معجزة رفع المسيح عيسى

معجزة رفع المسيح عيسى

معجزة رفع المسيح عيسى

{ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }. (آل عمران ٥٥).

{ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا }. (النساء ١٥٧-١٥٨).

أدلة القاديانية في انكار رفع عيسى وإبطالها وما هي استدلالات بل أباطيل :

الباطل الأول : قالت القاديانية : إن التوفي في الآية بمعنى الإماتة، ولا يوجد في القرآن، ولا في الأحاديث النبوية، ولا من شعراء العرب، مثال واحد على خلاف هذا المعنى، وهذا يدل على أن عيسى قد مات.

وقالت القاديانية كقاعدة عندها :  [ إن التوفي إذا كان من باب التفعل وكان الفاعل هو الله تعالى أو ملائكته، والمتوفى هو من ذوي الأرواح، ولم يكن هناك قرينة تصرف المعنى من الحقيقة إلى المجاز كالنوم والليل مثلا، فلا يكون المعنى سوى الموت وقبض الروح ].

وقال القادياني : " والحق أن لفظ التوفي إذا جاء في كلام وكان فاعله الله، والمفعول به أحد من بني آدم صريحا أو إشارة، مثلا إذا كان الكلام هكذا : توفى الله زيدا، أو توفى الله بكرا، أو تُوُفي خالد، فلا يكون معناه في لسان العرب إلا الإماتة والإهلاك، ولن تجد ما يُخالفه في كلام الله ولا في كلام رسوله ولا في كلام أحد من شعراء العرب ونوابغهم ". (حمامة البشرى ١٣٢).

وضعت القاديانية هذه القاعدة لتخرج منها توفي النوم : { وَهُوَ ٱلَّذِی یَتَوَفَّىٰكُم بِٱلَّیۡلِ }. (الأنعام ٦٠).

وقاعدة القاديانية لا تعنينا، وهي باطلة أيضا :

١- لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " وإذا رمى الجِمارَ لا يدري أحدٌ ما له حتّى يتوفّاه اللهُ يومَ القيامةِ ". (الترغيب والترهيب).

والمعنى هنا : حتى يوفيه الله أجره يوم القيامة.

٢- أن القادياني خرق قاعدة جماعته :

في (التذكرة ١٠٩-١١٠) ١٨٨٣م يقول القادياني : " تلقيت البارحة إلهاما عجيبا آخر وهو : ( قل لضيفك إني متوفيك. قل لأخيك إني متوفيك ) ". 

ثم فسر القادياني هذا الوحي المزعوم : " وهذا الإلهام أيضا نزل مرارا، وله مفهومان فقط، والمفهوم الأول هو : قل لمن هو محط فيضك، أو أخيك، إني سأكمل نعمتي عليك، والمفهوم الثاني : إني سأميتك ". 

لاحظ في هذا النص كيف فسر القادياني معنى التوفي في وحيه المزعوم كأحد معانيه : متوفيك : سأكمل عليك نعمتي.

وفي كتاب (تذكرة ٩٧) عام ١٨٨٣م : " ثم تلقيت بعد ذلك هذا الوحي : " يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ( ومطهرك من الذين كفروا ) وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة. ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ".

ثم في التذكرة في الصفحة التي تليها مباشرة تفسير الوحي المزعوم عام ١٨٨٣م تفسير القادياني نفسه : " أي يا عيسى سأعطيك أجرك كاملا، أو مميتك، وأرفعك إلي، أي سأرفع درجاتك، أو سأرفعك إلي من الدنيا، وأبرئ ساحتك من كل ما رماك به المنكرون من تهم مفتريات، وسأجعل أتباعك غالبين على المنكرين بالحجة والبرهان والبركات إلى يوم القيامة. هناك فئة من الأولين، وهناك فئة من الآخرين ".

لاحظ في هذا النص كيف فسر القادياني وحيه أن من معانيه : سأعطيك أجرك كاملا، سأرفع درجاتك. 

والمفروض حسب قاعدة القاديانية أن يكون المعنى هو الموت حصرا. 

واستدلت القاديانية : بالحديث المعلق في كتاب البخاري عن ابن عباس : متوفيك مميتك.

والرد على استدلالها :

هذا الحديث في البخاري معلق بلا إسناد وقال العلماء إن الأحاديث المعلقة في البخاري ليست على شرط البخاري.

وهذا الرواية عن ابن عباس وصلها ابن حجر وأبو جعفر الطبري وفيها علي بن أبي طلحة ولم يسمع من ابن عباس.

ولو فرضنا صحة الرواية هذه، فهي لا تفيد القاديانية، لأن هناك عدة تفسيرات للتوفي بحق عيسى - عليه السلام - منها التقديم والتأخير :

١- فقال بعضهم : " هي وفاة نَوْم "، وكان معنى الكلام على مذهبهم : إني مُنِيمك ورافعك في نومك.

٢- وقال آخرون : معنى ذلك : إذ قال الله يا عيسى إني رافعك إليّ ومطهِّرك من الذين كفروا، ومتوفيك بعد إنـزالي إياك إلى الدنيا. وقال : هذا من المقدم الذي معناه التأخير، والمؤخر الذي معناه التقديم.

٣- وقال آخرون : معنى ذلك : إني قابضك من الأرض، فرافعك إليّ، قالوا: ومعنى " الوفاة "، القبض، لما يقال: " توفَّيت من فلان ما لي عليه "، بمعنى : قبضته واستوفيته. قالوا: فمعنى قوله: " إني متوفيك ورافعك "، أي : قابضك من الأرض حيًّا إلى جواري، وآخذُك إلى ما عندي بغير موت، ورافعُك من بين المشركين وأهل الكفر بك.

٤- وقال آخرون : معنى ذلك : إني متوفيك وفاةَ موتٍ.

وبعد أن عرض ابن جرير الطبري - عليه رحمة الله - الأقوال الأربعة قال : " وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا، قولُ من قال: " معنى ذلك : إني قابضك من الأرض ورافعك إليّ"، لتواتر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ينـزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال، ثم يمكث في الأرض مدة ذكَرها، اختلفت الرواية في مبلغها، ثم يموت فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه ".

فالقول الرابع أخذت به القاديانية لأنه يوافق هواها، وهو قول ضعيف لأن الأدلة على خلافه، ولو لم تجد القاديانية قولا يوافق هواها فهي تبتدع تفسيرات وتحريفات من عندها.

وسواء كان التوفي : نوم ثم رفع، أو تقديم وتأخير، أو القبض حيا بالرفع، فهذا لا يؤثر على عقيدة رفع المسيح - عليه السلام - والقول الثالث هو الأرجح والعلم عند الله لأن الأدلة تدعمه.

هذا وابن عباس - رضي الله عنهما - نقل عنه رفع المسيح عيسى إلى السماء، فمن ذلك :

" عنِ ابنِ عبّاسٍ قالَ لمّا أرادَ اللَّهُ أنْ يرفعَ عيسى إلى السَّماءِ خرجَ على أصحابِهِ وفي البيتِ اثنا عشرَ رجلًا منهم منَ الحواريِّينَ… ". (تفسير ابن كثير).

" عن ابن عباس: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته "، قال: قبل موت عيسى ". (تفسير الطبري).

ولقد شنع القادياني على بعض العلماء لما قالوا في ( التوفي ) أن هناك تقديم وتأخير فاتهمهم بالتحريف، وصار يفتري عليهم، يقول القادياني : " والقائلون بحياة المسيح لما رأوا أن الآية الموصوفة تُبيّن وفاته بتصريح لا يُمكن إخفاؤه، جعلوا يؤوّلونها بتأويلات ركيكة واهية، وقالوا إن لفظ التوفي في آية: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ... كان مؤخَّرا في الحقيقة من كل هذه الواقعات، يعني مِن رفع عيسى وتطهيره من البهتانات ببعث النبي المصدِّق وغلبةِ المسلمين على اليهود وجعلِ اليهود من السافلين، ولكن الله قدَّم لفظَ "المتوفي" على لفظ "رافعك" وعلى لفظ "مطهّرك" وغيرها مع حذف بعض الفقرات الضرورية رعايةً لصفاء نظم الكلام كالمضطرين. وكان اللفظ المذكور.. يعني: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ في آخر ألفاظ الآية، فوضَعه الله في أوّلها اضطرارا لرعاية النظم المحكم، وكان الله في هذا التأخير والتقديم من المعذورين، فلأجل هذا الاضطرار وضَع الألفاظ في غير مواضعها وجعَل القرآن عضين. والآية بزعمهم كانت في الأصل على هذه الصورة: يا عيسى إني رافعك إليَّ، ومطهّرك من الذين كفروا، وجاعلُ الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة، ثم مُنـزلك من السماء ثم متوفّيك. فانظرْ كيف يبدّلون كلام الله ويحرّفون الكلم عن مواضعها، وليس عندهم من برهان على هذا.. ". (حمامة البشرى ٤٦).

مع أن القادياني في وحيه المزعوم يقول بالتقديم والتأخير :

يقول القادياني : " ثم هناك وحي آخر بالإنجليزية، ولكن ترجمته ليست وحيا، ولا أعرف صحة تقديم الجمل وتأخيرها، وقد تتقدم الجمل وتتأخر في بعض الإلهامات ". (التذكرة ١١٣).

ويقول القادياني في (التذكرة ٦٠٧) ٩/٩/١٩٠٥م : " في هذا الصباح، وبعد تفكير كثير، ألقي في روعي أن الإلهامات يكون في ترتيبها تقديم وتأخير أحيانا ". 

واستدلت القاديانية على التوفي بقوله تعالى : { إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ مَا يَكُونُ لِيٓ أَنۡ أَقُولَ مَا لَيۡسَ لِي بِحَقٍّۚ إِن كُنتُ قُلۡتُهُۥ فَقَدۡ عَلِمۡتَهُۥۚ تَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِي وَلَآ أَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِكَۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّٰمُ ٱلۡغُيُوبِ مَا قُلۡتُ لَهُمۡ إِلَّا مَآ أَمَرۡتَنِي بِهِۦٓ أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡۚ وَكُنتُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا مَّا دُمۡتُ فِيهِمۡۖ فَلَمَّا تَوَفَّيۡتَنِي كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيۡهِمۡۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ إِن تُعَذِّبۡهُمۡ فَإِنَّهُمۡ عِبَادُكَۖ وَإِن تَغۡفِرۡ لَهُمۡ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ * قَالَ ٱللَّهُ هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ لَهُمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ }. (المائدة ١١٦-١١٩).

وبالحديث النبوي : " ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ : أَصْحَابِي. فَيُقَالُ : إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ. فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ : { وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } إِلَى قَوْلِهِ : { الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ". (البخاري).

قالت القاديانية : إن لفظ التوفي في الآيات يعني الموت، وإن عيسى عليه السلام في جوابه أنه كان رقيبا شهيدا على قومه، وأنه لم يفارق قومه إلا بالموت في قوله : ( وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ) والمسيح لم يعلم أبدا أن النصارى كفروا وضلوا بعد أن فارقهم، واتخذوه إلها، فلو كان رجوعه من السماء محتملا لعلم ضلالهم وكفرهم واتخاذهم إياه إلها.

وقالت القاديانية : فكما أن الإرتداد حصل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كذلك حصل بعد وفاة عيسى عليه السلام فلو سلمنا أن المسيح حي في السماء بجسده العنصري ثم ينزل منها ويشاهد بنفسه أن النصارى اتخذوه إلها، فلا شك أن جوابه المذكور في الآية يوم القيامة كذبا وخلاف الحقيقية، ولا يمكن لنبي أن يكذب أمام الله يوم القيامة.

والجواب :

أولا : أحد الأقوال في هذا الخطاب بين الله وعيسى - عليه السلام - كان بعد الرفع إلى السماء، فإن كان هذا القول هو الحق والصواب، فيكون المسيح - عليه السلام - علم بردة النصارى بعده.

ثانيا : أن رفع المسيح إلى السماء لا يعني أنه بعد رفعه لا يعلم أن النصارى ضلوا وكفروا، ففي حديث المعراج ومقابلة نبينا - عليه الصلاة والسلام - للأنبياء - عليهم السلام - يمكن الاستدلال به - والله أعلم - على علم الأنبياء ببعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو بعدهم في البعثة، فبالتالي : وجود عيسى في السماء الآن حيا لا يعني أنه لا يعلم أن النصارى ارتدوا وضلوا وكفروا بعده.

ثالثا : إن سؤال الله - جل وعلا - لعيسى - عليه السلام - ليس ( هل تعلم أن النصارى اتخذوك إلها ) بل السؤال من الله لعيسى : { ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ }. وجواب عيسى هو : { سُبۡحَٰنَكَ مَا يَكُونُ لِيٓ أَنۡ أَقُولَ مَا لَيۡسَ لِي بِحَقٍّۚ إِن كُنتُ قُلۡتُهُۥ فَقَدۡ عَلِمۡتَهُۥۚ تَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِي وَلَآ أَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِكَۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّٰمُ ٱلۡغُيُوبِ }. وهذا الكلام لا يعني أنه لا يعلم أن النصارى ارتدوا وضلوا وكفروا بعده.

رابعا : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشبه توفيه بتوفي عيسى - عليه السلام - كما تحاول القاديانية الإيهام بذلك، بل مشابهة قوله لقول عيسى - عليه السلام -.

خامسا : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أن هناك من ارتد بعده، ( بدليل أنه أخبرنا بذلك - كما في الحديث - )، فبالتالي : تطابق قول محمد وعيسى - عليهما الصلاة والسلام - لا يعني أنهما لا يعلمان بالإرتداد بعدهما.

سادسا : جواب عيسى : { إِن كُنتُ قُلۡتُهُۥ فَقَدۡ عَلِمۡتَهُۥۚ تَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِي وَلَآ أَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِكَۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّٰمُ ٱلۡغُيُوبِ }. فالله يسأل - وهو أعلم من المسؤول - كما في سؤاله للملائكة - عليها السلام - عن أهل الذكر، وسؤاله لموسى - عليه السلام - عن العصا، فهذا الجواب ليس كذبا وليس خلاف الحقيقة، بل هو الصدق والحقيقة لأن الله محيط بكل شيء علما، علام الغيوب، وأي شيء معين يعلمه الإنسان فهو علم محدود، لا كعلم الله به لا تخفى عليه خافية.

سابعا : لو فرضنا -جدلا- أن كلام عيسى - عليه السلام - خلاف الحقيقة كما تزعم القاديانية، فإن الله قال : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ۖ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ }. مع أنهم يعلمون ماذا أجابت أقوامهم، ولكن ذكر المفسرون أسبابا لذلك : منها هول يوم القيامة، ومنها لا علم لنا إلا ما علمتنا، ومنها لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا.

ورجح الطبري القول الثالث - والعلم عند الله - : " وأولى الأقوال بالصواب، قولُ من قال: " معناه : لا علم لنا، إلا علم أنت أعلم به منّا ", لأنه تعالى ذكره أخبر عنهم أنهم قالوا: " لا علم لنا إنَّك أنتَ علام الغيوب " ، أي: إنك لا يخفى عليك ما عندنا من علم ذلك ولا غيره من خفيِّ العلوم وجليِّها. فإنما نَفى القومُ أن يكون لهم بما سُئلوا عنه من ذلك علم لا يعلمه هو تعالى ذكره لا أنَّهم نَفَوا أن يكونوا علموا ما شاهدُوا. كيف يجوز أن يكون ذلك كذلك، وهو تعالى ذكره يخبر عنهم أنَّهم يُخْبرون بما أجابتهم به الأمم ".

ثامنا : عياذا بالله الإله، هذا نص طويل للقادياني (التذكرة ٢١٦). ذكر فيه القادياني أن الله أعلم المسيح - عليه السلام - ماذا فعل النصارى : 

" (أ): لقد كُشف عليّ أن عيسى عليه السلام قد أُخبرَ بهذه الريح السامة التي هبّت في العالم بسبب الأمة المسيحية، فتحركتْ روحُه للنـزول الروحاني وهاجت، وتمنّتْ أن يكون له نائب ومثيل في الأرض يماثله تمامًا في طبعه كأنه هو لِما رأى أنّ أمته هي أساس الفساد المدمِّر. فأعطاه الله تعالى بحسب الوعد مثيلاً نزلتْ فيه عزيمةُ المسيح وسيرتُه وروحانيته، وحصل بينه وبين المسيح اتصال شديد كأنهما قطعتانِ من جوهر واحد، واتخذت توجّهاتُ المسيح قلبَه مستقرًّا لها، وأرادت أن تُتمّ إرادتها من خلاله، فبهذا المعنى عُدَّ شخصه شخصَ المسيح، ونزلتْ فيه إراداتُ المسيح الهائجة التي عُدَّ نزولها نزولَ المسيح في الاستعارات الإلهامية ". (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية، مجلد 5، ص 254-255).

" (ب): وكما كُشف عليّ فقد كانت روح المسيح عليه السلام في هياج وحماس لكي تنـزل نزولاً تمثيليًا لما أُلصقَ به من افتراءات في هذا الزمن، وكانت تتوسل إلى الله تعالى لنـزولها التمثيلي هذا في هذا العصر، فنظر الله تعالى إلى هياجه هذا وأرسل مثيلَه في الدنيا ليتحقق الوعد الذي وعده من قبل…

لقد واجهَ المسيح عليه السلام حالتين طلبتْ روحه فيهما شخصًا يقوم مقامه، فأولاً عندما انقضى على وفاته ست مئة سنة، وأصرّ اليهود بشدة على قولهم إنه -والعياذ بالله- مفترٍ وكذاب وولد حرام، ومن أجل ذلك قد صُلب، بينما غالى المسيحيون في قولهم إنه إله وابن إله، وأنه قد ضحّى بحياته على الصليب من أجل نجاة العالم... هاجت روحُ المسيح بإعلام من الله وأرادت تبرئة ساحته من هذه التهم كلها، وطلبتْ من الله تعالى بعثةَ شخص يقوم مقامه. فبُعث نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم... وكان هذا هو الهيجان الأول لروح المسيح، الذي ظهر متمثلاً في بعثة سيدِنا ومسيحِنا خاتَمِ الأنبياء صلى الله عليه وسلم. فالحمد لله.

ثم هاجت روحانية المسيح ثانية عندما تفشى الدجلُ في النصارى بوجه أتم وأكمل... فجاشت روحانية عيسى عليه السلام عندها ثانية، وأراد أن ينـزل إلى الدنيا مرة أخرى على طريق التمثّل. وعندما بلغتْ رغبتُه للنـزول على سبيل التمثل ذروتَها، أرسلَ الله بحسب رغبته في هذا الزمن شخصًا هو مثالٌ لروحانيته للقضاء على الدجّال الموجود. فسُمّي هذا المثيل مسيحًا موعودًا متصفًا بصفة المسيح عليه السلام... وكان نزول المسيح نفسه ضروريًا نظرًا إلى الفتن الحالية؛ لأن أمة المسيح عليه السلام هي التي فسدت، وفي قومه انتشر الدجل، فكان حريًّا أن تهيج روحانيته هو الآن. 

وهذه هي المعرفة الدقيقة التي انكشفت عليّ بالكشف.

وكُشف عليّ أيضا أن مِن المقدّر أن ينتشر الفساد والشرك والظلم في العالم ثانيةً بعد انقضاء فترة الخير والصلاح وغلبة التوحيد، فيأكل البعض بعضًا كالديدان، ويسود الجهل، ويبدأ الناس في عبادة المسيح ثانية، وتنتشر جهالة اتخاذ المخلوق إلهًا على نطاق واسع، وستنتشر كل هذه المفاسد في الدنيا في الفترة الأخيرة من هذا الزمن الأخير على يد الديانة المسيحية، وعندها تهيج روحانية المسيح هيجانًا مرةً ثالثة، وتقتضي نزولَها نزولاً جلاليًّا، فتنـزلُ في صورة مثيلٍ له قاهرٍ، وينتهي ذلك الزمن، وعندها تكون النهاية ويُطوى بساط العالم.

لقد تبين من ذلك أن المقدر لروحانية المسيح عليه السلام أن تنـزل إلى الدنيا ثلات مرات جراءَ تصرفات أمته الخاطئة ". (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية، مجلد 5، ص 341-346)

الباطل الثاني : قالت القاديانية : إن عقيدة رفع عيسى عليه السلام من عقائد النصارى ولا يجوز الاعتقاد بها.

والجواب والله أعلى وأعلم :

١- أن الله أبطل عقائد النصارى بخصوص المسيح :

ففي الألوهية قال :  { لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ مَرۡیَمَۚ قُلۡ فَمَن یَمۡلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَیۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ أَن یُهۡلِكَ ٱلۡمَسِیحَ ٱبۡنَ مَرۡیَمَ وَأُمَّهُۥ وَمَن فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰاۗ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَیۡنَهُمَاۚ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ }. (المائدة ١٧).

وفي التثليث قال : { لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَـٰثَةࣲۘ وَمَا مِنۡ إِلَـٰهٍ إِلَّاۤ إِلَـٰهࣱ وَ ٰ⁠حِدࣱۚ وَإِن لَّمۡ یَنتَهُوا۟ عَمَّا یَقُولُونَ لَیَمَسَّنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمٌ }. (المائدة ٧٣).

وفي الصلب والقتل قال : { وَقَوۡلِهِمۡ إِنَّا قَتَلۡنَا ٱلۡمَسِیحَ عِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِینَ ٱخۡتَلَفُوا۟ فِیهِ لَفِی شَكࣲّ مِّنۡهُۚ مَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍ إِلَّا ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّۚ وَمَا قَتَلُوهُ یَقِینَۢا }. (النساء ١٥٧).

وفي الخطيئة والكفارة قال : { قُلۡ أَغَیۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِی رَباً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَیۡءࣲۚ وَلَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٍ إِلَّا عَلَیۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةࣱ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَیُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِیهِ تَخۡتَلِفُونَ }. (الأنعام ١٦٤).

وفي معجزات المسيح قال : { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ }. (المائدة ١١٠).

أما عقيدة رفع المسيح إلى السماء الأدلة من الكتاب والسنة تثبتها.

٢- هناك فرق بين عقيدة الإسلام وعقيدة النصارى في الرفع إلى السماء :

فعقيدة الإسلام تنزيهية توحيدية : أن عبد الله ورسوله عيسى - عليه السلام - لم يصلب، ولم يقتل، ولم يمت، وإنما رفع إلى السماء، وهو نازل في آخر الزمان، يمكث ٤٠ عاما  ويكون الأمر له بعد المهدي، ويتزوج ويولد له، ثم يموت ويصلي عليه المسلمون. 

أما عقيدة النصارى فهي شركية كفرية والعياذ بالله : أن الرب يسوع عندهم صلب ليكفر عنهم خطيئة آدم، ثم مات الرب يسوع، ثم دفن في قبر، ثم بعد أيام صعد إلى السماء.

سبحان الله ! رب يصلب و يموت ويدفن !

فهناك فرق عظيم كبير بين العقيدتين.

٣- أن المسلمين يشتركون مع اليهود والنصارى في عقائد : كالإيمان بالتوراة والإنجيل، ونبوة الأنبياء، وأبوة آدم للبشر… فلا يقال هذه عقائد نصرانية.

٤- أن تفاصيل الإيمان عند المسلمين مخالفة لما عند اليهود والنصارى ومن الأمثلة عقيدة الإسلام في عيسى - عليه السلام -.

٥- أن القاديانية تستدل بكتاب اليهود والنصارى وتؤسس على هذا الاستدلال عقائد خاصة بها مثل قول القاديانية والعياذ بالله : أن المسيح صلب لكنه لم يمت على الصليب وإنما أغمي عليه فظنوا أنه مات ثم سافر إلى الهند.

٦- أن القاديانية عندها عقائد نصرانية مثل أن الجنة والنار روحانيات وليستا ماديتان، ومن يقرأ كتب القاديانية يلاحظ أنهم يقولون بتفاصيل يقولها اليهود والنصارى.

الباطل الثالث : قالت القاديانية : إن المقصود من رفع عيسى هو رفع المكانة والدرجة، واستدلت لذلك :

بقوله تعالى : { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }. (المجادلة ١١).

وقوله - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - : " وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ، وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ ". (البخاري).

والجواب :

•إن الرفع في الآيات كان تطهيرا من القتل والصلب، دلالة الآية واضحة لم يقتل ولم يصلب ! إذا ماذا حدث ؟ الحق الذي أخبر به الله - جل وعلا - : أنه رفع إلى السماء.

•أن الرفع جاء بعده : ( إلي ) و ( إليه ) فلا يقال رفع المكانة إلى الله.

•نقول للقاديانية : إذا كان المقصود من رفع المسيح هو رفع المكانة والدرجة ! فهل الله لم يرفع مكانة ودرجة المسيح إلا عند محاولة القتل والصلب ؟! 

•أن القرائن من كتاب الله جاءت تؤكد الرفع من خلال نزول عيسى في آخر الزمان :

كقول الله عن عيسى : { وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا }. (النساء ١٥٩).

وقول الله : { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا }. (الزخرف ٦١).

•وإن القرائن جاءت في الأحاديث النبوية المتواترة في نزول عيسى آخر الزمان منها على سبيل المثال :

" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ". (البخاري).

" وَاللَّهِ لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلًا، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ، وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ، وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ، وَلَتُتْرَكَنَّ الْقِلَاصُ ، فَلَا يُسْعَى عَلَيْهَا ، وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ، وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ ". (مسلم).

" وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا، أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا ". (مسلم).

هكذا تصرح الآيات والأحاديث أن النازل عيسى ابن مريم هو بشخصه، لا مثيل له أو شبيه يسمى غلام أحمد القاديانية، ولا توجد بينهما أي مماثلة أو مشابهة.

وجاء القسم من النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول القادياني في القسم : " والقسم يدل على أن الخبر محمول على الظاهر لا تأويل فيه ولا استثناء، وإلا فأي فائدة كانت في ذكر القسم؟ فتدبر كالمفتشين المحققين ". (حمامة البشرى ٢٨).

ومن المعلوم أن الأحاديث الثلاثة التي ذكرناها وغيرها… لا تنطبق على القادياني ولو تجاوزنا "قضية المثيل" وتجاوزنا ظاهر النصوص التي لم تقع للقادياني والتي تؤولها القاديانية : كسر الصليب، وقتل الخنزير، ويفيض المال… فإن القادياني لم يحج ولم يعتمر !!!

والمفروض حسب قول القادياني أن القسم يدل على أن الخبر محمول على الظاهر ! فلا هو ولا جماعته ملتزمون بهذا.

•ثم إن الآية التي استدلت بها القاديانية واضحة الدلالة على أن المقصود فيها رفع الدرجات، والحديث الذي استدلت به عن الصحابي سعد بن أبي وقاص يفسر نفسه، يرفعك الله بأن ينتفع بك ناس، ويضر آخرون.

الباطل الرابع : قالت القاديانية : كيف يرفع الله عيسى إلى الله، والله منزه عن المكان.

والجواب :

ثابت بالنصوص الكثيرة من الكتاب والسنة أن الله في السماء بلا تكييف.

فمن ذلك قول - رب السماوات والأرض - : { أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ۖ فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ }. (الملك ١٦-١٧).

وقال - عليه الصلاة والسلام - : " ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ". (الترمذي).

وليس معنى : ( من في السماء ) أن السماء تحوي ( الخالق ) سبحانه بل من هو فوق سماواته، أو فوق السماوات السبع.

مثاله قوله - سبحانه - : { وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ }. (طه ٧١).

فليس معنى هذا أنه يصلبهم داخل جذوع النخل، وإنما : ولأصلبنكم في جذوع النخل أي على جذوع النخل ، أي : فوق جذوع النخل.

فالله عز وجل فوق عرشه فوق سماواته السبع بلا كيف نعلمه، كما جاء في (البخاري) : " فَكَانَتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَقُولُ : زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ ".

وقال ابن عباس لأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - : " وَأَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ ". (مسند أحمد).

فإن رفضت القاديانية أدلة الكتاب والسنة أن الله - العلي الأعلى - في السماء فهذا نبيها القاديانية يقول أن الله في السماء (مواهب الرحمن ٨٠) :

" وانظروا إلى وجه الله ولا تنظروا إلى الورى، اشكروا حكام الأرض ولا تنسوا حاكمكم الذي في السماء ".

" اتقوا يا عباد الله غضب الرب، وابتغوا فضل من في السماء ".

الباطل الخامس : قالت القاديانية : إذا كان عيسى في السماء، فهل معنى هذا أنه معه وبجانبه ؟!

والجواب :

سبحان الله ! ليس المقصود من رفع عيسى إلى السماء معه وبجانبه - سبحانه - بل إلى سمائه، أو سماء من سماواته السبع، والقاديانية تؤمن أن الملائكة في السماء، قال تعالى : { تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ }. (المعارج ٤). فهل معنى ذلك أن الملائكة تعرج إلى السماء مع الله وبجانبه - والعياذ بالله -.

الباطل السادس : قالت القاديانية لم يحصل أن صعد أحد إلى السماء ولن يحصل واستدلت بقول الله سبحانه : { وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولا }. (الإسراء ٩٠- ٩٣).

والجواب :

أولا : ( لم يحصل ولن يحصل ) هذا زعم القاديانية، أما الأدلة فقد أثبتت :

١- بالإضافة لرفع عيسى.

٢- صعود الملائكة ونزولها.

٣- صعود الجن - والجن عند القاديانية بشر -.

٤- صعود نبينا محمد في المعراج.

٥- رفع نبي الله إدريس.

هذا بالإضافة أن البشر في عصرنا صعدوا إلى السماء - إلى ما قدر لهم -.

ولقد أجبنا على استدلال القاديانية بالأيات السابقة من سورة الإسراء في ( أدلة القاديانية في إنكار المعجزات الخارقة للعادة، وابطال استدلالاتهم ).

الباطل السابع : يقول القادياني قاصدا الحديث المعلق في البخاري : " جاء في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في معنى التوفي شرح واضح فقال : متوفيك مميتك. وتبعه سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم، ولم يشد أحد منهم بخلاف، فأي دليل يكون أوضح من هذا إن كان رجل من الطالبيين ". (حمامة البشرى ١٢٥).

والجواب : هذا الكلام باطل وكذب، بل نقل عن الصحابة رفع المسيح إلى السماء : منهم ابن عباس، و أبو هريرة، والحسن بن علي، وأبي بن كعب… ومن التابعين : محمد بن الحنفية، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، ومجاهد، وقتادة… وغيرهم، بل والمفسرون يفسرون الرفع إلى السماء.

الباطل الثامن : استدلت القاديانية على موت الأنبياء جميعا بقوله - تعالى -

{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ }. (آل عمران ١٤٤).

{ مَّا ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ مَرۡیَمَ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ }. (المائدة ٧٥).

قالت القاديانية : إن كلمة ( خلت ) في هذه الآيات تعني ماتت، وادعت إجماع الصحابة على موت جميع الأنبياء عندما تلى أبو بكر الصديق قوله تعالى : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ }.

والجواب بعد أعوذ بوجه الله العظيم : 

أولا : إن معنى كلمة ( خلت ) في الآيات لا تعني ماتت بل ( مضت )، وفي (لسان العرب) : " وخلا الشيء خلوا : مضى . وقوله تعالى : وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ؛ أي مضى وأرسل . والقرون الخالية : هم المواضي " .

ثانيا : هذه الآيات لها نظائر في القرآن بمعنى ( مضت )، كقوله تعالى : { وَإِن مِّنۡ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِیهَا نَذِیرࣱ }. (فاطر ٢٤). فلا يقال مات فيها نذير، بل مضى وأرسل فيها نذير. وكقوله تعالى : { وَإِذَا خَلَوۡا۟ عَضُّوا۟ عَلَیۡكُمُ ٱلۡأَنَامِلَ مِنَ ٱلۡغَیۡظِۚ }. (آل عمران ١١٩). فلا يقال إذا ماتوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ، بل إذا مضوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ.

ثالثا : إن القادياني إستعمل نفس الكلمة للدلالة على المضي فمن ذلك :

" ما كان نزول بشر من السماء من سنن الله وإن كان فأتوا بنظير من قرون خالية، إن كنتم من المهتدين وما كان فينا من واقع إلا خلا له نظير من قبل ". (الخزائن الروحانية ج ٥ ٣٨٠-٣٨١).

" لقي نبينا صلى الله عليه وسلم كل نبي خلا من قبله في ليلة المعراج في السماوات ". (حمامة البشرى ٦٦).

رابعا : هذا نص تعريب القاديانية لكتاب حقيقة الوحي استعملوا كلمة خلت للدلالة على الأزمنة الماضية الخالية، وواضح من النص أنه يتحدث عن الأزمنة :

" أما إذا كان هناك زمن من الأزمنة الخالية لم يوجد فيه إلا العميان ولم يكن يوجد أحد من أصحاب العيون لكان للعميان فرصة كبيرة للإنكار والمحاججة، بل أظن أن النجاح سيكون حليف العميان لأن الذي يتحدث عن أحداث مزعومة وقعت في الأزمنة الغابرة فحسب ولا يقدر على أن يثبت لأحد تلك القدرات والكمالات التي يدعيها، ويقول بأنه قد خلا زمن تلك القدرات والكمالات ". (حقيقة الوحي ١٢). 

خامسا : إن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - احتج بقوله تعالى :  { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ }. على موت النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن تكملة الآية : { أَفَإِی۟ن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰۤ أَعۡقَـٰبِكُمۡۚ وَمَن یَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِ فَلَن یَضُرَّ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔاۗ وَسَیَجۡزِی ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِینَ }. فاستدل بهذه الآية على موت نبينا محمد، لا على موت المسيح - عليه السلام - وموت النبي - عليه الصلاة والسلام - لا يعني التراجع كما جاء في الآية العظيمة، ولذلك قال - رضي الله عنه - : " فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ ". (البخاري). 

والحقيقة : أن القاديانية تلبس على البسطاء بهذه الآية أن خلت تعني ماتت، فهذه الآية نزلت في حياة النبي - عليه الصلاة والسلام - [ لاحظ في حياته قبل موته بسنوات ] وهذه الآية تجوز عليه الموت أو الشهادة قبل أن يموت، كغيره من الأنبياء - عليهم السلام - منهم من مات ومنهم من استشهد، وهي تحثهم على عدم التراجع، ولذلك قال الله : { أَفَإِی۟ن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰۤ أَعۡقَـٰبِكُمۡۚ وَمَن یَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِ فَلَن یَضُرَّ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔاۗ وَسَیَجۡزِی ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِینَ }. ثم قال الله بعدها في السابقين : { وَكَأَیِّن مِّن نَّبِیࣲّ قَـٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّیُّونَ كَثِیرࣱ فَمَا وَهَنُوا۟ لِمَاۤ أَصَابَهُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا۟ وَمَا ٱسۡتَكَانُوا۟ۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِینَ }. (آل عمران ١٤٦). 

وما جرى بين أبي بكر الصديق والصحابة - رضوان الله عليهم - لم يذكر فيها أن المسيح - عليه السلام - قد مات، ولم ينقل فيها أجماع كما تزعم القاديانية، وإنما القاديانية توهم وتلبس على الناس.

سادسا : والدليل على أن الصحابة - رضي الله عنهم - لا يعتقدون بموت المسيح عيسى - عليه السلام -، رواياتهم لأحاديث نزول عيسى في أخر الزمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذه الروايات كثيرة ومتواترة، بل وهناك أحاديث موقوفة من أقوال الصحابة أن المسيح لم يمت.

وكل هذه المرويات عن الصحابة - رضي الله عنهم - المرفوعة والموقوفة، التي تقول برفعه وحياته ونزوله، نزول عيسى بن مريم ذاته، لا شبيهه ولا مثيله ولا أحد غيره.

سابعا : أما استدلال القاديانية بقوله تعالى : { مَّا ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ مَرۡیَمَ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ }. فهذا الآية لم تأت في سياق إثبات الموت بحق المسيح - عليه السلام - كما تكذب القاديانية، بل جاءت في سياق إبطال القول بألوهيته - عياذا بالله سبحانه - وفي سياق إبطال التثليث - عياذا بالله - وفي إثبات أن المسيح - عليه السلام - رسول كغيره من الرسل الذي - ارسلوا وخلوا ومضوا - وأنه هو وأمه - عليها السلام - فقيران محتاجان لله الغني يأكلان الطعام، وها هو السياق بالكامل :

{ لَقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ مَرۡیَمَۖ وَقَالَ ٱلۡمَسِیحُ یَـٰبَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ رَبِّی وَرَبَّكُمۡۖ إِنَّهُۥ مَن یُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِ ٱلۡجَنَّةَ وَمَأۡوَىٰهُ ٱلنَّارُۖ وَمَا لِلظَّـٰلِمِینَ مِنۡ أَنصَارࣲ لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَـٰثَةࣲۘ وَمَا مِنۡ إِلَـٰهٍ إِلَّاۤ إِلَـٰهࣱ وَ ٰ⁠حِدࣱۚ وَإِن لَّمۡ یَنتَهُوا۟ عَمَّا یَقُولُونَ لَیَمَسَّنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمٌ أَفَلَا یَتُوبُونَ إِلَى ٱللَّهِ وَیَسۡتَغۡفِرُونَهُۥۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ * مَّا ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ مَرۡیَمَ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُۥ صِدِّیقَةࣱۖ كَانَا یَأۡكُلَانِ ٱلطَّعَامَۗ ٱنظُرۡ كَیۡفَ نُبَیِّنُ لَهُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ ثُمَّ ٱنظُرۡ أَنَّىٰ یُؤۡفَكُونَ }. (المائدة ٧٢-٧٥).

قال ابن كثير في تفسيره : " { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ }. أَيْ : لَهُ سَويَّة أَمْثَالِهِ مِنْ سَائِرِ الْمُرْسَلِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَرَسُولٌ مِنْ رُسُلِهِ الْكِرَامِ، كَمَا قَالَ : { إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ } ".

ثم قال - رحمه الله - : " وَقَوْلُهُ : { كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ }. أَيْ : يَحْتَاجَانِ إِلَى التَّغْذِيَةِ بِهِ، وَإِلَى خُرُوجِهِ مِنْهُمَا، فَهُمَا عَبْدَانِ كَسَائِرِ النَّاسِ وَلَيْسَا بِإِلَهَيْنِ كَمَا زَعَمَتْ فِرَقُ النَّصَارَى الْجَهَلَةِ ".

وقال الطبري - عليه رحمة الله - : " القول في تأويل قوله : { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ }. قال أبو جعفر: وهذا خَبَرٌ من الله تعالى ذكره، احتجاجًا لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم على فِرَق النصارى في قولهم في المسيح.

يقول : مكذِّبًا لليعقوبية في قِيلهم: "هو الله" والآخرين في قيلهم: "هو ابن الله" : ليس القول كما قال هؤلاء الكفرة في المسيح، ولكنه ابن مريم ولدته ولادةَ الأمهات أبناءَهن، وذلك من صفة البشر لا من صفة خالق البشر، وإنما هو لله رسولٌ كسائر رسله الذين كانوا قبلَه فمضوا وخَلَوْا، أجرى على يده ما شاء أن يجريه عليها من الآيات والعِبر، حجةً له على صدقه، وعلى أنه لله رسول إلى من أرسله إليه من خلقه، كما أجرى على أيدي من قبله من الرسل من الآيات والعِبر، حجةً لهم على حقيقةِ صدقهم في أنهم لله رسلٌ "وأمه صِدّيقة"، يقول تعالى ذكره وأمّ المسيح صِدِّيقةٌ… وقوله: "كانا يأكلان الطعام"، خبٌر من الله تعالى ذكره عن المسيح وأمّه : أنهما كانا أهل حاجةٍ إلى ما يَغْذُوهما وتقوم به أبدانهما من المطاعم والمشارب كسائر البشر من بني آدم، فإنّ من كان كذلك، فغيرُ كائنٍ إلهًا، لأن المحتاج إلى الغذاء قِوَامه بغيره. وفي قوامه بغيره وحاجته إلى ما يقيمه، دليلٌ واضحٌ على عجزه. والعاجز لا يكون إلا مربوبًا لا ربًّا ".

ثامنا : وربك - سبحانه - يجعل الباطل على لسان أهل الباطل، ففي (حمامة البشرى ٦٦) قال القادياني :

" أن حياة رسولنا صلى الله عليه وسلم ثابت بالنصوص الحديثية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  إني لا أُترَك ميّتًا في قبري إلى ثلاثة أيام أو أربعين باختلاف الرواية، بل أُحيا وأُرفَع إلى السماء. وأنت تعلم أن جسمه العنصري مدفون في المدينة، فما معنى هذا الحديث إلا الحياة الروحاني والرفع الروحاني الذي هو سُنّة الله بأصفيائه بعدما توفاهم ".

فلاحظ : أنه هنا أثبت الحياة الروحانية لنبينا - عليه الصلاة والسلام - بعد موته وغيره من الأنبياء.

ثم قال في الصفحة التي تليها (حمامة البشرى ٦٧) : " أعيسى حيٌّ ومات المصطفى؟ تلك إذًا قسمة ضيزى! اعدلوا هو أقرب للتقوى. وإذا ثبت أن الأنبياء كلهم أحياء في السماوات، فأيّ خصوصية ثابتة لحياة المسيح؟ أهو يأكل ويشرب وهم لا يأكلون ولا يشربون؟ ".

ولاحظ : أنه يستنكر قول من يقول أن عيسى حي، ونبينا محمد قد مات. 

ثم بعدها مباشرة في نفس الصفحة يقول : " بل حياة كليم الله ثابت بنص القرآن الكريم.. ألا تقرأ في القرآن ما قال الله تعالى عز وجل : { فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ }. وأنت تعلم أن هذه الآية نزلت في موسى، فهي دليل صريح على حياة موسى عليه السلام، لأنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأموات لا يلاقون الأحياء ".

فهو هنا يثبت لقاء نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بموسى - عليه السلام - وهذا دليل على أن موسى حي، والحجة أن الأموات لا يلتقون الأحياء.

لاحظ : أنه يثبت الحياة الروحانية لنبينا - عليه الصلاة والسلام - وقال : وهذه سنة الله بمن بصطفيهم من الأنبياء، ثم لأن نبينا إلتقى بموسى لزم أن يكون موسى حيا لأن الأموات لا يلاقون الأحياء ! وهو القائل : أعيسى حيٌّ ومات المصطفى؟ تلك إذًا قسمة ضيزى!

ثم أعاد نفس الكلام في شأن موسى في كتابه (نورالحق ٤٠) : " هذا هو موسى عليه السلام  فتَى الله، الذي أشار الله في كتابه إلى حياته، وفرض علينا أن نؤمن بأنه حيٌّ في السماء ولم يمت وليس من الميتين ".

فهذا الكلام الذي نقلناه في - النقطة الثامنة - أما أن قائله في حالة تحشيش أو سكر، وإما أنه لا يدري ما يقول !!!

وهكذا أبطل القادياني استدلال جماعته، والحمد لله رب العالمين.

الباطل التاسع : قالت القاديانية : المسيح جاء إلى الدنيا حسب سنة الأنبياء، وخلا كما خلوا، أي مات، والآن لا يأكل الطعام ، وعدم أكله الطعام دليل على موته، ولا يمكن  لبشر أن يحيى بغير طعام : { مَّا ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ مَرۡیَمَ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُۥ صِدِّیقَةࣱۖ كَانَا یَأۡكُلَانِ ٱلطَّعَامَ }. (المائدة ٦٥).

الجواب : 

لقد أثبتنا أن المقصود من خلت لا تعني ماتت، وأثبتنا أن ما استدلت به القاديانية بخصوص محمد وعيسى - عليهما الصلاة والسلام - استدلالات منزوعة من سياقها.

وهذا الآية التي تسدل بها القاديانية كما قلنا سابقا، نزلت في سياق نفي وإبطال ما يقوله النصارى في عيسى - عليه السلام -، وأن ذكر الطعام فيها لإثبات العبودية لهما وأنهما مخلوقان محتاجان لله الغني. 

فاستدلال القاديانية بالطعام وكل هذا الهراء الذي قالته، لا علاقة له بسياق الآية.

ونحن لا نسلم لها أن عيسى مات وأنه لا يأكل الطعام ! ورغم اعتقادنا أن عيسى في السماء فلا نسلم أنه لا يأكل ! فذلك من الغيب الذي علمه عند الله.

فإن كان لا يأكل في سماء الله، فذلك بقدرة الله، كحال الفتية في قصة أصحاب الكهف.

وإن كان يأكل، فالله يرزقه كما يرزق الشهداء.

فلا نثبت ولا ننفي. 

فهذا علمه عند الله.

الباطل العاشر : قالت القاديانية : هذه الآية : { وَجَعَلَنِی مُبَارَكًا أَیۡنَ مَا كُنتُ وَأَوۡصَـٰنِی بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَیࣰّا }. (مريم ٣١). تدل على أن المسيح قد مات، لأن الآية أخبرت أنه يصلي ويزكي ما دام حيا، فإذا كان في السماء فمن المحال عليه الصلاة والزكاة، وبالتالي هذا يدل على أنه ميت.

والجواب بعد أعوذ بالله من استدلالات الشياطين وقياسات الجاهلين وأعوذ بالله العليم :

نسأل القاديانية : هل كان يصلي ويزكي وهو طفل يُحمل ؟! فإن أجابت بلا فهو جوابنا بعد رفعه.

مع أننا لا ننفي أنه يصلي في السماء، والعلم عند الله. 

كما أن هناك تفسيرا آخر للزكاة وهو الطهارة، قال الطبري - رحمه الله - : ". وقوله { وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ }. يقول : وقضى أن يوصيني بالصلاة والزكاة، يعنى المحافظة على حدود الصلاة وإقامتها على ما فرضها عليّ. وفي الزكاة معنيان: أحدهما: زكاة الأموال أن يؤدّيها. والآخر: تطهير الجسد من دنس الذنوب؛ فيكون معناه: وأوصاني بترك الذنوب واجتناب المعاصي.

وقوله { مَا دُمْتُ حَيًّا }. يقول : ما كنت حيا في الدنيا موجودا، وهذا يبين عن أن معنى الزكاة في هذا الموضع: تطهير البدن من الذنوب، لأن الذي يوصف به عيسى صلوات الله وسلامه عليه أنه كان لا يدّخر شيئا لغد، فتجب عليه زكاة المال، إلا أن تكون الزكاة التي كانت فرضت عليه الصدقة بكلّ ما فضل عن قوته، فيكون ذلك وجهًا صحيحًا ".

كما أن الآية لم تقل أنه يصلي ويزكي كما تلبس القاديانية : بل جاء فيها ( الوصية ) بالصلاة والزكاة.

وهذا الذي أخبر به - رب العزة - على لسان المسيح : { وَجَعَلَنِی مُبَارَكًا أَیۡنَ مَا كُنتُ وَأَوۡصَـٰنِی بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمۡتُ حَیࣰّا }. قاله في مهده - عليه السلام -، وفسره المفسرون بمعنى قضى، كما قال الطبري في النص السابق.

هذا ونلفت الانتباه : إلى عدم الوقوع في فخ القاديانية في أي استدلال، لأنها تخادع وتلبس وتموه و تضلل، فلابد من الرجوع للمصادر والتأكد والتدقيق في النصوص والسياقات قبل الرد والاجابة، حتى لا تجرك لمقصودها هي، والرد على مقصودها هي، والنص قد يكون له مقصد آخر .

ولقد ثبت لنا : أن القاديانية لا مشكلة عندها في الاستدلال بنص يخالف عقيدتها وأقوالها، إذا لم ينتبه المسلم لذلك، ومن هذا حالها فهو حال من ينهج نهج : ( الغاية تبرر الوسيلة )، واذكر مثالين على هذا :

•استدلالها بحديث ضعيف أن : ( عيسى عاش عشرين ومائة سنة ) فبالإضافة إلى أنه ضعيف، فهو مقتطع من نص طويل، وهو يهدم عقيدة القاديانية في عمر القادياني، وهو حديث مردود سندا ومتنا.

•استدلالها بحديث عن المهدي - ذكر أن فيه علة خفيت على من صححه - : ( فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي ) ويقصدون القادياني، وهذا الحديث ذكر وقائع لم تحدث، كما يصعب على القاديانية تأويل ظاهرها.

الباطل الحادي عشر : قالت القاديانية : قال تعالى : { قَالَ فِيهَا تَحۡيَوۡنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنۡهَا تُخۡرَجُونَ }. (الأعراف ٢٥). وإن الحياة لا تكون إلا على الأرض، كما نصت عليه الآية، فكيف خرج عيسى من جملة بني آدم بأن رفع إلى السماء بجسمه العنصري ويعيش في السماء ؟

والجواب :

أولا : هذه الآية لم تنزل في إثبات موت عيسى - عليه السلام -، بل جاءت بعد أن أهبط الله آدم وحواء - عليهما السلام - إلى الأرض.

ثانيا : أن هذه الآية لا تناقض رفع عيسى - عليه السلام - لأنه عاش في الأرض، وسيموت بعد نزوله فيها، وسيبعث منها.

ثالثا : إن الذي خص عيسى - عليه السلام - بالولادة من أم بلا أب، خصه بالرفع إلى السماء. 

الباطل الثاني عشر : قالت القاديانية : في قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَا يَخۡلُقُونَ شَيۡـٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ * أَمۡوَٰتٌ غَيۡرُ أَحۡيَآءٖۖ وَمَا يَشۡعُرُونَ أَيَّانَ يُبۡعَثُونَ }. (النحل ٢٠-٢١). إن عيسى أعظم من دعي من دون الله، وإن كل من دعي من دون الله ونسب إليه الخلق، أخبر الله -في هذه الآيات- أنهم أموات غير أحياء ولا يشعرون أيان يبعثون.

والجواب :

بالعودة إلى كتب المفسرين وجدناهم يفسرون هذه الآيات على أن المقصود هي الأصنام، فجاءت القاديانية وجعلتها عامة في كل من عبد من دون الله، والعياذ بالله سبحانه.

ويرد عليها : إن الله العليم قال : { إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَ ٰ⁠رِدُونَ }. (الأنبياء ٩٨). فهل عيسى - عليه السلام - يدخل في قوله : ( حصب جهنم ) والعياذ بالله ؟. والجواب عند القاديانية : لا. فبالتالي : استدلالها السابق باطل.

الباطل الثالث عشر : قالت القاديانية : { كُلُّ نَفۡسࣲ ذَاۤىِٕقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ }. (آل عمران ١٨٥). فكيف استثني عيسى، ولم يمت، ورفع إلى السماء.

والجواب : 

إن الله الذي أخبرنا بأن كل نفس ذائقة الموت، أخبرنا رفع عيسى ونزوله، ونحن لا نقول أنه خالد مخلد والعياذ بالله، بل له أجل كما كل إنسان له أجل، ولقد أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه بعد نزوله يمكث أربعين سنة، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَإِنِّي أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ نَازِلٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ، فَاعْرِفُوهُ : رَجُلٌ مَرْبُوعٌ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ ، كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا، إِلَّا الْإِسْلَامَ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، ثُمَّ تَقَعُ الْأَمَنَةُ عَلَى الْأَرْضِ، حَتَّى تَرْتَعَ الْأُسُودُ مَعَ الْإِبِلِ، وَالنِّمَارُ مَعَ الْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ، وَيَلْعَبَ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ، لَا تَضُرُّهُمْ، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ". (مسند أحمد).

هذا والعلم عند الله العليم علام الغيوب.

نقول : إن سبب إنكار القاديانية لرفع عيسى - عليه السلام - إلى السماء وقولها بموته، منبعه الزعم أن القادياني نبي وأنه مثيل عيسى.

والآن نحن على موعد مع القادياني :

يقول القادياني " وإن الغلبة الكاملة التي وُعد بها الإسلام ستتحقق بواسطة المسيح، فعندما يأتي المسيح إلى الدنيا ثانية سينتشر الإسلام على يده في جميع الأقطار والأمصار ". (البراهين الأحمدية الأجزاء الأربعة ٥٧٣).

في هذا الكتاب " البراهين الأحمدية " يقر القادياني بعقيدة رفع المسيح ونزوله في آخر الزمان، ثم رجع عن عقيدة المسلمين في عيسى بحجة أنه بشر يخطئ. 

وهذا الكلام مردود على القادياني والقاديانية بكلام القادياني نفسه.

مردود على القادياني والقاديانية لأن القادياني يقول : " إن الله لا يتركني على خطأ طرفة عين ". (نور الحق ١٩٢).

ومردود على القادياني والقاديانية لأن القادياني يقول : " وإنا أقررنا بأن كتبنا كلها من حول الله ذي الجلال ". (غلاف إعجاز المسيح).

لاحظ : لا يتركه على خطأ "طرفة عين".

ولاحظ : كتبه "كلها" من الله.

للمزيد حول موضوع : " رفع عيسى عليه السلام ونزوله " راجع : ( البراهين الإسلامية ) أو ( الصواعق العجاوية ).

والحمد لله رب العالمين.

كتبه: أبوعبيدة العجاوي