دعُوا النصَّ يتحدّث مِن دون أن تَلووا عُنُقَه لتُقَوّلوه ما تريدون

دعُوا النصَّ يتحدّث مِن دون أن تَلووا عُنُقَه لتُقَوّلوه ما تريدون

دعُوا النصَّ يتحدّث مِن دون أن تَلووا عُنُقَه لتُقَوّلوه ما تريدون

معلوم أنّ الأحمديةَ لا تؤمن بالجنّ الذي في ذهن المسلمين، بل حيثما وردت كلمة "جنّ" في القرآن أو في الحديث حملوها على شيء مستتر؛ فمرةً يحملونها على المخابرات، ومرةً على البكتيريا، ومرةً على الأفعى، وغير ذلك. مع أنّ الميرزا كان يؤمن بالجنّ كما يؤمن به المسلمون من دون أيّ فرق. لكنّ جماعة الميرزا قد ابتعدت عن تراثه كثيرا، وركّز كلُّ مسؤول فيها على أقواله، بدلا من أقوال الميرزا، حتى إنّ خليفتهم الثاني طلب من سليم الجابي قبل نحو 70 عاما أن يترجم تفسيره، ولم يطالبه بترجمة كتب الميرزا. ولما لم يفعل، بدأت الأحمدية بترجمة هذا التفسير قبل نحو عشرين عاما مستغرقةً نحو عشر سنوات في ترجمتها السُّلَحْفائيّة.

ومعلوم أنه ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ عِفْرِيتًا مِن الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ رَبِّ (هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) فَرَدَّهُ خَاسِئًا. (البخاري)

فما هو هذا العفريت إنْ لم يكن لعالم الجنّ أيّ وجود؟

وكانت الأحمدية قد كتبتْ في جوابها على هذا السؤال في مطلع 2016 ما يلي:

"يبدو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد رأى حيوانا مخيفا تحت جُنح الليل حاول مهاجمته وهو يصلي، وربما هو كلب أو ذئب أو نحو ذلك، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قد تمكَّن منه وسيطر عليه، وأراد أن يربطه ليريه للناس في الصباح، ولكنه عَدَلَ عن ذلك وأطْلَقَه".

فعلقتُ على هذه الإجابة وقتها بما يلي:

"وهل مثل هذا الكلام يستحق أن يُروى؛ كلبٌ هاجَمَ رجلا فصدَّه وانتهى الأمر! ثم ما علاقة ذلك بسليمان عليه السلام ودعائه "رب هب لي ملكا"؟ ثم قال: لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ، فالمهاجم المتفلِّت عاقل يريد أن يقطع الصلاة أو يفسدها، ولا يقال مثل ذلك عن حيوان يهاجم ليأكل. ثم هل يليق بالرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول: حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ؟ هل النظر إلى كلب يستحق هذا الكلام؟ ثم مَن يسمي الكلبَ عفريتا؟ ثم هل يُعقل أن يخطر ببال الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرْبِطَ كلبا إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ وهو نجس يلوّث المسجد ببرازه وبوله وعرقه ولهاثه ونباحه؟".

وجاء في الجواب أيضا:

"أما ذكْر النبي صلى الله عليه وسلم لدعاء سليمان، فكان هذا من باب تذكُّر فضل الله تعالى عليه الذي أعطاه فضائل على الأنبياء جميعا وقدَّر له ملكا لن ينبغي لأحد من بعده إلى يوم القيامة".

فكتبتُ هذا التعليق:

"القضية هي: ما العلاقة بين عدم ربط العفريت وبين دعاء سليمان أن يكون له ملكٌ لا ينبغي لأحد من بعده، يعني لو لم يدعُ سليمان عليه السلام بهذا الدعاء لربط الرسول صلى الله عليه وسلم العفريت!! فما العلاقة هنا؟ ما السبب الذي منعه مِن ربط العفريت، هل تذكُّرُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم لفضل الله عليه وتفضيله على كل الأنبياء يمنعه من ربط العفريت؟!".

فلما رأَوْا أنّ هراءهم لا ينطلي على أحد، لم يكتبوا أيّ جواب.

هذا الإشكال ليس مقصورا على الأحمدية، بل أرى كثيرا من الناس يضعون الفكرة في بالهم قبل أن ينظروا في النصوص التي لا ينظرون إليها إلا لإخضاعها لهم، وهم الزاعمون أنهم هم الخاضعون لها.

#هاني_طاهر 9 يوليو 2020