رد شبهات القاديانية حول النسخ
رد شبهات القاديانية حول النسخ
كتبه: أبو عبيدة العجاوي
تحاول القاديانيّة الظهور بمظهر المدافع عن القرآن الكريم بإنكارها الناسخ والمنسوخ في القرآن؛ لتظهر المسلمين وأهل السنة والجماعة أنّهم يطعنون بالقرآن الكريم؛ لأنهم يعتقدون بالنسخ، واستغلّت اختلاف العلماء في عدد الآيات المنسوخة لتطعن في النسخ، وراحت تلقي الشبهات حول النسخ في القرآن؛ لتظهر أنّها تنزّه القرآن بينما نحن نطعن فيه!
فما معنى النسخ؟ وما هي أدلّته؟ وما هي الأمثلة عليه؟ وما هي شبهات القاديانيّة حوله؟
معنى النسخ في اصطلاح العلماء: هو رفع حكم شرعيّ بدليل شرعي متأخر.
أي أنّ الله يرفع الحكم الشرعيّ الذي تقرّره آية من كتاب الله ويلغيه، ثمّ يحل محلّه حكما شرعيّا آخر متأخرا عنه.
فالمنسوخ: هو الحكم الشرعيّ الأوّل.
والناسخ: هو الحكم الشرعيّ الثاني الذي ألغى الحكم الشرعيّ الأوّل.
أي أنّ الله نصّ في آية من القرآن على حكم شرعيّ معيّن، ثمّ جاءت آية أخرى متأخّرة نسخت العمل بالآية السابقة إلى حكم شرعيّ آخر.
إذا عدنا الى القرآن نفسه، نجده يتحدّث عن أنواع ثلاثة من النسخ، وسوف نذكرها مع الأمثلة:
النوع الأوّل: نسخ الشرائع السابقة بعضُها بعضاً.
قبل الإسلام كانت هناك شريعة موسى عليه السلام، وقد جاءت تشريعات التوراة بتشريعات عمل بها بنو إسرائيل، ثمّ أرسل الله عزّ وجلّ نبيّ الله عيسى عليه السلام ونسخ بعض الشرائع الموسويّة بدليل قوله تعالى:
{وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ۚ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}.١
فعيسى عليه السلام كان نبيّ من بني إسرائيل، وجاء مصدّقا لشريعة موسى، عليه السلام لكن جاء ببعض الشرائع الناسخة في الحلال والحرام لشريعة موسى، فقال: (ولأحلّ لكم بعض الذي حُرّم عليكم)، وهذا عين النسخ،إذ النسخ يكون في الأحكام، فتحليل حرام سابق بحلال لاحق هو عين النسخ.
النوع الثاني: نسخ شريعة الإسلام للشرائع السابقة.
قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً}.٢
فشريعة محمّد صلى الله عليه وسلم، نسخت شريعة موسى وعيسى عليهما السلام، وجاء الإسلام بتشريع جديد، وهذا هو النسخ.
النوع الثالث: نسخ بعض الشرائع الإسلامية بعضها بعضا.
وهذا الذي تنكره القاديانيّة...
فما هي أدلّة النسخ في القرآن؟
إنّ النسخ ثابت من القرآن وأقوال الصحابة:
قال تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْنُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّاللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.٣
وجه الاستدلال: الآية صريحة في النسخ، حيث تقرّر أنّ الله إذا نسخ آية ورفع حكمها، فإنّه يأتِ بآية أخرى، فيها حكم آخر هو خير من الحكم الأوّل أو مثله.
قال تعالى:{يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}.٤
وجه الاستدلال: أنّ الله يمحو ما يشاء من أحكام كتابه وينسخه، ويثبت ما يشاء من أحكام كتابه، فلا يمحوه ولا ينسخه.
قال تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةًمَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَاأَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.٥
وجه الاستدلال: أنّ الله إذا نسخ آية وبدّل حكمها بآية أخرى وبحكم آخر، قال الكفّار للرسول صلى الله عليه وسلم : أنت مفتر وكاذب ليس هذا حكم الله.
وهذه الآيات إن لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم تفسيرها، إلا أنّ الصحابة رضي الله عنهم فسروها، وبالطبع تفسيرهم إيّاها يأخذ حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذه الآيات فسّرها ابن عباس رضي الله عنهما:
عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: "{ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها}، وقال: {وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل}الآية، وقال: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب}، فأوّل ما نسخ من القرآن القبلة، وقال: {والمطلّقات يتربصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء ولا يحلّ لهنّ أنّ يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إلى قوله إن أرادوا إصلاحا}، وذلك بأنّ الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ ذلك، وقال: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}".٦
وقال أبو العلاء بن الشخير: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينسخ حديثُه بعضُه بعضاً كما ينسخ القرآن بعضُه بعضاً".٧
بعض أقوال الصحابة في النسخ:
مرّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بقاض فقال: "أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت".٨
مرّ ابن عباس رضي الله عنهما بقاض, فضربه برجله, وقال: "يا قاض, هل تعلم الناسخ من المنسوخ؟ قال: وما الناسخ من المنسوخ؟ قال: أوّلا تعرف؟ قال: لا, قال: هلكت وأهلكت".٩
قال حذيفة رضي الله عنه: "إنّما يفتي الناس أحد ثلاثة: رجل علم ناسخ القرآن من منسوخه".١٠
وعن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال : " نزلت آية المتعه ـ يعني متعة الحج ـفي كتاب الله وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج".١١
بعض الأمثلة على النسخ
عن ابن عمر رضي الله عنهما: {إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه}. قال:"نسختها الآية التي بعدها".١٢
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "{واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا}، وذكر الرجل بعد المرأة ثم جمعهما فقال: {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما}، فنسخ ذلك بآية الجلد فقال: {الزانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة} .١٣
شبهات القاديانيّة حول النسخ والردّ عليها:
نقول إنّ النسخ لم يثبت بدليل عقليّ، بل ثبت بدليل نقليّ، والقائلون بالنسخ استندوا على أدلّة من القرآن وأقوال الصحابة التي تأخذ حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنّها ليست أمرا اجتهاديّا منهم، بينما القاديانيّة التي أنكرت النسخ، ليس معها دليل نقليّ على إنكاره وإنمّا استندت في إنكاره على شبهات كعادتها، وإليك هذه الشبهات والإجابة عليها:
قالت القاديانيّة:إنّ العلماء يقولون أنّ النسخ هو إبطال لحكم سابق، فإذا دخل النسخ في القرآن بهذا المعنى، فقد أتاه الباطل وقد قال تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}.١٤
والجواب:
إنّ النسخ ثابت في القرآن الكريم، فهل يقال عن ما ثبت في القرآن الكريم أنّه باطل والعياذ بالله؟! ثمّ إنّ النسخ ثابت بأقوال الصحابة، فهل يقال عن الصحابة رضي الله عنهم،أنّهم أثبتوا الباطل على القرآن؟! ثمّ إنّ ما يقصده العلماء من النسخ، ليس الباطل الذي هو نقيض الحق، بل هو إبطال الحكم أي رفعه.
قالت القاديانيّة: إنّ قول الصحابة هذا ناسخ وهذا منسوخ، هو اجتهاد خاطئ منهم.
والجواب:
إنّ النسخ هو رفع حكم واستبداله بحكم آخر، ولا يمكن أن يكون هذا اجتهاد منهم، بل يأخذ حكم المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أضف إلى هذا،أنّه لم ينقل عن صحابيّ واحد إنكاره النسخ في القرآن، بل ورد عن كثير من الصحابة قولهم بالنسخ.
قالت القاديانيّة: إنّ الصحابة اختلفوا فيما بينهم على تعيين الآيات المنسوخة.
الجواب:
إنّ الحديث عن أصل المسألةـ وهو النسخ في القرآن ـ ومع أنّهم اختلفوا في نسخ بعض الآيات، إلا أنّهم متفقون على القول بالنسخ، ولم ينكر أحد منهم النسخ في القرآن.
قالت القاديانية: إنّه لا توجد آية مُجمَع على نسخها.
والجواب:
هذا القول غير صحيح، إذ هناك من الآيات ما أجمع على نسخها، ومن شاء فليعد إلى كتب التفسير وكتب الناسخ والمنسوخ، ليرى كيف ذكر الإجماع على نسخها، ومن ذلك:
عن عبّاد بن كثير، عن ليث قال: "قلت لمجاهد: أنّه بلغني أن ابن عباس قال: "لا يحل الأسارى لأن الله تبارك وتعالى قال: {فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها} قال مجاهد: لا يعبأ بهذا شيئا، أدركت أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم، كلّهم ينكر هذا، ويقول: هذه منسوخة، إنّما كانت في المدة التي كانت بين نبي الله صلى الله عليه وسلم والمشركين، فأمّا اليوم فلقول الله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} فإن كانوا من مشركي العرب لم يقبل منهم إلا الإسلام، وإن أبوا قتلوا فأما من سواهم، فإذا أسروا فالمسلمون فيهم بالخيار، إن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا استحيوا، وإن شاءوا فادوا إذا لم يتحولوا عن دينهم، فإن أظهروا الإسلام لم يفادوا". ١٥
قالت القاديانيّة: إنّ الاعتقاد بالنسخ يستلزم الاعتقاد بالبَداء.
الردّ عليها:
البَداء: هو بدوّ الشيء وظهوره بعد الخفاء ونشأة رأي جديد لم يكن موجودا من قبل، والبَداء يستلزم سبق الجهل. ونحن لا نقول إنّ الله بدا له أن يغيّر حكما لحدوث علم جديد عنده ـ تعالى الله ـ والله منزّه عن هذا.بل نقول: إنّ الله يعلم منذ الأزل أنّه سيشرّع حكما معيّنا لمدّة زمنيّة معينه، ويعلم منذ الأزل أنّه سينسخ هذا الحكم وعلمه أزلي سبحانه.
ثمّ إنّ القاديانيّة ـ شاءت أم أبت ـ تقول على الله البَداء؛ لأنّ الله عزّ وجلّ قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ}.١٦
والقاديانيّ كان يتكلّم بلغة غير لغة قومه، فهل بدا لله عزّ وجلّ أن يرسل نبيّا بغير لغة قومه في زمن القاديانيّ والعياذ بالله.
ثمّ إنّ القاديانيّ ثبت عنه القول بالبَداء عندما قال: "تلقيت إلهاما عن أحد افراد جماعتي الذين كانوا في الحديقة أنّه لم يكن في مشيئة الله قط أن يشفيه، ولكنه تعالى غير ارادته فضلا منه".١٧
فمن هو الذي يقول بالبَداء يا ترى؟!
ونختم بالقول أن القاديانية التي أنكرت النسخ في القرآن قالت بنسخ الجهاد عند نزول المسيح آخر الزمان كما سيأتي بيانه لاحقا، وهذا يدل على تهافت دعواها بإنكار النسخ في القرآن.
ـــــــــ
[1]آل عمران 50
[2]المائدة 48
[3]البقرة 106
[4]الرعد 39
[5]النحل 101
[6]النسائي رقم 3554
[7]مسلم رقم 344
[8]السنن الكبرى للبيهقي رقم 20360
[9]المدخل الى السنن الكبرى للبيهقي رقم 185
[10]الدارمي رقم 178
[11]مسلم رقم 1226
[12]البخاري رقم 4546
[13]أبو داود رقم 4413
[14]فصلت 42
[15]مصنف عبد الرزاق رقم9404
[16]إبراهيم 4
[17]حقيقة الوحي للغلام القادياني ص 342