معجزة المائدة
معجزة المائدة
{ إِذۡ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ هَلۡ يَسۡتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيۡنَا مَآئِدَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِۖ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأۡكُلَ مِنۡهَا وَتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعۡلَمَ أَن قَدۡ صَدَقۡتَنَا وَنَكُونَ عَلَيۡهَا مِنَ ٱلشَّٰهِدِينَ قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلۡ عَلَيۡنَا مَآئِدَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيدٗا لِّأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا وَءَايَةٗ مِّنكَۖ وَٱرۡزُقۡنَا وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ * قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيۡكُمۡۖ فَمَن يَكۡفُرۡ بَعۡدُ مِنكُمۡ فَإِنِّيٓ أُعَذِّبُهُۥ عَذَابٗا لَّآ أُعَذِّبُهُۥٓ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ }. (المائدة ١١٢-١١٥).
تفسير القاديانية : أن الحواريين لم يسألوا عيسى وجبة من الطعام، وإنما طلبوا مددا دائما من المؤونة يأتيهم من دون مشقة أو مصاعب. وكلمة (من السماء) تنطوي على اتصاف الشيء المنَزّل باليسر والدوام والضمان.
ذكر تلاميذ عيسى في الآية أربعة أمور تتحقق عند استجابة مطلبهم :
(١) أن يأكلوا من المائدة ويُشبعوا جوعهم.
(٢) أن تطمئن قلوبهم، وهذا أيضا يبين أنهم رغبوا في مدد دائم من المؤونة، لأن الوجبة الواحدة لا يمكن أن تطمئن قلوبهم، وتزيل قلقهم بشأن حياتهم المستقبلة حتى يتمكنوا من تبليغ رسالة الله تعالى وقد تخفّفوا من كل همّ، ويكرّسوا كل جهدهم في خدمة دينهم.
(٣) أن تتحقق نبوءة المسيح عليه السلام الواردة في الآية ٥٠ من سورة آل عمران.
(٤) أن يكونوا شهداء على استجابة دعائه وصدق دينهم، وليعلم الناس أن الله تعالى يؤازر ويفضل الذين أخلصوا في خدمة دينه.
وتبين هذه الآية بوضوح أن "المائدة" لا تعني وجبة طعام تنْزل عليهم فعلا من السماء، لأن مثل هذه المعجزة لم تحدث قط، فمن المحال أن يكفر من يشهد هذه الظاهرة العجيبة، ويرى بعينه سماطا ممدودا حافلا بالأطعمة نازلا من السماء.
الخلاصة : أن تفسير القاديانية للآيات يعني أن المائدة عبارة عن رزق دائم عادي كأي رزق، لا مائدة من السماء نزلت كآية خارقة للعادة.
أما تفسير المسلمين (تفسير ابن كثير) : " هذه قصة المائدة ، وإليها تنسب السورة فيقال : " سورة المائدة " . وهي مما امتن الله به على عبده ورسوله عيسى ، - عليه السلام - ، لما أجاب دعاءه بنزولها ، فأنزلها الله آية ودلالة معجزة باهرة وحجة قاطعة .
وقد ذكر بعض الأئمة أن قصة المائدة ليست مذكورة في الإنجيل ، ولا يعرفها النصارى إلا من المسلمين ، فالله أعلم .
فقوله تعالى : ( إذ قال الحواريون ) وهم أتباع عيسى - عليه السلام - : ( يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك ) هذه قراءة كثيرين ، وقرأ آخرون : " هل تستطيع ربك " أي : هل تستطيع أن تسأل ربك ( أن ينزل علينا مائدة من السماء ) .
والمائدة هي : الخوان عليه طعام . وذكر بعضهم أنهم إنما سألوا ذلك لحاجتهم وفقرهم فسألوا أن ينزل عليهم مائدة كل يوم يقتاتون منها ، ويتقوون بها على العبادة .
قال : ( اتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) أي : فأجابهم المسيح ، - عليه السلام - ، قائلا لهم : اتقوا الله ، ولا تسألوا هذا ، فعساه أن يكون فتنة لكم ، وتوكلوا على الله في طلب الرزق إن كنتم مؤمنين " .
الرد على القاديانية بعد إن الله بكل شيء عليم :
١- المائدة تطلق على ما يوضع عليه الطعام، وتطلق على الطعام نفسه.
" المائِدَةُ : الخِوان: عليه الطَّعام والشراب. وفى التنزيل العزيز: المائدة آية ١١٢ ( هَلْ يَسْتطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ). و المائِدَةُ الطعامُ نفسُه. والجمع : موائِدُ ". (المعجم الوسيط).
فحسب تفسير القاديانية الأعوج المحرف تقول : ( أن الحواريين لم يسألوا عيسى وجبة من الطعام، وإنما طلبوا مددا دائما من المؤونة يأتيهم من دون مشقة أو مصاعب. وكلمة (من السماء) تنطوي على اتصاف الشيء المنَزّل باليسر والدوام والضمان ).
فإذا كان كما تقول القاديانية فالمفروض أن يقولوا ويطلبوا ( موائد ) ثم واضح من كلام الله أنهم يتحدثون عن مفرد مائدة : { قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأۡكُلَ مِنۡهَا }.
٢- ثم تفسير القاديانية هذا في منتهى الغباء وقلة العقل فلا يقال عن المعلوم و المعتاد والطبيعي المتحقق أصلا مع البشر وغيرهم.. { هَلۡ يَسۡتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيۡنَا مَآئِدَةٗ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ }. هل يقول عاقل مثلا والعياذ بالله : هل يستطيع الله أن يطعمني ويسقيني !!! فطلب الحواريين يدل على معجزة خارقة للمعتاد.
٣- الحقيقة أنا لا أدري بالتحديد معنى : ( وكلمة (من السماء) تنطوي على اتصاف الشيء المنَزّل باليسر والدوام والضمان ). لكن كطلب طلب الكفار طلبا من الله ( من السماء ) : { وَإِذۡ قَالُوا۟ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلۡحَقَّ مِنۡ عِندِكَ فَأَمۡطِرۡ عَلَیۡنَا حِجَارَةࣰ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ أَوِ ٱئۡتِنَا بِعَذَابٍ أَلِیمࣲ }. (الأنفال ٣٢).
فأين اليسر والدوام والضمان في هكذا طلب ( من السماء ) ؟!
والله ينزل من السماء الخيرات والبركات له الحمد والشكر :
{ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَ ٰتِ رِزۡقاً لَّكُمۡ }. (البقرة ٢٢).
{ وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰۤ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَفَتَحۡنَا عَلَیۡهِم بَرَكَـٰتࣲ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُوا۟ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ }. (الأعراف ٩٦).
لكن الله - عز وجل - ينزل من السماء أيضا - نعوذ بعفو الله ومغفرته وستره ورحمته - :
{ فَبَدَّلَ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ قَوۡلًا غَیۡرَ ٱلَّذِی قِیلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ رِجۡزࣰا مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ بِمَا كَانُوا۟ یَفۡسُقُونَ }. (البقرة ٥٩).
ونسأل القاديانية التي تقول أن طوفان نوح - عليه السلام - في منطقة محددة، أين الضمان والدوام هنا ؟ حسب ما تقول : { فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ }. (القمر ١١-١٣).
٤- تقول القاديانية : ( أن تطمئن قلوبهم، وهذا أيضا يبين أنهم رغبوا في مدد دائم من المؤونة، لأن الوجبة الواحدة لا يمكن أن تطمئن قلوبهم، وتزيل قلقهم بشأن حياتهم المستقبلة حتى يتمكنوا من تبليغ رسالة الله تعالى وقد تخفّفوا من كل همّ، ويكرّسوا كل جهدهم في خدمة دينهم ).
سبحان الله ! قال الحواريون - عليهم السلام - في سياق "قدرة الله" : { قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأۡكُلَ مِنۡهَا وَتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُنَا }. ثم تجعل القاديانية السياق كله عن الأكل والطعام ! وفي قصة إبراهيم - عليه السلام - جواب مشابه وهو اطمئنان القلب : { وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَ ٰهِـۧمُ رَبِّ أَرِنِی كَیۡفَ تُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰۖ قَالَ أَوَلَمۡ تُؤۡمِنۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لِّیَطۡمَىِٕنَّ قَلۡبِی }. (البقرة ٢٦٠).
٥- بالعودة للآية رقم ٥٠ من سورة آل عمران والتي قبلها والتي بعدها : فهذه الآيات لا علاقة لها بالموضوع.
فإن كان القصد قوله - تعالى - : { وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأۡكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمۡۚ }. (آل عمران ٤٩). فهو يدل على معجزات المسيح الغيبية التي جعلها الله له.
٦- في قول القاديانية : أن المائدة الواحدة لا تشبع الجوع وتطمئن الإنسان على مؤنة المستقبل.
نقول : الإنسان لا تشبعه لا مائدة ولا موائد طوال حياته، فإن جاع فكأنه لم يأكل شيئا في حياته، وإن عطش فكانه لم يشرب في حياته، ولا يشبعه عن طلب حاجاته وشهواته إلا الموت - عياذا بالله -. وقال - صلى الله عليه وسلم - : " وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ ". (البخاري).
٧- إن قول الله - العليم - : { قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيۡكُمۡۖ فَمَن يَكۡفُرۡ بَعۡدُ مِنكُمۡ فَإِنِّيٓ أُعَذِّبُهُۥ عَذَابٗا لَّآ أُعَذِّبُهُۥٓ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ }. لا يقوله الله لمن يطلب رزقه ومدده الدائم - نسأل الله رزقه ومدده الدائم - بل يقوله لمن يطلب معجزة خارقة ثم يكفر - والعياذ بالله -، بل الله - عز وجل - يرزق البشر والكفرة منهم طوال حياتهم دون سؤاله ودعائه.
وواضح من الآية أن القصد هو مفرد مائدة : { قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيۡكُمۡۖ }.
أما قول القاديانية التالي : فمن المحال أن يكفر من يشهد هذه الظاهرة العجيبة، ويرى بعينه سماطا ممدودا حافلا بالأطعمة نازلا من السماء.
فقد أجبنا عليه سابقا في ( أدلة القاديانية على إنكار المعجزات الخارقة للعادة وابطال استدلالاتها ). والحمد والشكر لله رب العالمين.
يقول القادياني : " لقد وصل المسيح، بعد أن هاجر من وطنه، إلى منطقة "نصيبين" التي تبعد عن وطنه بمئات الفراسخ؛ وكان يصحبه بعض الحواريين أيضًا... وإن حادثة نزول المائدة الواردة في القرآن قد وقعت أيضًا في أيام سياحته". (المسيح الناصري في الهند ٧٣).
ولا يمكن أن يقال أن القادياني قصد تفسير القاديانية المتبنى لأسباب :
-لأنه يتحدث عن سياق المعجزات للمسيح - عليه السلام - وتصديق الناس لمعجزات المسيح.
-أن القادياني لم يذكر تفسير القاديانية الذي "تتبناه".
-أن القادياني قال بعد الكلام السابق مباشرة : " هذا ملخّص ما ورد في تاريخ "روضة الصفا". وقد عزا المؤلّف إلى عيسى عليه السلام عدّةَ أمور أخرى سخيفة وخرافية غير معقولة على أنها معجزات له، ولكنا قد أعرضنا عن ذكرها متأسفين على تفاهتها، ومُنزِّهين كتابنا عن كذبها وسخفها ومبالغاتها ". (المصدر السابق).
فيفهم من قوله والعياذ بالله : أن الأمور السخيفة والخرافية وغير المعقولة أعرض عنها، وهذا يعني أن الذي نقله ليس سخيفا ولا خرافيا، بل حقيقة.
أخيرا نقول : القاديانية ربت اتباعها على التفسير الباطني، والعدول عن ظاهر النص، وعدم النظر في النصوص والتدقيق فيها كلمة كلمة، وأن الجماعة عندها ( متبنيات ) تقول بها فمن أخذ بها فهو قادياني.
أبو عبيدة العجاوي