معجزة إحياء الموتى
معجزة إحياء الموتى
في قصة إبراهيم - عليه السلام - :
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }. (البقرة ٢٦٠).
تفسير القاديانية المحرف : إن الله قال لإبراهيم خذ أربعة من الطير، وعاملها يتودد حتى تألفك، ثم ضع كل طير منها على جبل، ثم ادعها فتسرع إليك.
والمعنى : أن القاديانية تنكر أن إبراهيم - عليه السلام - قطع الطيور أجزاء بفرم لحمها.
والجواب ولله الحمد :
أولا : إن تفسير القاديانية محض "تحريف" وهو لا يتناسب مع سؤال إبراهيم - عليه السلام - : { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ }.
ثانيا : جاء حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ : { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي }. (البخاري).
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : " هذا لما يَعرضُ في الصدورِ يوسوسُ به الشيطانُ، فرضِىَ اللهُ من إبراهيمَ عليهِ السلامُ بأنْ قال: بلى ". (فتح الباري).
وذلك أن الله أخبر عباده أنه يحيي الموتى ولم يشك إبراهيم - عليه السلام - في ذلك، وإنما أراد رؤية ذلك والإطمئنان، وقيل : أن نبينا محمد - عليه الصلاة والسلام - قال ذلك من تواضعه.
وفي هذا الحديث رد على القاديانية التي تجاوزت الشك إلى النفي والكفر بذلك، نعوذ بالله الهادي الحفيظ من الشك والكفر.
والمسلمون : يؤمنون أن الله يحيي الموتى سواء يوم القيامة أو خرقا للعادة.
بل الله يحيي المخلوقات و يوجدها بعد أن لم تكن موجدة، ولا زال يخلق و متصفا بالخلق، سبحانه وهو - الخالق الخلاق -، فلا تتعجب - أخي المؤمن - من إحياء الطيور الأربعة، أنظر كم يخلق الله في كل وقت من طيور واسماك وحيوانات… وبشر وجن وما الله به عليم… في قياسك البشري ما هو الأعظم ؟! وكل شيء على الله هين، وهو على كل شيء قدير ! ونعوذ بالله من قوم لا يعقلون.
قال - الحق - سبحانه : { مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ }. (لقمان ٢٨).
ثالثا : جاء في روايات كثيرة في قوله : ( فصرهن ) أي : قطعهن. عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو مالك والسدي وغيرهم… راجع (تفسير الطبري).
رابعا : وفي لسان العرب : " صَرَى الشيءَ صَرْياً: قَطَعَه ودَفَعه ". (لسان العرب).
خامسا : في قوله - تعالى - : { جُزْءًا }. دليل على أن التقطيع إلى أجزاء.
قصة الذي مر على القرية :
{ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }. (البقرة ٢٥٩).
تفسير القاديانية المحرف : يقول الله تعالى : انظر إلى ذلك الذي مر على قرية وهي خاوية على سقوفها فقال : يا رب متى تعمر هذه القرية مرة أخرى ؟ فأراه الله في المنام أنه ميت لمدة مائة عام، ولما قام من نومه سأله : كم لبثت في هذه الحال؟ فقال : يوما أو بعض يوم. فقال الله : هذا صحيح، لكن تذكر أن رأيت نفسك في هذا الحال ميتا لمدة مائة عام. والدليل على صحة ما تقول أن طعامك وشرابك لم يتغير، أما الدليل على صدق قولنا من أننا أريناك في الرؤيا مشهدا لما سيحدث في مائة عام قادمة… أنه عندما يتحقق هذا سوف يسلم الناس بأنك كنت على صلة صادقة بالله تعالى. وعندما تبينت له هذه الحقيقة قال : أؤمن بأن الله على كل شيء قدير، وليس بعزيز عليه أن يعمر هذه القرية الخربة مرة أخرى بفضله.
نعوذ بالله، الرد على هذا التحريف والكذب :
أولا : جعلت القاديانية هذه القصة عبارة عن رؤيا منامية فرارا من الإعجاز الخارق للعادة، وليس في القصة شيء أنها كانت مناما لا صراحة ولا دلالة.
ثانيا : هذا التفسير المحرف للقاديانية يجعل معنى ( أنى ) بمعنى ( متى ) وهذا باطل، والقرآن في مثل هكذا مواضع يستعمل ( أنى ) بمعنى ( كيف ) وكذلك بمعنى من ( أين ) :
{ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا۟ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ }. (البقرة ٢٢٣).
{ قَالُوٓا۟ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا }. (البقرة ٢٤٧).
{ قَالَ يَٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا }. (آل عمران ٣٧).
{ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَٰمٌ }. (آل عمران ٤٠).
{ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ }. (آل عمران ٤٧).
{ قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ }. (آل عمران ١٦٥).
ثالثا : قوله - تعالى - : { قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ }. تدل على أنه لم يدرك مدة لبثه وهي ١٠٠ عام لأنه حال موته لا يدري بشيء، وقد أتى القرآن بمثل هذا الكلام مع أصحاب الكهف الذين لبثوا ٣٠٩ سنة : { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا۟ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ }. كما أن جواب الله له ليس ( بالتصحيح والتصديق ) لقوله : { قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ }. بل كان الجواب الحق وهو : { قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ }.
رابعا : { وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا }. هنا وصف الله خلق الحمار وإحيائه بوصف يشابه بداية الخلق، في قوله تعالى : { فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا }. (المؤمنون ١٤). إحياء الحمار كان على الحقيقة وليس مناما بوضوح.
خامسا : قوله تعالى في مثل هذه القصة الإعجازية : { وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ }. مثل قوله تعالى في قصة إحياء عيسى الإعجازية : { قَالَ كَذَ ٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَیَّ هَیِّنࣱۖ وَلِنَجۡعَلَهُۥۤ ءَایَةࣰ لِّلنَّاسِ }. والقاديانية مقرة بها.
سادسا : هذه المقولة : { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }. تقال عند الحديث عن عظمة الله وقدرته، فلو قلت لك مثلا : إن الله يخلق في اليوم الواحد خلقا كثيرا لا نستطيع إحصائه والله لا يشغله شان عن شان، ربما قلت : إنها قدرة الله، أو سبحانه في قدرته، أو إن الله هو القادر القدير المقتدر.
ثم إن القاديانية عندما تستشهد تحاول الإتيان بسياقات مشابهة للنص للتدليل على باطلها، ولو نظرت إلى هذا القول العظيم : { أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }. لا تجده يقال عند رؤية منامية، بل يقال عند شيء عظيم، بل وربما أعظم من قصة صاحب القرية، وجاء عند ذكر الخلق، وقدرة الله العظيمة، :
{ یَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ یَخۡطَفُ أَبۡصَـٰرَهُمۡۖ كُلَّمَاۤ أَضَاۤءَ لَهُم مَّشَوۡا۟ فِیهِ وَإِذَاۤ أَظۡلَمَ عَلَیۡهِمۡ قَامُوا۟ۚ وَلَوۡ شَاۤءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَـٰرِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ }. (البقرة ٢٠).
{ وَلِكُلࣲّ وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّیهَاۖ فَٱسۡتَبِقُوا۟ ٱلۡخَیۡرَ ٰتِۚ أَیۡنَ مَا تَكُونُوا۟ یَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِیعًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ }. (البقرة ١٤٨).
{ وَلِلَّهِ غَیۡبُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَاۤ أَمۡرُ ٱلسَّاعَةِ إِلَّا كَلَمۡحِ ٱلۡبَصَرِ أَوۡ هُوَ أَقۡرَبُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ }. (النحل ٧٧).
{ وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَاۤبَّةࣲ مِّن مَّاۤءࣲۖ فَمِنۡهُم مَّن یَمۡشِی عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن یَمۡشِی عَلَىٰ رِجۡلَیۡنِ وَمِنۡهُم مَّن یَمۡشِی عَلَىٰۤ أَرۡبَعࣲۚ یَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا یَشَاۤءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ }. (النور ٤٥).
{ قُلۡ سِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ بَدَأَ ٱلۡخَلۡقَۚ ثُمَّ ٱللَّهُ یُنشِئُ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡـَٔاخِرَةَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ }. (العنكبوت ٢٠).
{ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ رُسُلًا أُو۟لِیۤ أَجۡنِحَةࣲ مَّثۡنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَۚ یَزِیدُ فِی ٱلۡخَلۡقِ مَا یَشَاۤءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ }. (فاطر ١).
{ ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَ سَبۡعَ سَمَـٰوَ ٰتࣲ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ یَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَیۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عِلۡمَۢا }. (الطلاق ١٢).
في قياسك البشري لو سألتك ما هو الأعظم :
قصة صاحب القرية أم : { أَیۡنَ مَا تَكُونُوا۟ یَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِیعًا }. ؟
قصة صاحب القرية أم ما تضمنته هذه الآية : { ٱللَّهُ ٱلَّذِی خَلَقَ سَبۡعَ سَمَـٰوَ ٰتࣲ وَمِنَ ٱلۡأَرۡضِ مِثۡلَهُنَّۖ یَتَنَزَّلُ ٱلۡأَمۡرُ بَیۡنَهُنَّ لِتَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عِلۡمَۢا }. ؟
صحيح أن كل ما لله العظيم عظيم لكن الله - عز شأنه - ذكر أن هناك خلق أعظم من خلق : { لَخَلۡقُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَكۡبَرُ مِنۡ خَلۡقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ }. (غافر ٥٧).
هذا مع العلم لو تفكرت في عظمة خلق الإنسان والتفاصيل التي لا عد لها ولا حصر… ستجد أن خلق الإنسان " عالم وكون " بحد ذاته إن جاز التعبير لتقريب الصورة، لكن كثير من الناس غافلون عن آيات الله، فبالله نعوذ من الغفلة.
قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - : { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }.
" يقول تعالى منبها على أنه يعيد الخلائق يوم القيامة ، وأن ذلك سهل عليه ، يسير لديه - بأنه خلق السموات والأرض ، وخلقهما أكبر من خلق الناس بدأة وإعادة ، فمن قدر على ذلك فهو قادر على ما دونه بطريق الأولى والأحرى ، كما قال تعالى : ( أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ). وقال هاهنا : ( لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) ; فلهذا لا يتدبرون هذه الحجة ولا يتأملونها ، كما كان كثير من العرب يعترفون بأن الله خلق السموات والأرض ، وينكرون المعاد ، استبعادا وكفرا وعنادا ، وقد اعترفوا بما هو أولى مما أنكروا ".
دقق في قوله : " كان كثير من العرب يعترفون بأن الله خلق السموات والأرض ، وينكرون المعاد ، استبعادا وكفرا وعنادا ، وقد اعترفوا بما هو أولى مما أنكروا ".
فهذه القاديانية : تنكر إحياء أربعة طيور، وإحياء حمار، وإحياء أموات، وهي معترفه بما هو أعظم وأكبر وهو خلق السماوات والأرض، والله لا زال يخلق ويخلق، بل اسم الله - الخلاق - مبالغة في كثرة الخلق ! فتدبر هداني الله وإياك.
قال - الخالق الخلاق البارئ المصور - : { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعۡمَلُونَ }. (الصافات ٩٦). حتى أفعال وأعمال المخلوقات مخلوقة.
سأفترض معك شيئا افتراضيا : لو جعلنا كاميرا مسلطة على قرية أو مدينة ١٠٠ سنة وإن كان هذا صعب ولا يتحقق، لكن لو فكرت بالتفاصيل ! تفاصيل لا عد لها… : أحياء يموتون، أطفال يولدون ثم يكبرون ويتزوجون ثم ينجبون ثم يموتون وتخيل تفاصيل حياتهم… وقس على ذلك الطيور والحيوانات والحشرات في تلك القرية أو المدينة… تفاصيل صعبة على العقل البشري، لتقريب الصورة أنظر لمشهد تصوير فيديو مدته طويلة لكن بشكل سريع ثم انظر في حركة الناس والحيوانات وكل شيء… تفاصيل لا يعلمها إلا الله - سبحانه الذي أحاط بكل شيء علما - تخيل وتدبر أن هذا يحدث في العالم منذ بدأ الخليقة !!! فما هو إحياء طيور أربعة، أو إحياء إنسان، أو حمار، أمام كل ما سبق !!! فسبحان الله لا إله إلا الله العظيم الكبير.
من هنا تدرك جهل وقلة عقل الملحد الذي ينكر الخالق : لو سألته هذه السيارة ؟! ما شأنها ؟! سيقول : إن صانع السيارة أو الحافلة صانع مبدع وفنان وذو عقل كبير، جعل العجلات لحكمة، وجعل المرايا والزجاج لحكمة، وجعل المحرك لحكمة، وكذلك الشكل، والحجم، والمقاعد، والمقود، والفرامل، والإضاءات، والأبواب، وقطع السيارة الداخلية والخارجية… باختصار كل شيء عنده في السيارة أو الحافلة لحكمة وصانعها مبدع !
بينما الإنسان : له عقل ليدبر، وقلب يضخ الدم، وعظام تشده، وعينين ليرى، واذنين ليسمع، وأنف ليتنفس، وفم ليأكل ويشرب، وقبل ليتبول ويتناسل، ودبر ليخرج، وثديين لكي يرضع، ورجلين ليمشي، ويدين يقضي بها حوائجه كلها، و الأصابع، والمفاصل، والدم، والرئتين، والكليتين، والمعدة، والأمعاء، والكبد، والمثانة ووو… وكل شيء له دور وحكمة !
السيارة والحافلة عند الملحد كل شيء فيها لدور، وحكمة، وصانعها مبدع ومتقن.
بينما ذلك الإنسان بكل أعضائه، وجد صدفة بلا حكمة، وليس له صانع ولا مبدع.
فسبحان الله الخالق المبدع الصانع : { صُنۡعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِیۤ أَتۡقَنَ كُلَّ شَیۡءٍ }. (النمل ٨٨).
ثم هذا الإنسان متوافق في تكوينه مع خارجه، كما الحافلة أو السيارة : أرض تمشي عليها رجليه، وهواء كي يتنفس ويسمع، وشمس ونهار كي يرى ويبصر ويسعى في حياته، وليل لينام، ومخلوقات وحيوانات ونبات وماء ليأكل ويشرب ويستر عورته، وتراب يحلل بوله وغائطه…
وللأسف كثير من الناس يتعامل مع الخشبة والحديدة بعقلية الباحث الدارس المتعلم، ولا يتعامل مع سماوات الله وأرضه وما فيهن من مخلوقات بنفس الطريقة.
تقرأ عن تقارير دنيوية بحثية بتفاصيل مملة !
فكيف لو تعاملوا مع الخالق ومخلوقاته بنفس المنطق !
بل كيف لو ربطت الأبحاث الدنيوية بالخالق ودينه الحق !
ما أحقر شأن البشر - إلا من رحم الله - والله غني عنهم ولا حاجة له بهم، سيدخل حفرة ويلقى بها وتأكله الدود ! وسيقال : من ربك ومن دينك ؟! لم يكن يفكر بالأمر ! ويوم القيامة بعض الناس : إن هناك إله خالق ! لم أكن أفكر بالموضوع ! بعد أن فات الأوان ! أعوذ بالله من عذاب القبر ! وأعوذ بالله من النار، وأعوذ بالله من جهنم.
فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ولا إله إلا الله محمد رسول الله.
قصة عيسى - عليه السلام - :
{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِى عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَٰلِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِى ٱلْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَىٰةَ وَٱلْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْـَٔةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِى فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًۢا بِإِذْنِى وَتُبْرِئُ ٱلْأَكْمَهَ وَٱلْأَبْرَصَ بِإِذْنِى وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِى وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَآ إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ }. (المائدة ١١٠).
{ وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ أَنِّى قَدْ جِئْتُكُم بِـَٔايَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّىٓ أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْـَٔةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًۢا بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُبْرِئُ ٱلْأَكْمَهَ وَٱلْأَبْرَصَ وَأُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }. (آل عمران ٤٩).
يقول القادياني - أعوذ بالله - : " أما ما يطلب من المعجزات مقابل معجزات في حياة المسيح الأول لتحقيق المماثلة، فقد شرحت هذا الأمر من قبل وقلت بأن الإحياء المادي ليس بشيء ". (إزالة الأوهام ١١٨).
فنقول : إذا كان الإحياء المادي ليس بشيء، فمن باب أولى أن ما يسمى بتنبؤات القاديانية الفاشلة - حتى لو تحققت كلها - ليست بشيء وخسوف الشمس والقمر ليس بشيء.
وأنا سأضرب مثالا افتراضيا يشبه تنبؤات القادياني :
" سيكون هناك زلزال خلال عشر، ولا أدري هذه العشر أيام أو شهور أو سنوات أو إن كان في المشرق أو في المغرب ".
وسيقول قائل : مضت ليس عشر سنوات بل عشرين سنة ولم يحدث شيء من هذا.
وأجيب كما تجيب القادياني :
١- حدثت هزة خفيفة جدا في جزيرة صغيرة في المحيط الهادئ وهي جزيرة صغيرة تبلغ مساحتها ٥ كيلو مربعة قبل ٧ سنوات ، فلعل الزلزال المقصود في - النبوءة - هذا، فوقع الأمر كما أخبر وصدقت النبوءة.
٢- أو لعل المقصود بالزلزلة شيء مخيف يشبه الزلزال فعبر عنه بالزلزلة ولا ندري ما هو، أو ربما يكون المقصود منه إنهيار الإتحاد السوفياتي.
٣- أو أنه في قرية كذا وقع إنهيار جبلي وكانت آثاره تشبه الزلزال مجاز واستعارة.
٤- أو أن هذا لم يقع لأن من وردت فيهم هذه النبوءة تابوا، وآمنوا، واتبعوا المصلح عبد الله الحشاش الشاهد، وهو الشاهد الموعود والذي وردت فيه آية - عياذا بالله ونستغفره - ( ويتلوه شاهد منه ). الذي أسس فرقة الحشاشين. ملاحظة : الخصوم سموا الجماعة بهذا الإسم، نسبة إلى قرية حشيش، وليس المقصود بالحشيش المعنى المعروف الذي يحشش به الحشاشون، أما جماعته فاسمها الجماعة العبدية الإسلامية وهي الإسلام الصحيح التي تدعو أصحاب - الفهم القديم - لها، تفسيراتنا و بضاعتنا جديدة ومعقولة.
٥- هذه نبوءة والنبوءات لا تؤخذ على ظاهرها.
فكل هذا ليس بشيء.
( لا تزعل أو تغضب إن كنت قاديانيا، كثير من المسلمين يرون أقوال جماعتك القاديانية تحشيشا، وأنتم ترون المسلمين أصحاب فهم تقليدي و مخرفين وغير عقلانيين.. ).
( ثابت أن الدولة البريطانية المحسنة العادلة، والتي هي خير من دولة الإسلام، كانت تزرع الأفيون وتبيعه للشعب الصيني، الذي ابتلي بهذه التجارة التي أضرت بالصين، وخاضت الدولة البريطانية حربا مع الصين سميت حرب الأفيون ).
الغريب في الموضوع : ٩٩.٩ ٪ تقريبا من نبوءات القادياني تأخذ القاديانية بظاهرها !
بينما : حين نعرض على القاديانية الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، تقول القاديانية : هذه نبوءات والنبوءات لا تؤخذ على ظاهرها.
وسواء بلغت نبوءات القادياني مليون، أو ثلاث مائة ألف، أو مئة ألف، أيا كان عددها ثم يقول لنا القادياني : لا استطيع عدها لأن ذلك يأخذ مجلدات، فما الفائدة من كثرة تنبؤات لا تستطيع إخبار الناس بها.
هل ترى أن أكثر من ( مليون آية ) للقادياني إن كنت قديانيا - رزقني الله وإياك العقل والتدبر - رقم معقول.
عمر القادياني الرسمي حسب زعم القاديانية : ٧٣
أول وحي مزعوم تلقاه القادياني حسب كتاب التذكرة كان سنة ١٨٦٥م، وبهذا يكون عمر القادياني ٣٠ عاما، فإذا طرحنا هذا الرقم من عمر القادياني الكلي فيكون القادياني تلاقى وحيا خلال ٤٣ سنة.
هل ترى هذا معقولا ؟ إن كنت تراه معقولا ! سأوضح لك :
القادياني : ينام لنقل ٨ ساعات ، يجلس يأكل مرتين أو ثلاث، يلاقي أصحابه، له حياته العائلية والأسرية، يسافر، يعقد الإجتماعات، ينظر في الكتب والقواميس، يبحث عن الآيات والأحاديث - وهذا ليس سهلا وبسيطا -، يكتب الإعلانات الكثيرة ، يؤلف الكتب التي بلغت ٨٠ كتابا، يقرأ بعض الكتب والصحف، كلامه مع أصحابه بلغ ٥ مجلدات، عدى الرسائل والمكتوبات، الكتب والرسائل والمكتوبات بحاجة لمراجعة وتصحيح وتدقيق، أمراضه تنهكة وتأخذ وقتا من حياته ولا أريد أن أحدثك عن كثرة الإسهال والتبول عنده، عنده قضايا في المحاكم، يقضي وقتا مع قصص الوحي الذي يزعم نزوله عليه، يقارع الخصوم و يجادلهم… ونحن لا ندري تفاصيل حياته الكثيرة…
كيف لشخص كهذا أن يرى مليون آية !
فإما أنه يجلس لا يفعل شيئا ينظر في الآيات، وكل أعماله وما ينسب إليه يقوم به غيره.
وإما أن هذا الرجل يصدر منه كلام على عواهنه بلا تفكير ولا تدبر من عظم ما يقول !
وإنني أرى أن الرجل لا يدري بكثير مما في كتبه من كثرة تضاربها و تناقضها واشكالتها وأخطائها، وكأن حاله : أنا نبي وهذه كتبي وهذا تراثي.
وإننا لنعلم أن الرجل يكتب الكتاب، ثم ينسى قسما ليس بالقليل من مضمونه بعد سنوات، فتراه يقرأه من باب الذكريات.
ولا يستطيع من له كتب كثيرة أو كبيرة إلا أن يكون متفرغا للكتابة أو شبه متفرغ، أو معه وقت لذلك، أو قلمه سيال، وربما يدع غيره يقوم بمهمات التصحيح والتدقيق والفهارس وإخراج الكتاب بالشكل المطلوب وما شابه ذلك.
وقالوا : من كثر كلامه كثر خطؤه. وهذا حق، هذا هو الإنسان.
والقادياني يزعم أن كتبه كتبت بوحي من ربه ولا يتركه على خطأ - عياذا بالله سبحانه -.
نعوذ بالله رب العالمين.
وهذا هو رسولنا - صلى الله عليه وسلم - مع إيماننا بشأنه العظيم الكبير - صلوات ربي وسلامه عليه - يعلمه ربه ويربيه ويجعل خلقه عظيما ينزل عليه الوحي فيتعلم ويعلم أصحابه - رضي الله عنهم - ويبلغ قريش والناس، وتراه يسأل جبريل - عليه السلام - وإن سئل عن شيء وهو لا يعلم، يسكت حتى ينزل الوحي به يتعلمه ويعلمه الناس، وما أخبر بشيء إلا بعد أن علمه الله أو أوحي إليه فيه شيء، ثم أخذ الوحي ينزل وينزل و - عليه الصلاة والسلام - يفيض علما وما يخرج من فمه إلا الحق.
أما القادياني - نعوذ بالله من التقول على الله - ينسب كلامه لله، وكتبه لله، مع أن كلامه أقل من كلام طالب العلم أو الباحث أو الكاتب أو الإنسان العامي البسيط - يُنزه الله أن ينسب ذلك إليه - وليس هذا نابعا من عداوة شخصية، بل بعد ما تيسر من بحث وقراءة، إن الذي ينظر في بلاغة القرآن وبلاغة حديث رسول الله محمد - عليه الصلاة والسلام - ينزه وحي الله عن ما يصدر من القادياني، هذا وينزه وحي الله عن عقائد القادياني والقاديانية، وإن القادياني والقاديانية يصدق عليهم قول القائل : فتحوا دكانا للتجارة.
ونعوذ بالله من هكذا بضاعة.
إن قلت : الأمر معقول جدا ! القادياني بلغت آياته أكثر من مليون !
أقول : أنظر إلى كلام القادياني التالي : " وقد رأوا مني أكثر من مائة ألف آيات وخوارق ومعجزات فنسي كل منهم ما رأى ". (مواهب الرحمن ٦).
من من خصوم القادياني سيجلس يتابع آيات القادياني التي بلغت مائة ألف !
القادياني هو أصلا لم يستطع أن يعد آياته لأنها بحاجة لمجلدات كما قال !
فلغة الأرقام سهلة لكن المضامين والتفاصيل والوقائع والوقت والعمر والسنوات شيء آخر.
هذا فضلا أن كثيرا من الناس وغالبيتهم إما لا يبالون به، أو لم يسمعوا به !
ولو قرأ أحد المسلمين أو الكفار ما أكتبه، ربما قال : ومن يبالي بالقادياني أو جماعته، تتعب نفسك في قوم قله، لا يكترث بهم ! إنما نرجو الأجر والثواب من الله، وأن يهدي الله من شاء على يدنا، اللهم آمين ولك الحمد.
قال : عبد الله بن المبارك - رحمه الله - إننا ننقل كلام اليهود والنصارى ونستحي من مقالات الجهمية.
وهذا ما نشعر به ونحن ننقل كلام القادياني.
فتدبر هداني الله وإياك.
يقول بشير الدين محمود : "ولا يعني قوله (وَأُحْيِي الْمَوْتَى) أنه قد قام فعلا بإعادة الحياة إلى من توفاه الله. إن الذين يموتون موتا حقيقيا لا يمكن مطلقا أن يعودوا إلى الحياة في هذه الدنيا. إن مثل هذا الاعتقاد يتعارض تعارضا تاما وتعاليم القرآن المجيد".
والرد بعد سبحانك ربي أسألك الرحمة والمغفرة والعفو والستر :
أولا : إن إحياء الموتى لا يتعارض مع القرآن، وقد أثبت - الرب - ذلك : في إحياء عيسى للموتى، وطيور إبراهيم، وصاحب القرية وغير ذلك…
ثانيا : أثبتت السنة إحياء عيسى - عليه السلام - للموتى - بإذن الله - كما جاء في (مسند أحمد) : عَنْ حُذَيْفَةَ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَصَلَّى الْغَدَاةَ، ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الضُّحَى، ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ مَكَانَهُ حَتَّى صَلَّى الْأُولَى وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ، حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ النَّاسُ لِأَبِي بَكْرٍ : أَلَا تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَأْنُهُ، صَنَعَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ يَصْنَعْهُ قَطُّ ؟ قَالَ : فَسَأَلَهُ، فَقَالَ : " نَعَمْ، عُرِضَ عَلَيَّ مَا هُوَ كَائِنٌ، مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَأَمْرِ الْآخِرَةِ، فَجُمِعَ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ بِصَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَفَظِعَ النَّاسُ بِذَلِكَ، حَتَّى انْطَلَقُوا إِلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْعَرَقُ يَكَادُ يُلْجِمُهُمْ ، فَقَالُوا : يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، وَأَنْتَ اصْطَفَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ. قَالَ : قَدْ لَقِيتُ مِثْلَ الَّذِي لَقِيتُمُ، انْطَلِقُوا إِلَى أَبِيكُمْ بَعْدَ أَبِيكُمْ، إِلَى نُوحٍ { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ } ". قَالَ : " فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيَقُولُونَ : اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ؛ فَأَنْتَ اصْطَفَاكَ اللَّهُ وَاسْتَجَابَ لَكَ فِي دُعَائِكَ، وَلَمْ يَدَعْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا. فَيَقُولُ : لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي، انْطَلِقُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اتَّخَذَهُ خَلِيلًا. فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ : لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي، وَلَكِنِ انْطَلِقُوا إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَلَّمَهُ تَكْلِيمًا. فَيَقُولُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي، وَلَكِنِ انْطَلِقُوا إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ؛ فَإِنَّهُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُحْيِي الْمَوْتَى. فَيَقُولُ عِيسَى : لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِي، وَلَكِنِ انْطَلِقُوا إِلَى سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ ؛ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، انْطَلِقُوا إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَشْفَعَ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ "، قَالَ : " فَيَنْطَلِقُ، فَيَأْتِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبَّهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ". قَالَ : " فَيَنْطَلِقُ بِهِ جِبْرِيلُ، فَيَخِرُّ سَاجِدًا قَدْرَ جُمُعَةٍ، وَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ "، قَالَ : " فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَرَّ سَاجِدًا قَدْرَ جُمُعَةٍ، أُخْرَى، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ "، قَالَ : " فَيَذْهَبُ لِيَقَعَ سَاجِدًا، فَيَأْخُذُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِضَبْعَيْهِ ، فَيَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ مِنَ الدُّعَاءِ شَيْئًا، لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى بَشَرٍ قَطُّ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ خَلَقْتَنِي سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ، وَأَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ. حَتَّى إِنَّهُ لَيَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ أَكْثَرُ مِمَّا بَيْنَ صَنْعَاءَ، وَأَيْلَةَ، ثُمَّ يُقَالُ : ادْعُوا الصِّدِّيقِينَ فَيَشْفَعُونَ. ثُمَّ يُقَالُ : ادْعُوا الْأَنْبِيَاءَ ". قَالَ : " فَيَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الْعِصَابَةُ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ، وَالنَّبِيُّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ يُقَالُ : ادْعُوا الشُّهَدَاءَ فَيَشْفَعُونَ لِمَنْ أَرَادُوا "، قَالَ : " فَإِذَا فَعَلَتِ الشُّهَدَاءُ ذَلِكَ "، قَالَ : " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، أَدْخِلُوا جَنَّتِي مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا "، قَالَ : " فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ "، قَالَ : " ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : انْظُرُوا فِي النَّارِ، هَلْ تَلْقَوْنَ مِنْ أَحَدٍ عَمِلَ خَيْرًا قَطُّ ؟ " قَالَ : " فَيَجِدُونَ فِي النَّارِ رَجُلًا، فَيَقُولُ لَهُ : هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لَا، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُسَامِحُ النَّاسَ فِي الْبَيْعِ. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَسْمِحُوا لِعَبْدِي كَإِسْمَاحِهِ إِلَى عَبِيدِي. ثُمَّ يُخْرِجُونَ مِنَ النَّارِ رَجُلًا، فَيَقُولُ لَهُ : هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ. فَيَقُولُ : لَا، غَيْرَ أَنِّي قَدْ أَمَرْتُ وَلَدِي إِذَا مِتُّ، فَأَحْرِقُونِي بِالنَّارِ، ثُمَّ اطْحَنُونِي، حَتَّى إِذَا كُنْتُ مِثْلَ الْكُحْلِ، فَاذْهَبُوا بِي إِلَى الْبَحْرِ، فَاذْرُونِي فِي الرِّيحِ، فَوَاللَّهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَبَدًا. فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : مِنْ مَخَافَتِكَ ". قَالَ : " فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : انْظُرْ إِلَى مُلْكِ أَعْظَمِ مَلِكٍ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهُ وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ ". قَالَ : " فَيَقُولُ : لِمَ تَسْخَرُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ ؟ " قَالَ : " وَذَاكَ الَّذِي ضَحِكْتُ مِنْهُ مِنَ الضُّحَى ".
ثالثا : هذا "بشير الدين" الذي ينتقي ما يشاء من "الكتاب والسنة" وينتقي ما يشاء من "الكتاب المقدس"، فإذا رفض شيئا مما هو في "الكتاب والسنة" رفضه بحجة أنه لا دليل عليه في كتاب اليهود والنصارى، ثم هو نفسه يأخذ بأشياء من كتب اليهود والنصارى ثم يؤسس بناء على ذلك قولا ورأيا وعقيدة مخالفا لأهل الإسلام، مع أن الكتاب المقدس يثبت المعجزات للأنبياء - عليهم السلام - وإنما هي الانتقائية عند بشير الدين في الاستدلال سواء من "الكتاب والسنة" أو من "الكتاب المقدس" عند اليهود والنصارى، وإنما هو الهوى في تحريفه لمعاني "الكتاب والسنة".
رابعا : نطالب القاديانية التي تؤول نصوص المعجزات تحريفا، بأدلة من حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ومن أقوال الصحابة - رضوان الله عليهم - في تأويل نصوص "إحياء الموتى" خصوصا، وفي نصوص المعجزات الخارقة للمعتاد عموما، فإن عجزت عن ذلك فقد أثبتت بطلان تأويلها وتحريفها.
خامسا : إذا كانت هذه التحريفات والتأويلات التي يأتي بها "بشير الدين محمود" بصفته شخصا يوحى إليه من الله، فنحن نسأل : لماذا لم يوح بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن كانت حقا فهو الأحق بأن توحى إليه ؟ وإذا كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يوحى إليه حسب زعم القاديانية ! فلماذا لم يوح إليه بشيء من هذه التأويلات ؟
سادسا : نقول : إن التحريفات التي يأتي بها "بشير الدين" كثير منها يتناقض مع أقوال "القادياني". فبالتالي : أثبتت القاديانية تناقضها بين وحي الأب وبين وحي الابن، و إلزاميا بطلان وكذب كلا الوحيين.
قصة بقرة بني إسرائيل :
قال - العليم الحكيم - : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ }. (البقرة ٧٦).
إلى قوله - تبارك وتعالى - :
{ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }. (البقرة ٧٢-٧٣).
قالت القاديانية والخليفة الثاني بشير الدين محمود :
"ويمكن أن يعني : كذلك يُحيي الله الذين يشبهون الموتى، أو كذلك يقيم الله كرامة الموتى ويحفظها، أو كذلك يحفظ الله الناس من الهلاك. والمعنيان الأخيران يصدقهما القرآن أيضاً حيث قال: (ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب) (البقرة:١٨٠).. أي أيها العقلاء إذا عاقبتم القاتل بعقوبة مناسبة لقلّت جرائم القتل في المستقبل، وأنقذت أرواح كثيرة من الهلاك. وبحسب هذه المحاورة القرآنية يعني إحياء الموتى هو إنقاذ من يحتمل قتله. وفي القصاص حياة بمعنى أن كرامة القتيل لا تضيع وإنما تبقى قائمة محفوظة تزيل من قلوب أهله البغض والشحناء، لأنهم يرون بدون قصاص أن فقيدهم أهين وأذل.
وبناء على هذا يعني قوله تعالى: (كذلك يحيي الله الموتى) أنه عزوجل يُحيي من يموت في سبيله بأخذ ثأره من القاتل.
أما المعنى الأول بأنه يُحيي من يكون حاله كحال الموتى فهو كثير في الأساليب المستخدمة في الحياة اليومية. فنطلق اسم الشيء على شبيه له. فمثلاً إذا أصيب أحد بجرح كبير وتألم كثير يقول: لقد مِتُّ، والمعنى أني قد صرت كالميت من الألم والتعب. فيمكن أن يكون معنى الآية: هكذا يُحيي الله الذين يكونون كالموتى، ولم يبق أمل في حياتهم، تجزم العلوم الدنيوية بهلاكهم ولكن الله تعالى ينقذهم بفضله.
ومما يؤيد رأيي - ابن القادياني وخليفته الثاني - أيضاً أنه لا معنى لضرب القتيل لإحيائه بجزء من جسم البقرة، فلو أراد الله تعالى إحياء القتيل كمعجزة ما كان هناك داع لذبح بقرة وضرب القتيل ببعضها، وإنما كان يمكن إحياؤه بدعاء موسى..بمثل ما يظن خطأ عامة المسلمين أن عيسى كان يُحيي الموتى بدعائه.
والظاهر من هذه العبارة أنهم لم يؤمروا بذبح البقرة ليضربوا القتيل بجزء من جسمها، ولم يفعلوا هذا، ولم يقم القتيل حياً، ولم يخبر باسم القاتل، وإنما الحكمة في ذبحها أن يزول تعظيم البقرة من قلوب بني إسرائيل، وأيضاً أن يكلموا بالصدق عند الشهادة بغُسل أيديهم على البقرة التي كانوا يكنون حبها وتعظيمها في نفوسهم.
وما دام الأمر الواقع هكذا فأي مبرر لفرض معان على القرآن يأباها ترتيب القرآن للأحداث كما لانجد مؤيداً لها في التوراة ولماذا نقبل ما يرفضه العقل والنقل، ونتيح للعدو فرصة للطعن في القرآن الكريم والاستهزاء به. إن ما يقوله القرآن واضح تماماً ومتسلسل تسلسلاً طبيعياً. كان بنو إسرائيل في ذلك الزمن على استعداد صريح لعبادة البقر، وتذكر التوراة الأمر الإلهي بذبح البقرة والحكمة منه التي تطابق المعنى القرآني..أي محو تقديس البقر من قلوبهم.
وما دام هذا المعنى الذي يسوقه المفسرون يعارض العقل، ويخالف ما ورد في التوراة، ويخل بالترتيب القرآني اللطيف، ويتعارض مع تعاليم القرآن الصريحة، ولا يسانده قول من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم يبق لنا إلا طريق وحيد..ألا وهو الفصل بين الحادثين ونبذ قول المفسرين هذا والنظر في تفسير الآية من منظور آخر.
ثم ذكر أن هناك تفسير أن المقصود من نفسا هو عيسى - عليه السلام - وما وقع له مع بني إسرائيل و حادثة الصلب…
ثم قال : ولكني أرجح معنى آخر… ويقصد نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال :
المخاطبون في قوله تعالى(وإذا قتلتم نفساً) هم اليهود. والمراد بالنفس هو الرسول صلى الله عليه وسلم أو الشخص أو الأشخاص الذين قتلهم اليهود تمهيداً لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم. (فادّارأتم فيها) أي أنكرتم تآمركم وتخطيطكم لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم أو اختلفتم في قتل المسلم الذي قتلته جماعة منكم ثم أنكر كل واحد منها مسئولية القتل. (والله مخرج ما كنتم تكتمون) إن الذي حرضكم على قتل هذا المسلم أو على قتل النبي صلى الله عليه وسلم سوف يفضحه الله تعالى؛ أو أنكم في الظاهر تشببون بالمسلمات وتنتهكون حرمتهن وتهاجمون المسلمين، ولكن هدفكم الأبعد هو قتل النبي صلى الله عليه وسلم, ولسوف يظهر الله تعالى هذه الخطة الشريرة التي تدبرونها. فإن كنتم اليوم تحاولون إخفاء وإنكار خطتكم هذه، وتتهربون من القرائن الدالة عليها. فلسوف تكشف الأحداث عن ذلك كشفا تاما.
وبالفعل كشفت الأحداث فيما بعد عن نوايا السوء هذه لليهود. فقد دعا يهود بني النضير النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرة للحديث معه في بعض المسائل الدينية، وكان خطتهم أن يغتالوه عندما تسنح فرصة لذلك، ولكن الله تعالى حماه من ذلك حيث أطلعه على تدبيرهم. فغادر موقعه الذي كان سيلقون عليه صخرة من أعلى الجدار(أبو داود، كتاب الخراج، باب خبر بني النضير).
ثم إن يهودية من خيبر دعته للطعام، وقدمت له كتف شاه مسمومة. وما أن تناول النبي صلى الله عليه وسلم منه لقمة حتى أخبره الوحي بذلك، فلفظها. وكان معه مسلم آخر أكل منها لقمة فمات(السيرة النبوية لابن هشام، المسير إلى خيبر).
وهكذا يتضمن قوله تعالى: (والله مخرج ما كنتم تكتمون) نبأ غيبياً بأنهم لن ينفكوا في تآمرهم وسوف يفضحهم الله ويكشفهم متلبسين.
قوله تعالى (فقلنا اضربوه ببعضها) أي قلنا هاجموا بالسيف هذا الذي يريد قتل محمد صلى الله عليه وسلم أو يمهد لقتله بقتل أحد المسلمين، واقتلوه بسبب بعض جرائمه. يُقال ضربه بالسيف أي أوقع به وهاجم به لقتله وقد قال (ببعضها) أي بسبب بعض جرائمه، لأن عقوبة جرائم كعب بن الأشرف لا تتم في هذه الدنيا، ولا يغطي قتله كل العقوبة، بل إنه ليستحق على جرائمه عذاباً في الآخرة أيضاً..لأن القرآن الكريم يصف عقوبة جريمة القتل العمد قائلاً: (ومن يقتُل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها)(النساء:٩٤). ومن الثابت أيضاً في القرآن الكريم أن القاتل يُقتل أيضاً. فالقاتل إذاً له عقوبتان: الإعدام في الدنيا وعذاب جهنم في الآخرة. فكأن الله يقول هنا: عاقبوه عقاب الدنيا بقتله، أما بقية عقابه فسيكون بعد موته.
وأما قولنا بأن قوله تعالى(ببعضها) تقديره ببعض جرائمه، فمثاله من القرآن الكريم قوله تعالى: (واسأل القريةَ التي كنا فيها والعيرَ التي أقبلنا فيها)، وتقديره: اسأَلْ أهل القرية ورجال القافلة.
وقوله تعالى (كذلك يُحي الله الموتى) يعني أن الأعداء يريدون إهلاك أنبيائه وجماعاتهم، لكنه تعالى بحسب وعده مع الأنبياء يحفظهم منهم، وعندما يكونون في نظر العدو في عداد الموتى يكتب الله لهم حياة جديدة. فمن سنة الله المستمرة أنه لا يسمح للعدو بالنجاح في قتل النبي الأول والنبي الأخير في سلسلة النبوة للأمة، لأنهما النموذج الحقيقي للإحياًء القومي. فقد كان موسى هو الحلقة الأولى من سلسلة النبوة للأمة الموسوية، وكان عيسى الحلقة الأخيرة منها، والإحياًء القومي الذي تم لبني إسرائيل على أيدي هذين النبيين لم يتم مثله على يد سائر أنبيائهم. ثم إن قوله تعالى (كذلك يُحي الله الموتى) إشارة إلى الإحياًء العام الذي يتم في العالم بالنبي الأول والنبي الأخير من أية سلسلة، وتخبر الآية أن أعداءهما يبادون لأنهم لو لم يهلكوا لا يتم إحياًء الدنيا. ومن ثم فلا اعتراض على هلاك الأعداء وقتلهم، بل الاعتراض على بقائهم.
وقوله تعالى(ويريكم آيته لعلكم تعقلون). الغرض من إراءة هذه الآيات هو منع هؤلاء من الشر وتوجيههم إلى الخير. لقد عاقب الله تعالى اليهود وحفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته من كل شر ظاهر أو خفي، وكان في هذا آية لقوم عاقلين؛ فأسلم بسببها بعض اليهود ولكن معظمهم لم ينتفعوا بها.
فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ومعذرة على النص الطويل فإني اختصر قدر الإمكان " بتصرف " وأريد أن ترى كيف يفسرون نصوص المعجزات باطنيا وبقصص لا علاقة لها بالآية أو الآيات.
واكتفي بالرد هنا على نقاط :
أولا : قول القاديانية : " لا معنى لضرب القتيل لإحيائه بجزء من جسم البقرة ".
والجواب عليه : إن ما ظهر على يد الأنبياء - عليهم السلام - من آيات خارقة للعادة هو مجرد ( سعي )، فالنبي يسعى والله يصنع الآية الخارقة للعادة، والملاحظ أن الله يطلب في حالات كثيرة سعيا من النبي : مثل ضرب البحر بالعصا، وتشكيل طيور من الطين، وتقطيع الطيور ووضع أجزاء منها على كل جبل، مع أن :
*ضرب البحر بالعصا لا يشق بحرا.
*وتشكل طير من الطين لا يخلق طيرا.
*وتقطيع الطيور ووضع أجزاء منها على كل جبل لا يحيي طيورا.
وإنما طلب الله سعيا، والفعل فعل الله الخالق، ولا يقدر عليه المخلوق.
ونحن نؤمن أن الله عليم حكيم : فلو أن أحدا سعى بنفس سعي الأنبياء - عليهم السلام - فلا يكون منه ما حصل مع الانبياء من آيات معجزة، والله العليم أعلم.
وضرب القتيل بشيء من جسم البقرة من جملة هذا السعي.
ومع ذلك نقول : قد يكون من الله آيات خارقة بلا سعي من نبي مثل الطير الأبابيل، والله بكل شيء عليم.
ثانيا : قول بشير الدين في قصة البقرة : " كما لانجد مؤيداً لها في التوراة ".
والجواب عليه : هذا الإستدلال عجيب برفض قصة البقرة بحجة أن لا مؤيد لها في التوراة ! مع أن التوراة وكذلك أناجيل النصارى تثبت المعجزات الخارقة للعادة للأنبياء - عليهم السلام - ومن ذلك إحياء إليشع للموتى ! وهذا الجواب عجيب أيضا إذ أن "الكتاب والسنة" فيهما أمور غير مذكورة عند "أهل الكتاب" مثل تكلم عيسى في المهد ! وهذا القول : " لا نجد لها مؤيدا في التوراة ". لا يحتج به على ثبوت شيء في الكتاب والسنة، وما ثبت عندنا كمسلمين فلسنا بحاجة لإثباته للمسلمين من كتب أهل الكتاب ! وإنما هذا قد يكون عند إلزام أهل الكتاب، وهذا يبين لك أن القاديانية تتعامل مع الكتاب والسنة كما تتعامل مع الكتاب المقدس وإنما يحكمها الهوى والانتقائية.
ثالثا : التفاسير التي يأتي بها ابن القادياني ( الخليفة الثاني بشير الدين محمود ) هي تفاسير لا يقول بها المفسرون المسلمون، بل وتخالف كثيرا تفسيرات القادياني، فإن قيل إنه يوحى إليه وغير الأنبياء يتلقون وحيا !
فالجواب : ما يوحى إليه هو وحي شيطاني لا شك في ذلك، كما كان يقول القادياني في حق من يزعمون أنهم يتلقون وحيا.
وإن المسلم ليتعجب من إنكار القاديانية للمعجزات عموما، ومن إنكارها معجزة إحياء الموتى خصوصا، ونبي القاديانية يحدثنا عن طريقة لإحياء الذباب والحشرات :
" فمثلا من خواص الذبابة وبعض الحشرات الأخرى أنها إذا ماتت ولم تفترق أعضائها كثيرا، بل كانت على هيئتها الأصلية ووضعها السابق، ولم تتعرض للعفونة، بل كانت ما زالت حديثة الموت إذا لم يمض على الموت أكثر من ساعتين أو ثلاث ساعات، كحال الذبابة الميتة في الماء على سبيل المثال، فإنها تطير حية لو وريت تحت ملح مسحوق ووضع عليها رماد أيضا بالقدر نفسه ". (البراهين الأحمدية ١٦٧).
ويبدو أن القادياني له عقيدة، أو رأي، أو شيء سمعه، فكرر ذلك كما في (حمامة البشرى ١٠٥) : " وكذلك الإماتة التي كانت لساعة أو ساعتين ثم أُحْيِيَ الميت، فليست إماتة حقيقية بل آية من آيات الله تعالى، ولا يعلم حقيقته إلا هو ".
وقال القادياني : " إن عودة الأموات حديثي الوفاة إلى الحياة لبضع دقائق أو سويعات نتيجة عملية التركيز ليس مما يخالف سنن الكون. فما دمنا نرى بأم أعيننا أن بعض الحيوانات تعود إلى الحياة بعد الممات باستخدام دواء فلماذا يستصعب ذلك في حالة الإنسان ويُعد بعيدا عن القياس ؟ ". (أسئلة ثلاثة لمسيحي والرد عليها ٤٢٢).
كتبه : أبو عبيدة العجاوي