معجزة رفع إدريس عليه السلام

معجزة رفع إدريس عليه السلام

معجزة رفع إدريس عليه السلام

قال الله - عز وجل - : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا }. (مريم ٥٦-٥٧).

وتعتبر القاديانية أن المقصود من الرفع في الآيات هو رفع المكانة والدرجة لا رفع الجسد، مستدلة على ذلك :

يقول الحق - عياذا به - : { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }. (المجادلة ١١).

وقول النبي - عليه صلاة الله وسلامه - لسعد بن أبي وقاص - رضوان الله عليه - : " وَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَكَ فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ، وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ ". (البخاري).

والجواب والحمد لله رب العالمين :

نقول ما أنكرت القاديانية هذا الرفع في حق إدريس - عليه السلام - إلى السماء، إلا لأنها ترفض عقيدة رفع عيسى - عليه السلام - ونزوله آخر الزمان، لإثبات أن نبيها القادياني هو عيسى أو مثيله، فبالتالي : أنكرت رفع عيسى، ولزم ذلك إنكار رفع إدريس، وتحريف معراج نبينا - عليه الصلاة والسلام - على أنه رؤيا منامية، وإنكار الصعود إلى السماء عموما لأي إنسان. 

فبخصوص الآية التي استدلت القاديانية بها فهي واضحة الدلالة أن المقصود منها رفع الدرجات.

وأما الحديث النبوي فهو واضح في دلالته على عدم الرفع المكاني إلى السماء، وأن رفعه رفع يكون فيه نفع لأناس وضر لآخرين. 

فأولا : بخصوص إدريس جاءت النصوص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الرفع رفع مكاني إلى السماء :

قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ، فَرَحَّبَ، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا }. ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ ". (مسلم).

وعن قتادة في قوله : { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَمَّا عُرِجَ بِي رَأَيْتُ إِدْرِيسَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ ". (الترمذي).

ثانيا : فسر المفسرون هذا الرفع بالرفع المكاني إلى السماء وجاء ذلك عن أبي سعيد الخدري وأنس وابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم… أنظر (تفسير الطبري) و (الدر المنثور).

فإن قالت القاديانية : هناك قول أن المقصود رفع الرتبة والمكانة.

فيجاب عليها : هناك فرق بين من يفسر بناء على دليل يخطأ فيه ويصيب، وبين من ينكر أشياء لينكر غيرها، أو يثبت أشياء ليثبت غيرها، والقاديانية أنكرت أي صعود وعروج للسماء وأي هبوط ونزول منها، لأن ذلك يتصادم عندها مع عقيدتها في المسيح - عليه السلام - رفعا ونزولا، فبالتالي : أي نص يتصادم مع ما تتبناه القاديانية : إما رده، أو تحريف معناه، أو الأخذ بقول من الأقوال لا يتصادم مع ما تتبناه. فإذا كان هذا الحال مع نصوص ختم النبوة ورفع عيسى ونزوله واضحة الدلالة، فما هو الحال عند مسألة رفع إدريس ؟!

وإن قالت القاديانية : هناك خلاف فمن يقول : رفع إلى السماء الرابعة، وقائل يقول : إلى السماء السادسة.

فيرد عليها : أن ما صح في" صحيح مسلم " أنها السماء الرابعة، وقول البعض : أنها السماء السادسة ! فهذا التشكيك من القاديانية لا يبطل أصل المسألة وهو الرفع إلى السماء.

ثالثا : قد يقول قائل من القاديانية أو غيرها : لقد فهمنا أن عيسى - عليه السلام - رفع كي ينزل آخر الزمان ويقتل الدجال ويكون الأمر له ! فلماذا يرفع إدريس إلى السماء ؟

والجواب والعلم عند الله :

فكما أن للبشر حياة دنيوية يقضون ما قدر لهم فيها، فهناك حياة أخرى :

١- حياة القبر :

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْعَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ… ". (البخاري).

٢- حياة الشهداء :

{ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ  }. (آل عمران ١٦٩).

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا وَتَأْوِي إِلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ، فَلَمَّا وَجَدُوا طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ قَالُوا : مَنْ يُبَلِّغُ إِخْوَانَنَا عَنَّا أَنَّا أَحْيَاءٌ فِي الْجَنَّةِ نُرْزَقُ ؛ لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ، وَلَا يَنْكُلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ ؟ فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ : أَنَا أُبَلِّغُهُمْ عَنْكُمْ ". قَالَ : " فَأَنْزَلَ اللَّهُ : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } " إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. (أبو داود).

٣- حياة الأنبياء :  

عن أنس - رضي الله عنه - قال : " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى وَهُوَ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ ". (مسلم).

ولقد قابل النبي - صلى الله عليه وسلم - الأنبياء - عليهم السلام - في قصة الإسراء والمعراج.

والقادياني يثبت حياة موسى - عليه السلام - : " بل حياة كليم الله ثابت بنص القرآن الكريم.. ألا تقرأ في القرآن ما قال الله تعالى : { فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ }. وأنت تعلم أن هذه الآية نزلت في موسى، فهي دليل صريح على حياة موسى، لأنه لقي رسول الله، والأموات لا يلاقون الأحياء. ولا تجد مثل هذه الآيات في شأن عيسى، نعمْ جاء ذكر وفاته في مقامات شتى، فتدبر فإن الله يحب المتدبرين ". (حمامة البشرى ٦٧).

وقال القادياني في (نور الحق ٤٠) : "هذا هو موسى فتَى الله، الذي أشار الله في كتابه إلى حياته، وفرض علينا أن نؤمن بأنه حيٌّ في السماء ولم يمت وليس من الميتين ". 

ومن كذب وتدليس وباطل القاديانية حجة يعرفها من يعرف القاديانية ! عندما نأتي بنصوص القادياني التي تنسف وتدمر أقوال القاديانية ! تقول القاديانية : " إن القادياني قال ذلك إلزاميا ".

والمعنى : إن القادياني يقول أن الأدلة تثبت حياة موسى - عليه السلام - بينما الأدلة تقول أن عيسى - عليه السلام - قد مات.

أقول : يلزمنا بماذا ؟! الأدلة على حياة عيسى - عليه السلام - ورفعه ونزوله كثيرة جدا ؟! لا تقارن بها أدلة حياة موسى - عليه السلام -.  

وكمثال آخر على قضية قول القاديانية :  " إن القادياني قال ذلك إلزاميا ".

هو أننا نجد القادياني - حسدا وعداوة - يتكلم على عيسى - عليه السلام - بكلام كفري تعريضا ووصفا وصراحة.

فتقول القاديانية : " إن القادياني قال ذلك إلزاميا ".

أو أن القادياني يقصد " يسوع النصارى " لا عيسى - عليه السلام -.

وهذا كذب، كما أنه لا يجوز.

انظر القادياني كمثال في حاشية قصيرة بتمامها (نور الحق ٤٠) - عياذا بالله - : " الفائدة : كلم الله موسى على جبل وكلم الشيطان عيسى على جبل، فانظر الفرق بينهما إن كنت من الناظرين ". 

فهذا الكلام لا يقال لا للمسلمين ولا للنصارى، ولا فائدة من ورائه. كما أنه قاله بخصوص النص المتعلق بحياة موسى - عليه السلام - الذي نقلناه، ولا علاقة لنص حياة موسى بالحاشية التي قال فيها ما قال، وهذا فقط مثال واحد.

كتبه: أبو عبيدة العجاوي