لماذا خلق الله إبليس والشياطين وهم شر؟

لماذا خلق الله إبليس والشياطين وهم شر؟

لماذا خلق الله إبليس والشياطين وهم شر؟

أبوعبيدة العجاوي

أولا: إن الله متصف بالعلم والحكمة وإن لم يدرك بعضها وهو منزه عن العبث:

﴿قَالُوا۟ سُبۡحَـٰنَكَ لَا عِلۡمَ لَنَاۤ إِلَّا مَا عَلَّمۡتَنَاۤۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَلِیمُ ٱلۡحَكِیمُ﴾ [البقرة ٣٢]

﴿وَیُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِۚ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمٌ﴾ [النور ١٨]

﴿أَفَحَسِبۡتُمۡ أَنَّمَا خَلَقۡنَـٰكُمۡ عَبَثࣰا وَأَنَّكُمۡ إِلَیۡنَا لَا تُرۡجَعُونَ﴾ [المؤمنون ١١٥]

ثانيا: مخلوقات الخير كـ جبريل عليه السلام والأنبياء عليهم السلام، هم مخلوقات خلقهم الله، وإنما نالوا المكانة لأن الله جعل لهم المكانة، ومن يجعل الناس لهم مكانة، ربما هم عند الله:

عَنْ  أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، اقْرَءُوا :  { فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا }  ". [صحيح مسلم]

والمؤمنون لما علموا ما صار إليه إبليس، لم ينظروا إلى سعيهم وعملهم، بل رجوا فضل الله ورحمته وخافوا على أنفسهم، -نسأل الله دوام الأفضال والنعم والرحمات- وأصبح حالهم:

" اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ ". [صحيح مسلم]

" يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ ". [مسند الإمام أحمد]

ثالثا: الإنسان أو الشيطان ليس شيئا وإن ظن أنه شيء عظيم جهلا أو استكبارا بل الدنيا كلها:

عَنْ  سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ  قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ". [سنن الترمذي]

رابعا: إن الله ذو الجلال والكمال خلق الخير وخلق الشر والعياذ بالله: 

﴿قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ ۝١ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ ۝٢﴾ [الفلق ١-٢]

"أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ". [صحيح مسلم]

بل الشيء نفسه فيه خير وفيه شر:

-الزوج والولد فيه خير وفيه شر.

-المال كذلك.

-الماء.

-الشمس.

-التراب.

-النار.

-الليل.

-الكهرباء.

وغير ذلك.

وأنت نفسك فيك خير وفيك شر.

هذا حال هذه الدنيا، حقيرة، فتنة، ابتلاء، فانية، وهي ليست الجنة الموعودة، ولقد سبح بعض البشر في عالم المثاليات يريدون إقامة الجنة على هذه الدنيا فعجزوا، فهي ليست مكانا لتقام عليها الجنة.

بل حتى في دولة العدل يقع الشر، أليس هذا وذاك يقع منهم كذا وكذا فيقام عليهما الحد.

والعياذ بالله رب العالمين.

وسأضرب لك مثالا على حكمة الله وفضله ورحمته، لا شك أن الألم ظاهره شر، لكن تخيل إن لم تكن تشعر بالألم وامسكت السيف وبدأت تقطع من نفسك دون ألم ودون موت.

والألم قد يكون خيرا، لأنك إذا شعرت بالألم، فالجسم يرسل لك رسالة أن هناك شيء ما، فتذهب للطبيب، وصدق الله العظيم ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام: "كَمَثَلِ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا،  تَدَاعَى  لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى". [صحيح البخاري]

فما سبق يجعل عندك الحذر والأخذ بالأسباب. كما أن ما ظاهره شر قد يكون سببا لعودة العبد لله واللجوء إليه. والعياذ بالله العفو المعافي، اللهم عافنا واعف عنا وتب علينا يا كريم يا رحيم اللهم آمين.

ومن يرى شر ما خلق الله، أو ما فيه شر، كالنار، والبحر وأمواجه ومخلوقاته، والوحوش والسباع، والجن والشياطين، والله خالق كل شيء، يزداد خشية لله ويلجأ لله كذلك:

عَنْ  أَبِي هُرَيْرَةَ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْئَسْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ ". [صحيح البخاري]

نسأل الله المعافاة و العافيات.

لكن ينبغي على الإنسان التأدب في ذكر ذلك، وذكر ذلك بما يليق بجلال الله وعظمته وسلطانه. انظر لنفسك كيف تتأدب مع والديك عاقباك وأنت طفل مع حبك لهم وحبهم لك وفضلهم عليك، نسأل الله محبته ورضاه وخشيته وتقواه.

خامسا: إن في خلق الله لبعض الشر أو أهل الشر، معرفة الخير، فمثلا من اهتدى أو تاب إلى الله وعاد من الجن والإنس، عرف الخير لأنه عرف الشر.

وفي هذا المعنى يقول جعفر بن أبي طالب مخاطبا النجاشي ملك الحبشة: 

"أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ : نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا، نَعْرِفُ نَسَبَهُ، وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ، وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ ؛ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ، وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَالدِّمَاءِ، وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ، وَقَوْلِ الزُّورِ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ، لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ". [مسند الإمام أحمد]

سادسا: في خلق الله أهل الشر، أو من يقعون في الشر، ظهور رحمة الله وحلمه، والله الرحمن الرحيم:

﴿وَلَوۡ یُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلۡمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَیۡهَا مِن دَاۤبَّةࣲ وَلَـٰكِن یُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۖ فَإِذَا جَاۤءَ أَجَلُهُمۡ لَا یَسۡتَـٔۡخِرُونَ سَاعَةࣰ وَلَا یَسۡتَقۡدِمُونَ﴾ [النحل ٦١]

﴿وَلَوۡ یُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُوا۟ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَاۤبَّةࣲ وَلَـٰكِن یُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۖ فَإِذَا جَاۤءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِیرَۢا﴾ [فاطر ٤٥]

ثامنا: الله العليم الحكيم خلق خلقه وجعلهم محتاجين ومفتقرين، وهو الواحد الأحد الوتر الصمد الغني بذاته لا حاجة له لأحد:

﴿۞ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَاۤءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِیُّ ٱلۡحَمِیدُ﴾ [فاطر ١٥]

والله عز وجل يحب من عباده سؤاله واللجوء إليه وإظهار الإفتقار له والتذلل له:

عَنْ  أَبِي هُرَيْرَةَ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟ ". [صحيح البخاري]

والإنسان بمفطرته عند الشعور بالحاجة لشيء ما، يبدأ يتنمنى من الله قضاء حاجته، وعند والخوف -من إنسان أو جان أو حيوان وغير ذلك- يبدأ يلجأ لله بقلبه أو بلسانه، هو مفطور على ذلك.

والله عز وجل القريب المجيب هو الكريم الأكرم أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين وأجود الأجودين لا يرد عبده المؤمن صفرا:

عَنْ  أَبِي سَعِيدٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ، لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا ". قَالُوا : إِذَنْ نُكْثِرَ. قَالَ : " اللَّهُ أَكْثَرُ ". [مسن الإمام أحمد]

فنسأل الله الملك الكريم المعطي الوهاب الأعطيات إنه كريم العطاء… اللهم آمين، ربنا ولك الحمد.

هذه مجرد أمثلة ثم الله العليم الحكيم أعلم.

وأقول -أخي المسلم- : المسألة ليست أننا والقاديانية في تحدي أو سباق أو معركة من يثبت الجن المخلوق المكلف والشياطين، أو الجن والشيطان حسب هراء القاديانية، بل إن الأمر دين.

إن الجن والشيطان في الكتاب والسنة مذكور كثيرا جدا، لا مجال لانكاره، فأصبحت المسألة مسألة إيمان واعتقاد، والإيمان والاعتقد قد يكون بشيء حسن وجميل وممدوح ومحبوب، أو شيء سيء أو شر أو قبيح.

فالإيمان: بالجنة، وعرش الرحمن، وجبريل والملائكة عليهم السلام، والأنبياء عليهم السلام، والحور العين، وما أعده الله لعباده المؤمنين، شيء جميل حسن ممدوح سليم حق.

والإيمان: بجهنم، وعذاب القبر، والشيطان، والمسيح الدجال، ويأجوج ومأجوج، والعين والحسد، والعياذ بالله الحفيظ العفو المعافي ما سبق لا شك أنه سيء وشر وقبيح، لكنه حق مقدر.

والله سبحانه "ملك" هو الملك الحق، حق وحقيقة، كتب وقضى وقدر ولا يكون في ملكه إلا ما أراد.

الله خلق السموات السبع والأرض ثم استوى على عرش العظمة وجعل مخلوقاته في السماوات والأرض على اختلافها وتنوعها، ثم أخبرنا بشأنه وشأن ما خلق وأفعاله وتصرفه في ملكه وسلطانه وما قدر فيه وما شرع، ثم جعل ما أخبر مما سبق دينا يؤمن به العبد المؤمن خيره وشره، حسنه وقبيحه، والمرغوب والمطلوب، والمستعاذ منه والمتجنب، فظن بالله خيرا والله خير مما نظن، هو أهل الخير والخيرات والمنن والنعم والإحسانات، والله متفصل على خلقه جميعا بكل شيء، وكثير من الناس كافرون.

ثم الجنة غير هذه الدنيا، أسأل الله لنا ولك الجنة والفردوس الأعلى، اللهم آمين.

هذه الدنيا حالها حال المسافر الحذر والعياذ بالله المجير المغيث الكريم العظيم.

وإن هذا الكون بكل ما فيه يدل على القدرة والعلم والإتقان والحكمة والعظمة وإننا نتحدث عن عظيم وما لله العظيم عظيم، إلا ما خلا الله باطل.

نعوذ بالله من الكفر والشرك والضلال.

وسبحان الله ذو الجلال والإكرام، أعاذنا الله وإياكم، والحمد لله رب العالمين.


✹✹✹✹✹✹