التي تظهر على أيدي الأولياء أحيانا كأن لا يغرقهم الماء أو لا تضرهم النار، فالسر في ذلك أن الله الحكيم القدير الذي لا يمكن للإنسان أن يحيط بأسراره اللامتناهية يُري أحيانا تجلي قدرته عند تركيز أوليائه وأحبائه ومقربيه فيتصرف تفكيرهم في العالَم. فالأسباب الخفية التي يمكن أن يؤدي اجتماعها إلى منع حرارة النار من تأثيرها، سوء أكانت تلك الأسباب تتمثل في تأثيرات الأجرام العليا أو تكون هناك مثلا خاصية كامنة للنار نفسها أو ميزة مكنونة في جسد الإنسان أو تكون مجموعة من تلك الخواص، فتنشط تلك الأسباب نتيجة ذلك التركيز والدعاء، فيبدو للعيان أمر خارق للعادة ولكن هذا لا يؤدي إلى رفع الثقة من خصائص الأشياء ولا يسفر عن ضياع العلوم. بل الحق أن ذلك علم بحد ذاته من جملة العلوم الإلهية، فهو في محله. فمثلا من خواص النار صفة الإحراق بحد ذاتها في محله تماما. بل قولوا إن شئتم إنها موارد روحانية تتغلب على النار".
القادياني يقول : " وهو أن الخوارق التي تظهر على أيدي الأولياء أحيانا كأن لا يغرقهم الماء أو لا تضرهم النار ".
فإذا كان يمكن -للولي- أن يتغلب على خاصية إغراق الماء، فالنبي أحق من باب أولى.
ثم لاحظ أن القادياني لا يتحدث هنا عن شق البحر كحال موسى - عليه السلام - بل يتحدث عن التغلب على خاصية الإغراق للماء، والتغلب على خاصية الإحراق للنار.
وهذا الكلام واضح أنه خرق للعادة، وقوانين الطبيعة، وسنن الله التي جعلها الله تبارك وتعالى للماء والنار.
وهذا بالضرورة يعني : المشي على الماء، أو الغوص في الماء دون خوف الإختناق والغرق.
وهذا القادياني الذي يتحدث عن المعجزات والخوارق والكرامات، لو أنه جاء بشيء من الخوارق، أو سحر أعين الناس كما فعل سحرة فرعون، طالما حاله مخالف للكتاب والسنة، فلا تقبل نبوته المزعومة، ولا مسيحيته ومهدويته المدعاة، ولو أن أحد الصالحين كانت له كرامات فهذا لا يصحح مخالفة له لنص، فإن ابن آدم خطاء، والحكم كتاب الله - جل وعلا - وسنة نبيه - عليه الصلاة والسلام -.
ويروى عن الشافعي - رحمه الله - أنه قال : " إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَمْشِي عَلَى الْمَاءِ، وَيَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ، فَلَا تَغْتَرُّوا بِهِ حَتَّى تَعْرِضُوا أَمْرَهُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ". (البداية والنهاية).
وقال شيخ الإسلام بن تيمية - رحمة الله عليه - : " وَكُلُّ مَنْ خَالَفَ شَيْئًا مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مُقَلِّدًا فِي ذَلِكَ لِمَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ وَلِيُّ اللَّهِ فَإِنَّهُ بَنَى أَمْرَهُ عَلَى أَنَّهُ وَلِيٌّ لِلَّهِ؛ وَأَنَّ وَلِيَّ اللَّهِ لَا يُخَالِفُ فِي شَيْءٍ وَلَوْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ أَكْبَرِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ كَأَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ مَا خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ؛ فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَتَجِدُ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ عُمْدَتُهُمْ فِي اعْتِقَادِ كَوْنِهِ وَلِيًّا لِلَّهِ أَنَّهُ قَدْ صَدَرَ عَنْهُ مُكَاشَفَةٌ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ أَوْ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ مِثْلِ أَنْ يُشِيرَ إلَى شَخْصٍ فَيَمُوتَ؛ أَوْ يَطِيرَ فِي الْهَوَاءِ إلَى مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ يَمْشِيَ عَلَى الْمَاءِ أَحْيَانًا؛ أَوْ يَمْلَأَ إبْرِيقًا مِنْ الْهَوَاءِ؛ أَوْ يُنْفِقَ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ مِنْ الْغَيْبِ أَوْ أَنْ يَخْتَفِيَ أَحْيَانًا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ؛ أَوْ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ اسْتَغَاثَ بِهِ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ مَيِّتٌ فَرَآهُ قَدْ جَاءَهُ فَقَضَى حَاجَتَهُ؛ أَوْ يُخْبِرَ النَّاسَ بِمَا سُرِقَ لَهُمْ؛ أَوْ بِحَالِ غَائِبٍ لَهُمْ أَوْ مَرِيضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ؛ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهَا وَلِيٌّ لِلَّهِ؛ بَلْ قَدْ اتَّفَقَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ طَارَ فِي الْهَوَاءِ أَوْ مَشَى عَلَى الْمَاءِ لَمْ يُغْتَرَّ بِهِ حَتَّى يَنْظُرَ مُتَابَعَتَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُوَافَقَتَهُ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. وَكَرَامَاتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ؛ وَهَذِهِ الْأُمُورِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ صَاحِبُهَا وَلِيًّا لِلَّهِ فَقَدْ يَكُونُ عَدُوًّا لِلَّهِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْخَوَارِقَ تَكُونُ لِكَثِيرِ مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقِينَ وَتَكُونُ لِأَهْلِ الْبِدَعِ وَتَكُونُ مِنْ الشَّيَاطِينِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ أَنَّهُ وَلِيٌّ لِلَّهِ؛ بَلْ يُعْتَبَرُ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ بِصِفَاتِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَيُعْرَفُونَ بِنُورِ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ وَبِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ الْبَاطِنَةِ وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ. (مجموع الفتاوى).
وإن المسيح الدجال يأتي بما يأتي به…، ومع ذلك هو دجال كذاب فتان عدو لله، نعوذ بالله من شره، ونعوذ بالله من فتنته، ونعوذ بالله من خروجه، ونعوذ بالله مما يكون منه.
نعوذ بالله رب العالمين.
ونعوذ بالله رب السماوات والأرض وما فيهن.
والحمد لله رب العالمين.
الكاتب: أبوعبيدة العجاوي.