دراسة عروضية لشعر الميرزا غلام أحمد القادياني البحر الطويل ح1( ج2)
دراسة عروضية لشعر
الميرزا غلام أحمد القادياني
البحر الطويل ح1( ج2)
ثالثا : دراسة عروضية لقصيدة الميرزا الواردة في كتاب حمامة البشرى.
نواصل دراسة أشعار الميرزا أو محاولاته الشعرية بتعبير أدق من البحر الطويل، كاشفين بعض أخطاءه وزلاته العديدة ، كنت أشرت في المقال السابق إلى خطأين فاحشين في شعر الرجل،ممثلاً لها بعدة أمثلة من قصائده، فرد بعض الأحمديين ممن لا معرفة لهم بعلم العروض بأن (المسيح الموعود عليه السلام ) أحيى أوزانا شعرية استخدمها الأقدمون وما عاد المعاصرون يستخدمونها!! ، فأتحداه وكلَّ الأحمديين أن يذكروا لي شاعرا واحدا جعل التفعيلة مفاعلتن في مكان مفاعيلن في البحر الطويل أو جعل عروضه فاعلن بدل مفاعلن أو عالما واحد من أهل اللغة العربية قال بجواز ذلك، ولن يستطيعوا الإتيان به ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، اليوم سنتطرق لقصيدة واردة في كتاب أحمد غلام المسمى: "حمامة البشرى" وهو كتاب ركيك المعاني مختل العبارات يقول الأحمديون أنه تحفة للناطقين بلغة الضاد، وقد تنبه ناشروه إلى بعض الأخطاء الواردة فيه فحاولوا أن يخدعوا القراء بأن قالوا في مقدمة الكتاب بأن فيه "كلمات وتعابير قد تبدوا لأول وهلة غريبة لقارئ العربية المعاصر" ، فسبحان الله كيف يعقل أن نجد نحن _ معاشر القراء المعاصرين الغرابة في لغة "عالم رباني فصيح" لم يمض على عصره إلا قرن واحد ولا نجد أية غرابة في لغة كبار العلماء من قرون خلت، فنحن نقرأ اليوم كتب الأئمة السابقين من أمثال الجويني والغزالي وابن تيمية وابن القيم، فنجدها تتدفق عذوبة وسلاسة وبيانا، ولا شيء فيها من غرابة أساليب الميرزا وعجمة تعابيره، فلو كانت هذه "الغرابة" سمةً مَيَّزَهُ بها اختلافُ الزمانِ لكان هؤلاءِ الَّذين ذكرنا أحق بها وأهلها، ثم مَثَّلوا لهذه التعابير الغريبة بإمكانية ترك ظاهر اللفظ وحمله على معناه ، وأتوا بأخطاء بينةٍ من كلام الميرزا زعموا أنها تدخل في هذا الباب، وهيهات أن تدخل ولو دخل الجمل في سم الخياط، ولست أدري أهذا من مكرهم ودهائهم أم أن عقولهم قاصرة عن إدراك قواعد اللغة وأسرارها،
وتكْمُن أهمية القصيدة الواردة في هذا الكتاب في كونها موجهة_ حسب زعم الميرزا_ إلى أهل مكة وصلحاء أم القرى، فمن الطبيعي إذن أن يخاطبهم بالمألوف من لغتهم، وينظم شعره حسب المتعارف عليه والمعتاد من قواعد نظمهم، دون أن يجتهد في اختراع أوزان جديدة وقواعد نظم لا عهد لهم بمثلها، فربما لجأ الأحمديون إلى القول بأن مسيحهم جدد وطور قواعد النظم، وفي هذا ما يزعزع دعوى التجديد، وستهدمها أبياتٌ هشم الميرزا تفعيلاتها فما عاد يُعْرَفُ وجهها من قفاها، سيأتي ذكر بعضها فيما يلي، يقول الميرزا في مطلع قصيدته
دموعي تفيض بذكرِ فتن أنظُرُ وإني أرى فتنًا كقطرٍ يمطُرُ
فَعُوْلُن مَفَاعَلَتُنْ فَعُوْلُنْ فَاعِلُنْ فَعُوْلُن مَفَاعَلَتُنْ فَعُوْلُنْ فَاعِلُنْ
وكما ترى أخي القارئ فإن هذا البيت كارثة عروضية بامتياز، فالضرب والعروض مُختلتان، حيث جعل فاعلن في موضع مفاعلن، وأخطأ في التفعيلة الثانية في كل من الصدر والعجز، ويمكن التخفيف من التكسير الحاصل في الوزن بتسكين نون " فتن" في العجز، وقد افترضت أنها ساكنة في الصدر،وذلك لأني ألتمس ألف عذر ومبرر لصاحبنا قبل أن أحكم عليه بالخطأ ، فأحاول دائما أن أقنع نفسي بأن الضرورة الشعرية ألجأتهُ إلى تحريف لفظٍ أو مخالفة قاعدةٍ نحويةٍ أو ترك ما هو أولى، فأحْكُم دائما لصالحه كلما رأيت أن هنالك احتمالا ضئيلا للرضوخ لضرورة يستقيم الوزن بها، أما لو تتبعت كل هناته وهفواته البسيطة لسودت آلاف الصفحات، ولكني اقتصرت على ما كان واضحا وظاهرا لكل ذي عينبن.
ويعلم الجميع أن مطلع القصيدة الشعرية هو أهم أبياتها، بل اعتبره البعض مقياس جمالها وعذوبتها، فهو بداية اللقاء بين الشاعر والمتلقي، ولأجل هذا اتجهت إليه عناية الشعراء، ولكنّ صاحبنا شوّه مطلعَ قصيدته أيما تشويه، هذا من ناحية المبني، أما من ناحية المعنى فلا معنى ولا صورة ولا عذوبة ولا جمال، وانظر إلى التشبيه في الشطر الثاني " كقطر يمطر"، فإنه قصد شدة الفتن وكثرتها، وليس في تشبيهه بالقطر شيء يدل على ذلك، فيمكن أن يكون القطر مجرد رذاذ خفيف، وليس في الفعل "يمطر" كذلك أي دلالة، فالمطر أنواع ودرجات، ولو شبه بالهطْل وهو المطر الغزير أو الوابل وهو مطر شديد الوقع ضخم القطر ، لأمكن قبول تشبيهه، وإن كنت أرى تشبيه الفتن بالمطر أمر غير مستساغ أصلا، فالمطر رمز للخير والبركة لا للشر. وليس هذا مقام تتبع الضعف أو الاختلال الحاصل في المعاني والتشبيهات و"الصور الشعرية" للميرزا، فأغلب أبياته مختلة وضعيفة في هذا الجانب، ويدرك هذا كل ذي ذوق سليم، ولست أرى فائدة في تفصيل الحديث في هذا الباب إلا أني سأشير أحيانا إلى بعض هذه الاختلالات ومواطن الضعف بشكل سريع حتى لا أخرج عن موضوع هذه السلسلة، ولقد نبَّهتُ إلى اختلال معنى هذا البيت نظرا لما أسلفت قبل قليل من ضرورة الاهتمام بمطلع القصيدة، وإلا فهذا البيت مع كل عيوبه قد يكون أحسن معنىً من كثير من الأبيات الأخرى في هذه القصيدة الطويلة التي تضم 189 بيتا، ولنواصل قراءة "رائعة شاعرنا الملهم"، يقول في البيت الثالث منها:
وقد زُلزلت أرضُ الهدى زلزالها وقد كُدّرتْ عين التقى وتُكدَّرُ
فَعُوْلُن مَفَاعيلن فَعُوْلُنْ فَاعِلُنْ فَعُوْلُن مَفَاعيلن فَعُوْلُ مفَاعِلُنْ
أخطأ في العروض وقد أسلفنا أنها لا تكون إلا على صورة واحدة مفاعلن.
ويقول في البيت السابع:
على أجدُرِ الإسلام نزلت حوادثٌ وذاك بسيئات تُذاع وتُنشرُ
فَعُوْلُن مَفَاعيلن فَعِلَتُنْ مفَاعِلُنْ فَعُوْلُ مَفَاعيلن فَعُوْلُ مفَاعِلُنْ
كلمة " نزلت" وردت في القصيدة هكذا غير مشكولة، وأمامنا احتمالان، إما أن تكون "نَزَلَتْ" أو "نُزِّلَتْ"، وقد اخترت الاحتمال الأول لأنه يقلل من فداحة الخلل الواقع في الصدر، وفي العجز وردت كلمة سيئات بلا شكل، فأحسنت الظن بصاحبنا وافترضت أنَّ الضرورة الشعريةَ جعلته يقوم بتسكين حرف الياء "بِسيْئَاتٍ" ، ولو بقيت على أصلها لكان العجز أيضا مختلا.
ويقول في البيت التاسع:
ومن كل جهة كلُّ ذئب ونمرة يعيث بوثب والعقارب تأبُرُ
فَعُوْلُن فَعِلَتُنْ فَاعِلاتُنْ مفَاعِلُنْ فَعُوْلُ مَفَاعيلن فَعُوْلُ مفَاعِلُنْ
وكما هو مبين فإن التفعيلة الثانية والثالثة اختلتا بشكل كامل ، والسبب كلمة جِهَةٍ، وكان بإمكانه أن يقول بكل بساطة " ومن كل ركن" أو "ومن كل صوب" أو "ومن كل فج" اقتباسا من الآية القرآنية، ليستقيم وزن الشطر، ولكنه لم يكن موفقا في اختياره، وقد افترضت أنه قام بتسكين ميم "نَمِرَةٌ"( أنثى النمر) للضرورة، ولو بقيت على أصلها لاختل الوزن أكثر.
ويقول في البت الحادي عشر:
تراءت غواياتٌ كريح عاصفٍ وأرخى سدولَ الغيِّ ليلٌ مُكدِّرُ
فَعُوْلُن مَفَاعيلن فَعُوْلُنْ فَاعِلُنْ فَعُوْلُن مَفَاعيلن فَعُوْلُ مفَاعِلُنْ
الخلل كما هو مبين وقع في العروض( التفعيلة الأخيرة في الصدر)
ويقول في البيت الثاني عشر:
وللدين أطلالٌ أراها كلاهف ودمعي بذكر قصوره يتحدّرُ
فَعُوْلُن مَفَاعيلن فَعُوْلُنْ مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُن مُفَاعَلَتُن فَعُوْلُ مفَاعِلُنْ
الخلل في التفعيلة الثانية من العجز ، والتفعيلة الثالثة صحيحة مع ضرورة إشباع كسرة الهاء في كلمة قصوره.
وكرر نفس الخطأ في البيت الرابع عشر حيث قال:
وليلا كعين الظبي غابت نجومه وداءً لَشِدَّتُه عن الموت تُخبِرُ
فَعُوْلُن مَفَاعيلن فَعُوْلُنْ مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُن مُفَاعَلَتُن فَعُوْلُ مفَاعِلُنْ
وقال في البيت السابع عشر:
وقد ضيّعوا بالجهل لبنًا سائغا ولم يبق في الأقداح إلا ماضِرُ
فَعُوْلُن مَفَاعيلن فَعُوْلُنْ فَاعِلُنْ فَعُوْلُن مُفَاعَلَتُن فَعُوْلُ فَاعِلُنْ
فكما هو واضح فالعروض والضرب مختلتان معا، وكما اعتدنا دائما فقد أحسنا الظن بصديقنا الشاعر فأزلنا التكسير من حشو الشطر الأول بافتراض أنه سكَّن الباء في كلمة "لبن" ، وإلا لزاد البيت تكسيرا واختلالا.
زيادة على على الخلل في التفعيلتين، فأن هذا البيت يتضمن عيبا من عيوب القافية يسمى سناد التأسيس، حيت أن التأسيس( وهو الألف التي بينها وبين الروي حرف صحيح) إذا ورد في بيت واحد وجب التزامه في جميع أبيات القصيدة، ولعل الميرزا لم يكن على علم بحروف القافية شأنه في ذلك شأن كل مبتدأ لا زال يسمي الروي( الحرف الأخير الذي تبنى عليه القصيدة) قافيةً، ويحسب أنه لا يجب سوى التزام هذا الحرف دون تحقق أية شروط في باقي حروف القافية. وهذا العيب ( سناد التأسيس) من العيوب التي تغتفر لمثل صاحبنا وإنما أشرنا إليه زيادة في الفائدة.
وقال في البيت التاسع عشر:
تصيدُهم الدنيا بعظمة مكرها فيا عجبًا منها ومما تمكُرُ
فَعُوْلُ مَفَاعيلن فَعُوْلُ مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُ مُفَاعِيلُنْ فَعُوْلُنْ فَاعِلُنْ
وقع التكسير في الضرب، وقد وردت كلمة "تمكُرُ" آخر البيت في "حمامة البشرى" هكذا مضمومة الكاف والراء، فلا يمكن أن تتكون سوى من سبب خفيف ووتد مجموع، وإلا كنا التمسنا للمسكين مخرجا من ورطته.
ويقول في البيت الثامن عشر:
تريد لتُهلِك في التغافل أهلها وقد عقرتْ هممَ اللئام وتعقِرُ
فَعُوْلُ مَفَاعَلَتُنْ فَعُوْلُ مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُ مُفَاعَلَتُن فَعُوْلُ مَفَاعِلُنْ
وقع الخلل في التفعيلة الثانية في كل من الصدر والعجز، ولن أتحدث عن التفعيلة فعولن التي جاءت مقبوضة(حذف خامسها الساكن) دائما، فصاحبنا لم يبلغ في الشعر مقاما يسمح لنا بلومه على ترك الأَوْلى، وإنما يجب الاكتفاء بأوضح الأخطاء وأفدح الزلات.
يقول في البيت السادس والعشرين
ودقّتْ مكائدها فلم يُدْرَ سرُّها لما نسجتْها من فنون تكوِّرُ
فَعُوْلُن مَفَاعَلَتُن فَعُوْلُنمَفَاعِلُنْ فَعُوْلُ مُفَاعيلن فَعُوْلُنْمَفَاعِلُنْ
وكما هو واضح فالتكسير في الصدر، ولا حاجة إلى أن ننبه إلى اختلال المعنى وقلق العبارة ، فهو أمر بين.
ويقول في البيت الثامن والعشرين
وعين لها تصبي الورى فتّانة ولقتلِ أهل الفسق كَشْح مُخصَّرُ
فَعُوْلُن مُفَاعيلن فَعُوْلُنْ فَاعِلُنْ فَعِلُن مَفَاعِيلن فعولن مفاعلن
العروض مختلة والتفعيلة الأولى في الشطر الثاني مختلة، فكما ذكرنا سابقا فإن حشو الطويل لا يلحقه من الزحافات إلا الكف( حذف السابع الساكن) والقبض( حذف الخامس الساكن) والخرم( حذف أول التفعيلة فعولن)، ومنه يتبين أن فعولن يستحيل أن تصير فعلن، فكيف وقع الميرزا في هذا الخطأ ؟ وهو خطأ مستغرب بصراحة حتى من مثله، بل أكاد أجزم أنه على علم بأن الثالث الساكن لا يمكن أن يحذف فلو كان جاهلا لهذا لتكرر هذا الخطأ كما تكررت الأخطاء في التفعيلة مفاعلين، فكيف نرفع هذا الاشكال؟
الجواب بسيط وواضح فلقد التبس عليه الأمر فخلط_ كما يحدث للطلبة المبتدئين_ بين البحر الكامل( متفاعلن ست مرات) والبحر الطويل، والدليل هو أن العجز يستقيم وزن أول تفعيلتين منه على البحر الكامل، وبحذفنا للواو من أول البيت فإن الصدر بكامله سيستقيم وزنه بشكل تام على هذا البحر، ولا يتبقى إلا خلل وحيد في التفعيلة الأخيرة، وهو زيادة ساكن واحد ، وإليك تقطيع البيت حسب البحر الكامل:
عين لها تصبي الورى فتّانة ولقتلِ أهل الفسق كَشْح مُخصَّرُ
متْفاعلن متْفاعلن متْفاعلن مُتَفاعلن مُتْفاعلن ( /./ /.//.)
فانظر كيف استقام الصدر، بل وصار عذبا ومستساغا، والذي يزيد التأكيد على أن الميرزا التبس عليه الأمر فخلط بين البحرين كون شاعرنا استطاع أن يأتي بشعر لا بأس به على البحر الكامل تنذر فيه الأخطاء على خلاف قصائده من البحر الطويل والتي تعد الأخطاء فيها بالعشرات إن لم نقل بالمئات، وهذا يدل دليلا قاطع على أن الميرزا مجرد شاعر مبتدئ فكلما زادت صعوبة البحر زادت أخطاءه العروضية وزلاته، وكلما زاد عدد أبيات القصيدة زاد احتمال الخطأ، وقد افتتح كتابه " حمامة البشرى" ببتين من الوافر لم يرتكب فيهما أي عيب عروضي، فأن كان هنالك – على حد زعمه إلهام وتسديد رباني، فهل وفقه ربه وسدده في القليل من الشعر وفي السهل البسيط من الأوزان وعجز أن يسدده في كل ما كان كثيرا أو غير بسيط؟؟
كما أنك ستوقن تماما بصحة ما قلناه عند قراءتك للبيت 163 فسترى أن شاعرنا الملهم نظم الصدر من الطويل والعجز من الكامل!!!
ولنواصل قراءة قصيدته التي خاطب بها فصحاء العرب، يقول في البيت التاسع والعشرين:
عجبتُ لمنظرِ ذاتِ شيبٍ عجوزةٍ أنيقٍ لعين الناظرين وأزهَرُ
فَعُوْلُ مَفَاعَلَتُن فَعُوْلُنمَفَاعِلُنْ فَعُوْلُنْ مُفَاعيلن فَعُوْلُنْ مَفَاعِلُنْ
الخطأ في التفعيلة الثانية في صدر البيت، ونفس الخطأ يتكرر في عجز البيت الثاني والثلاثين حيث يقول:
وذلك فضلٌ من كريم ومحسن ويعطي المهيمن من يشاء ويحجُرُ
فَعُوْلُن مَفَاعِيلن فَعُوْلُن مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُن مُفَاعَلتُنْ فَعُوْلُ مَفَاعِلُنْ
وفي البيت الثالث والثلاثين يقول:
وقد ضاقت الدنيا على عشّاقها ويبغونها عشقًا وحبًّا فتُدْبِرُ
فَعُوْلُن مَفَاعيلن فَعُوْلُن فَاعِلُنْ فَعُوْلُن مُفَاعيلن فَعُوْلُنْ مَفَاعِلُنْ
العروض مختلة كما هو مبين، وهذا البيت دليل آخر على ما توصلنا إليه آنفا بخصوص الخلط الذي يحصل للميرزا بين البحرين الطويل والكامل، فبحذف الواو من أول البيت يستقيم وزن الصدر من الكامل بل ويغذو سلساعذبَ الإيقاع، فتأمل:
قد ضاقت الدنيا على عشّاقها
متْفاعلن متْفاعلن متْفاعلن
وفي البيت السادس والثلاثين يعيد ارتكاب عيبه المعتاد فيقول:
وقد مضغتْ أنيابُها كلّ طالبٍ وأنت أَثارتُهم فسوف تُكسَّرُ
فَعُوْلُ مَفَاعِيلن فَعُوْلُن مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُ مُفَاعَلتُنْ فَعُوْلُ مَفَاعِلُنْ
وفي البيت الخامس والأربعين يكرر نفس العيب مضيفا إليه زلة أعظم، وهي الخطأ في ترتيب التفعيلات حيث يقول:
فيا ربِّ أَصْلِحْ حالَ أُمّةَ سيدي وعندك هَيِّنٌ عندنا متعسِّرُ
فَعُوْلُ مَفَاعِيلن فَعُوْلُن مَفَاعِلُنْ مُفَاعَلتُنْ فَعُوْلُن فَعُوْلُ مَفَاعِلُنْ
فكما هو موضح فالميرزا أخطأ في ترتيب التفعيلتين فعولن ومفاعيلن في الشطر الثاني ثم اقترف خطأه المعتاد بوضع التفعيلة مفاعلتن موضع مفاعيلن ، فهل يقع في مثل هذا الخطأ من يؤيده وحي السماء؟ لو لم يكن في شعره عيب سوى هذا لكان دليلا كافيا لإسقاط أسطورة نبوته، فكيف يعقل أن يوجد من البشر من لازال يصدقه وآلاف الأدلة تشهد على أنه ليس من الصادقين؟
كما أن معنى عجز هذا البيت لا يستقيم إلا بتقدير محذوف، فمراده أن كل أمر متعسر علينا فهو هين عند الله سبحانه، فكيف عجز هذا "الرجل الملهم" عن الإتيان بعبارة شافية كافية تؤدي المعنى بلا نقص ولا بتر؟؟
وفي البيت السابع والأربعين يقول:
وقد نُشِرتْ ذرّاتُنا من مصائبٍ ومِتْنا فلا تذكُرْ ذُنوبًا تنظُرُ
فَعُوْلُ مَفَاعِيلن فَعُوْلُن مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُن مَفَاعِيلن فَعُوْلُن فَاعِلُنْ
والخطأ في الضرب( آخر تفعيلة في العجز)، ولعل سبب الخطأ ما ذكرنا سابقا من خلط بين البحرين الطويل والكامل، ويكرر نفس العيب مباشرة في البيت الموالي فيقول:
ولا تُخرِجَنْ سيفًا طويلا لقتلِنا وتُبْ وَاعْفُوَنْ يا ربِّ قوم صُغِّرُوا
فَعُوْلُ مَفَاعِيلن فَعُوْلُن مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُن مَفَاعِيلن فَعُوْلُن فَاعِلُنْ
وفي البيت التاسع والأربعين يجدد ويبدع في ابتكار العيوب العروضية فيقول:
وإنْ تُهلِكْنا يا ربَّنا بذنوبنا فنفنى بموت الخزي والخصمُ يَبطَرُ
فَعُوْلُن /./././. فَعُوْلُ مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُن مَفَاعِيلُنْ فَعُوْلُ مفَاعِلُنْ
كما يلاحظ القارئ الكريم، فقد واصل صاحبنا إجرامه في حق الضحية " مفاعيلن" ، ولكنه هذه المرة لم يجعلها مفاعلتن بل زادها حرفا ساكنا فصارت أربعة أسباب خفيفة متتالية.
وفي البيت الثالث والخمسين يقول:
يئِسنا من المخلوق وانقطع الرجا وجئناك يا مَن يعلَمَنْ ما يُضمَرُ
فَعُوْلُ مَفَاعِيلن فَعُوْلُن مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُن مَفَاعِيلن فَعُوْلُن فَاعِلُنْ
ونرى هنا خطأه المألوف في الضرب،
وفي البيت الخامس والخمسين يقول:
تَصدَّقْ بألطاف كما أنت أهلُها وأَدْرِكْ عبادًا لك كما أنت أقدَرُ
فَعُوْلُ مَفَاعِيلن فَعُوْلُن مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُن//././/فَعُوْلُن فَاعِلُنْ
وكما هو مبين فإن الوزن لن يستقيم إلا بتسكين كاف المخاطب "لكْ" وهو أمر مستثقل جدا، بل أراه متعذرا فلا يجوز جعلها ساكنة في اللسان الفصيح إلا في نهاية الجمل، لأن العرب تقف على السكون، أما فيما سوى هذا فلا مجال لتسكينها.
ويقول في البيت الثامن والخمسين:
قد اندرستْ آثارُ دينِ محمدٍ فأشكو إليك وأنتَ تبني وتَعمُرُ
فَعُوْلُ مَفَاعِيلن فَعُوْلُ مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُن مُفَاعَلتُنْ فَعُوْلُ مَفَاعِلُنْ
وقد أخطأ مجددا في حق المسكينة " مفاعيلن"، وكرر الاعتداء عليها في البيت الستين قائلا:
وقد أزمعوا أن يزعجوا سبلَ الهدى وكم من أراذلَ من شقاهم تنَصَّرُوا
فَعُوْلُن مَفَاعِيلن فَعُوْلُ مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُن مُفَاعَلتُنْ فَعُوْلُن مَفَاعِلُنْ
وقبله( البيت التاسع والخمسون) أخطأ في العروض والضرب معا حيث قال:
أَرَى كُل يوم فتنة قَدْمُدَّدَتْ وَمِتْنَا وَأَمْوَاتُ الأعادي بُعْثِروا
فَعُوْلُن مَفَاعِيلن فَعُوْلُن فَاعِلُنْ فَعُوْلُن مَفَاعِيلن فَعُوْلُن فَاعِلُنْ
ويمكن أن أساعد صاحبنا في إصلاح وزن البيت فأجعله على هذه الشاكلة:
أَرَى كُلَّ يَوْمٍ فِتْنَةَ قَدْ تَمَدَّدَتْ وَمِتْنَا وَأَمْوَاتُ الأعادي تَبَعْثَروا
فَعُوْلُن مَفَاعِيلن فَعُوْلُن مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُن مَفَاعِيلن فَعُوْلُن مَفَاعِلُنْ
وسيستقيم الوزن بهذا التغير البسيط.
ويواصل صاحبنا أخطاءه العروضية حيث يقول في البيت الثالث والستين:
أيا ربّ مَن أعطيتَه كل درجةٍ وشأنًا برؤيته الورى تتحيرُ
فَعُوْلُن مَفَاعِيلن فَعُوْلُ مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُن مُفَاعَلتُنْ فَعُوْلُ مَفَاعِلُنْ
الصدر سلم من التكسير بتسكين الراء في كلمة "درْجة" للضرورة، أما العجز فلا ضرورة تنجيه من التكسير.
وقال في البيت الخامس والستين:
فلا تجعَلَنِّي مضغةً لمحاربي وأنتَ وحيدي كلّ خطأ تَغفِرُ
فَعُوْلُن مَفَاعِيلن فَعُوْلُ مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُن مَفَاعِيلن فَعُوْلُ فَاعِلُنْ
الضرب مختل، وحشو العجز أيضا لا يستقيم اعوجاجه إلا بتسكين حرف الطاء.
ويقول في البيت السادس والستين:
وأنت المهيمنُ مرجعُ الخَلق كلِّهم وأنتَ الحفيظ تعينني وتُعزِّرُ
فَعُوْلُن مُفَاعلتُن فَعُوْلُن مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُن مُفَاعَلَتُنْ فَعُوْلُ مفَاعِلُنْ
وقد أخطأ في حشو كل من الصدر والعجز. ويكرر نفس الخطأ في البيت الثامن والستين فلا يستقيم وزن أي شطر من شطريه، يقول:
وعُلِّمتُ منك حقائق الدين والهدى وتهدي بفضلك من ترى وتُنوِّرُ
فَعُوْلُن مُفَاعَلتُن فَعُوْلُن مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُن مُفَاعَلَتُنْ فَعُوْلُ مَفَاعِلُنْ
ويقول في البيت السبعين:
فسلَّمتُ بعد الاهتداء بفضله سلامَ الوداع على الذي يستنكِرُ
فَعُوْلُن مَفَاعِيلُنْ فَعُوْلُ مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُن مُفَاعَلَتُنْ فَعُوْلُ فَاعِلُنْ
وقد أخطأ مرتين كما هو مبين، الأولى في حشو العجز والثانية في الضرب.
وقال في البيت الحادي والسبعين:
وإن الهداية يرجِعَنْ نحو طالبٍ ومَن غضَّ عينيْ رؤيةٍ أين يُبصِرُ؟
فَعُوْلُن مُفَاعلتُن فَعُوْلُن مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُن مُفَاعَلَتُنْ فَعُوْلُ مَفَاعِلُنْ
وقد أخطأ خطأه المعتاد في التفعيلة الثانية، وكرره في البيت الثالث والسبعين قائلا:
73ومن كان أكبر همّه جلب لذّةٍ وحظٍّ من الدنيا فكيف يُطهَّرُ
فَعُوْلُن مُفَاعلتُن فَعُوْلُن مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُن مُفَاعَلَتُنْ فَعُوْلُ مَفَاعِلُنْ
وكذلك في عجز البيت الخامس والسبعين حيث قال:
وإن ضياء الدين قد حان وقته فتعرف شجرتنا بما هي تُثمرُ
فَعُوْلُ مَفَاعِيلُنْ فَعُوْلُن مَفَاعِلُنْ فَعُوْلُ مُفَاعَلَتُنْ فَعُوْلُ مَفَاعِلُنْ
وقد خففت من شدة التكسير بتسكين الجيم في "شجرتنا"
وفي البيت التاسع والسبعين قال الميرزا:
ويعوي عدوي مثل ذئب مِن طوًى وليس له علم بما هو أذكرُ
فَعُوْلُن مَفَاعِيلُن فَعُوْلُن فَاعِلُنْ فَعُوْلُ مَفَاعيلُنْ فَعُوْلُ مَفَاعِلُنْ
وكان بإمكانه اصلاح الوزن بتعريف كلمة طوى بــــ " ال" ، فيقول: ويعوي عدوي كذئب من الطوى. وفي جميع الأخوال يبقى البيت ككثير من أبيات هذه القصيدة مختل الأسلوب والمعنى.
أكتفي بهذا القدر فالقصيدة طويلة والأخطاء كثيرة جدا، وقد سئمت من قراءة هذا الشعر السخيف، ولعلي أضجرت القراء أيضا، فأقف عند هذا الحد ففيه الكفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وأذكر في عجالة أرقام باقي الأبيات المختلة في هذه القصيدة ، وهي:81-86-90-91-95-101-102-106-109-111-117-117-121-122-125-126-127-130-135-136-141-142-148-149-151-152-153-154-155-156-158-160-162-163-164-165-170-174-176-178-182-184-185-188-189،
وبهذا يكون عدد الأبيات المختلة 79 بيتا، أي أزيد من ثلث القصيدة، وبعض هذه الأبيات يتضمن عيبين أو ثلاث (وفي المطلع وحده أربعة عيوب)، مما يعني أن العيوب العروضية في هذه القصيدة قد تجاوزت 100 عيب بكثير، فالحمد لله الذي أعان كل من أهان المتقولين، وصلى الله على محمد سيد الأولين والآخرين.
عبد الجليل العباسي
02/08/2018