قصة الخضر عند الميرزا غلام أحمد

قصة الخضر عند الميرزا غلام أحمد

قصة الخضر عند الميرزا غلام أحمد

(ملحوظة توضيحية: الأحمديون يفسرون قصة الخضر الواردة في سورة الكهف أنها رؤيا وليست حقيقية. لكن الميرزا غلام أحمد يرى أنها حقيقية. ويعيب الأحمديون على المفسرين قولهم أنها حقيقية، ويرون في ذلك مطاعن كثيرة ذكر منها خليفتهم الثاني 11 مطعنا).

أخيرا عثر الأحمديون على نصّ للميرزا صاحب ظنوا أنه يتحدث عن أن القصة الواردة في سورة الكهف كشف، كما هو معروف في الجماعة الأحمدية، لا على الحقيقة.

وهذا هو النص:

أليس الإله القدير الذي خلق عيسى  قادرا على أن يخلق إنسانا مثله أو أفضل منه؟... لا يسع أحدا أن يدرك كنه أفعال الله تعالى. لقد كان موسى  نبيا عظيما في بني إسرائيل أعطاه الله التوراة، ولما بارزه بلعام باعور ألقِي -بسب عظمة موسى- تحت الثرى وشبّهه الله بالكلب. ثم هو موسى نفسه الذي تعرض للندم أمام علوم روحانية لرجل أميٍّ، وما أدرك تلك الأسرار الغيبية؛ فيقول الله تعالى: فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا، (حقيقة الوحي، 1907)

فقالوا: من هو الرجل الأمي غير الرسول صلى الله عليه وسلم؟

قلتُ: الرجل الأمي هو الخضر هنا، لأنه تعلم من الله مباشرةً علوما روحانية، ولم يدرس في مدرسة.

أما أقوال الميرزا غلام أحمد الواضحة في أن قصة الخضر على الحقيقة وأنه قتل الغلام حقيقة وخرق السفينة حقيقةً وبنى الجدار حقيقةً، فهي أكثر من ثلاثين نصا، وأكتفي بإيراد بعض هذه النصوص مع سياقاتها:

1: سياق الاستدلال على عدم التسرع باتهام أولياء الله مهما فعلوا:

يُروى عن بايزيد البسطامي رحمه الله أنه اجتمع حوله ذات مرة أناس كثيرون يضيعون وقته وكان الشهر رمضان فبدأ يأكل الطعام أمام الجميع فافرنقع الناس من حوله مكفّرين إياه. العوام لم يعرفوا أنه مسافر والصوم ليس واجبا عليه، ففرّ الناس من حوله نفورا وسنحت له الفرصة لعبادة الله في العزلة. هذه أسرار ونظیرها الأعلى مذكور في القرآن نفسه حين خرق الخضر  سفينة وقتل غلاما، حين لم يكن ممكنا أن تسمح بهذين الأمرين شريعة ظاهرية. يجب الاستفادة من هذه القصة. لقد وُجدث أسرار مثل الأسرار الخضرية في هذه الأمة دائما. كان نبينا الأكرم  جامع الكمالات كلها، وتلك الكمالات موجودة في أمته ظليا. ما فعله الخضر  يفعله أيضا أصحاب الكمال في المستقبل. المعازف ليست شيئا مقابل قتلِ الخضر نفسا زكية. لذا يجب ألا يتسرع الإنسان لأن التسرع يهلكه، بل يجب أن يرى العلامات الأخرى التي تلاحَظ في أولياء الرحمن. إن أمرهم يكون حساسا جدا ولا بد من الحذر المتزايد فيه، والذي يعترض يهلك. من الغريب حقا أن الذين يطيلون اللسان يكونون قذرين بأنفسهم وقلوبهم تكون قذرة ثم يعترضون على الصلحاء. (بدر مجلد1، رقم 36، صفحة 6-7، عدد:17/11/1905م)

مثال آخر على نفس السياق:

واعلمْ أن لأولياء الله بعضَ أفعال لا تدركها العقول، ولا يعترض عليها إلا الجهول. أنسيت قصّة رفيق موسى وهي أكبر من قصّتي كما لا يَخْفَى؟ إنّه قتل نفسًا زكيّةً بغير نفس، ومُنِع فما انتهى، وخرَق السفينة وظُنّ أنه يُغرق أهلها وجاء شيئا إِمْرا. (مواهب الرحمن)

2: سياق يقينية الإلهام:

إن "الخضر" الذي لم يكن نبيا قد أُعطِي من لدنه سبحانه علما، هل كان إلهامه أيضا ظنيا لا يقينيا؟ فلماذا إذن قتل غلاما بغير وجه حق؟... فإذا كان أحد ينكر بسبب عمَهِهِ الوحي النازل عليّ - وكان مُسْلِما وليس ملحدا خفيةً - فيجب أن يكون جزءا من إيمانه أن المكالمة والمخاطبة الإلهية ممكنة على وجه القطع واليقين. (نزول المسيح، عام 1902)

3: سياق أن الولي قد يكون أعلى مقاما من النبيّ في زمنه:

"فكما ظهر مقابل سيدنا موسى عليه السلام شخص قال الله عنه {علّمْناه من لدنا علمًا} فكيف يمكننا القول بأن عيسى عليه السلام كان أفضل المقربين في زمنه مطلقا وهو الذي كان أقل شأنا من موسى عليه السلام وكان تابعًا للشريعة الموسوية ولم يأت بشريعة كاملة؟" (دافع البلاء، عام 1902).

4: سياق أنّ إلهام الأولياء حجّة وليس إلهام الأنبياء فقط:

"كافة المحدثين والصوفيين الذين تصبّغوا بصبغة المعرفة الكاملة والتفقه التام، يعتقدون بقناعة تامةٍ بحُجيّة الإلهام والكشف.......... إن الذي خرق السفينة وقتل الولَد البريء - كما ورد في القرآن الكريم - كان ملهَما فقط، ولم يكن نبيا". (إزالة الأوهام، عام 1891)

5: سياق نبوءة تعرُّضِ أولياء الله الكمّل للاعتراضات:

"القصة المذكورة في القرآن الكريم عن "آدم" صفي الله، أن الملائكة اعترضوا عليه وقالوا لله تعالى: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ تضم في طياتها نبوءة أن الكُمَّل سوف يتعرضون للطعن دائما. ولهذا السبب أورد الله تعالى قصة " الخَضِر " أيضا في القرآن الكريم ليعلَمَ الناسُ أن شخصا يقتل غيره بغير وجه حق ويتلف أموال اليتامى قصدا، ومع ذلك يُعدُّ من الصالحين والأصفياء عند الله". (ترياق القلوب، عام 1899)

6: سياق مراعاة الله تعالى لأولاد الصالحين:

"لقد أمر الله تعالى موسى والخضر أن يبنيا جدارا لليتيمين، لأنّ أباهما كان صالحا. لقد قدّر الله تعالى صلاح هذا الرجل لدرجة أن جعل الأنبياء أجراء عند أولاده". (الملفوظات3، 262). "لقد جعل الله تعالى الخضر ونبيا من أولي العزم من الرسل أجراء لولدين بسبب صلاح أبيهما" (الملفوظات 3، ص337)

7: سياق عدم إدراك الناس كُنْهَ أفعال الله

لا يسع أحدا أن يدرك كنْهَ أفعال الله تعالى. لقد كان موسى عليه السلام نبيا عظيما في بني إسرائيل أعطاه الله التوراة، ولما بارزه بلعام باعور ألقِي - بسب عظمة موسى - تحت الثرى وشبّهه الله بالكلب. ثم هو موسى نفسه الذي تعرض للندم أمام علوم روحانية لرجل أميٍّ، وما أدرك تلك الأسرار الغيبية؛ فيقول الله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} . (حقيقة الوحي، ص153، الحاشية)

8: سياق أن النبي لا بد أن يكون بين قومه لا بعيدا عنهم.

والمعلوم أن "الخضر" لم يكن رسولا وإلا لكان بين ظهرانَيْ أمته وليس في الفلوات أو شواطئ البحار، ولم يذكره الله تعالى أيضا كنبي أو رسول. (البراهين الأحمدية، الجزء الثالث، ص264-266، الحاشية في الحاشية رقم1)

9: سياق إمكانية أن يقوم الوليّ بأعمال تبدو مخالفة للشريعة

"فبناء على ذلك العلم القطعي واليقيني قام الخضر أمام موسى بأعمال كانت تبدو خلاف الشريعة في الظاهر. فقد خرق السفينة، وقتل الغلام، وتحمل عناء عمل غير ضروري دون أجر.... والمعلوم أنه لو لم يكن ما عند الخضر إلا الظنيات، لما جاز له أن يقوم بالأعمال المنكَرة والمعارضة للشرع صراحةً اعتمادًا على مجرد الظن، بل لكانت من الكبائر باتفاق جميع الأنبياء. ولو كان الأمر كذلك لكان مجيء موسى عليه السلام إليه أيضا أمرا عبثيا بحتا. فما دام ثابتا ومتحققا تماما أن الله تعالى قد أعطى الخضر علما يقينيا من لدنه، فأنّى لأحد أن يعدّ نفسه مسلما ومؤمنا بالقرآن الكريم ثم ينكر وجود أحد في الأمة المحمدية مثل الخضر في الكمالات الباطنية؟ لا شك أن هذا ممكن، بل الله الحي القيوم قادر على أن يهب الخواص من الأمة المحمدية نِعما باطنية أفضل وأعلى منه أيضا. أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. (البراهين الأحمدية، الجزء الثالث، ص264-266، الحاشية في الحاشية رقم1)

10: سياق تفسير الآيات:

المراد من ذلك أن موسى  كان يخطب ذات مرة فسأله أحد هل هناك مَن هو أعلم منك؟ فقال: لا أعلم. فلم يعجب الله كلامه. (أي كان عليه أن يقول: هناك كثير من عباد الله هم أعلم مني) فأُمر أن يذهب إلى جهة معينة حيث سيحيا حوتُك، وهناك سيقابلك شخص هو أعلم منك. فلما ذهب إلى هناك نسي حوته في مكان. وعندما عادا بحثا عنه فلم يجده هنالك. فمكث هنالك ووجد عبدا من عباد الله. فقال له موسى: هل لي أن أصاحبك لتعلِّمني مما عُلِّمتَ رُشدا؟ قال ذلك العبد الصالح أسمح لك بذلك ولكنك لن تقدر على اجتناب سوء الظن، لأنه يتعذر على المرء الصبرُ على ما لا يعلم حقيقته لأنه عندما يرى غيره يعمل عملا في غير محله يسيء به الظن في معظم الحالات. فقال موسى: لن أسيء الظن وسأرافقك. فقال: فلا تسألني عن شيء، فانطلقا وركبا السفينة. (البدر، مجلد2، رقم29، عدد 7/8/1903م، ص1)

11: سياق نقض أن يكون الوحي مجرد إلقاء في القلب لا يُدرى مدى يقينيته

الأسف كل الأسف أن بعض الجهلاء لم يدركوا حقيقة علاقة العبد مع ربه التي تؤدي إلى تولّد الصفات الإلهية في العبد بصورة ظلية فاعترضوا على الوحي التالي الذي تلقيته من الله تعالى: "إنما أمركَ إذا أردتَ شيئا أن تقول له كن فيكون". هذا كلام الله تعالى الذي نزل عليّ وليس من عند نفسي. ولقد صدّق هذا الأمر أكابر الصوفية في الإسلام كما قال السيد عبد القادر الجيلاني أيضا في كتابه "فتوح الغيب". واللافت في الموضوع أن عبد القادر الجيلاني قد ذكر الآية نفسها. ولكن من المؤسف أن الناس اكتفوا بالإيمان التقليدي، وطلب المعرفة الكاملة كفر عندهم، ويظنون أن الإيمان التقليدي يكفيهم مع أنه ليس بشيء يُذكَر. وينكرون أن يتشرّف أحد، بعد النبي ، بمكالمة الله ومخاطبته على وجه اليقين والقطعية. غير أنهم يعتقدون أن الإلقاء في القلب ممكن مع أنه لا يُدرَى هل يكون ذلك من الشيطان أو من الرحمن. ولا يدرون ماذا يفيد الإيمانَ إلقاءٌ من هذا القبيل، وأيّ تقدّم يحصل للإيمان؟ بل الحق أن الإلقاء من هذا القبيل مدعاة ابتلاءٍ كبير ويصحبه خوف المعصية أو ضياع الإيمان لأنه لو كان الوحي المشكوك فيه - الذي لا يُعرف عنه هل هو من الشيطان أو من الرحمن- يشمل أمرا مؤكدا بفعل شيء، ولكن متلقي الوحي لم يعمل به ظنا منه أن الأمر قد يكون من الشيطان ولكنه كان من الله تعالى في الحقيقة، لكان هذا الانحراف معصية. ولو عمل به وكان الأمر من الشيطان لضاع إيمانه. فالمحرومون من هذا النوع من الإلهامات الخطيرة التي يمكن أن يتدخل فيها الشيطان أيضا خير من الذين يتلقونها. ففي حالة هذا الاعتقاد لا يمكن للعقل أيضا أن يحكم لأنه من الممكن أن يكون هناك إلهام مثل إلهام أم موسى الذي كان العمل به يشكل خطرا على حياة الصبي، أو مثل إلهام الخضر  الذي أدّى إلى سفك دم نفس زكية بغير حق ظاهريا. ولأن الأمور من هذا القبيل تتعارض مع الشريعة ظاهريا فمن ذا الذي يعمل بها مخافة احتمال تدخّل الشيطان؟ وفي حالة عدم العمل بها سيرتكب المعصية. ومن الممكن أيضا أن يأمر الشيطان اللعين بأمر لا يبدو معارضا للشريعة ظاهريا ولكنه يكون في حقيقته مدعاة لفتنة ودمار شامل، أو تكون فيه أمور كامنة تؤدي إلى سلب الإيمان. فما الفائدة من هذا النوع من المكالمة والمخاطبة أصلا؟ (البراهين الأحمدية، ج5)

12: سياق النهي عن سوء الظن

لقد ندم موسى أيضا نتيجة سوء الظن، فاقرأوا في القرآن ما فعله الخضر. (البراهين الجزء الخامس 1906)

13: سياق كارثية الإلهامات المشكوك فيها

وهناك كارثة أخرى تتمثل في أن أحدا إذا تمسَّك بإلهام ما تحسُّبا منه بأنه من الله وكان في الحقيقة من الشيطان فقد هلك. كذلك إذا أهمل أحدٌ إلهاما ما تحسُّبًا منه بأنه من الشيطان وكان في الحقيقة من الله فقد وقع هو الآخر في هوة الهلاك. فما قيمة تلك الإلهامات؟ إن هي إلا آفة هائلة تؤدي إلى الموت. وإنّه لمن العار على الإسلام أن بني إسرائيل كانوا يتلقَّون إلهاما يقينيا بينما هذه الأمة المرحومة لم تحظَ بمرتبة نالتْها نساءُ بني إسرائيل! فلقد ألقت أمُّ موسى بموجبه رضيعَها البريء في اليمّ ولم يساورْها أي شك في الإلهام ولم تعدّه ظنًّا منها، وأقدم الخضر على قتل ولدٍ، إذن فما معنى آية صراط الذين أنعمت عليهم؟ أفهذه الإلهامات الظنية - التي يشترك فيها الرحمنُ والشيطان على سواء - تُسمَّى نعمةً؟ يا للخجل! (التجليات الإلهية 1906)

14: سياق الاستقامة تحتاج يقينا جازما

من الواضح تماما أنه لا تتسنى للمرء استقامة كاملة للقيام بعمل دون القرار الجازم، أي دون أن يكون قلبه مليئا باليقين أنه أمرٌ من الله في الحقيقة. ولا سيما أن تكون هناك بعض الأمور التي يعترض عليها الشرع في الظاهر كما كان للشرع اعتراض ظاهريا على أعمال "الخضر"، إذ لا تأمر شريعة من شرائع الأنبياء أن يُقتَل طفلٌ بريءٌ. فلو لم يكن "الخضر" موقنا بأنه وحي من الله تعالى لما قتله على الإطلاق. ولو لم تكن أم موسى موقنة بأن وحيها من الله تعالى حتما لما ألقت ولدها في اليَمّ قط. (البراهين الخامس)

15: سياق أن بعض الأولاد يكونون أنقياء الفطرة وبعضهم خبثاء

إن فلذة كبد النبي  إبراهيم الذي توفي في صغره أي في الشهر السادس عشر من عمره وثبت من الأحاديث الشريفة مدائح كثيرة عن نقاء استعداده وفطرته الصديقية، كما يظهر من القرآن الكريم حالة خبث جِبِلّة ذلك الغلام الذي قتله خضر في صغر سنه. (الإعلان الأخضر)

#هاني_طاهر 17 اكتوبر2016