القادياني وهلاك الملل كلها

القادياني وهلاك الملل كلها

القادياني وهلاك الملل كلها

بسم الله العظيم رب العرش العظيم، وأعوذ بالله الذي بيده كل شيء وهو كل ما يشاء قدير، ولله الحمد رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين:

﴿هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ﴾ [التوبة ٣٣]

﴿هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِیدا﴾ [الفتح ٢٨]

﴿هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ﴾ [الصف ٩]


عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى ". فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } ، أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا. قَالَ : " إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ ". [صحيح مسلم]

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ - يَعْنِي عِيسَى - وَإِنَّهُ نَازِلٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ، رَجُلٌ مَرْبُوعٌ، إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ ، كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ، فَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ، وَيُهْلِكُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ". [سنن أبي داود]

يقول القاديانيون: "يُهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام" لا يجوز حمل هذا الحديث أيضًا على معناه الظاهري، لأنه مخالف لما ورد في القرآن المجيد: (وَجَاعِلُ ٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِۖ)، والآية (ولا يزالُونَ مُختلفين إلا مَنْ رَحِمَ رَبِّكَ). فكيف يدخل جميع الناس في الإسلام وكيف تفنى الملل كلها، والحال أن الآيتين تدلان على أن الكفار والمؤمنين يبقون إلى يوم القيامة. فالمراد من هلاك الأمم هلاكهم بالبينة، ولا شك أنه من هلك عن البيئة فقد هلك؛ ومن أتم الحجة على أحد فقد أهلكه، يقول الله تبارك وتعالى: (لِّیَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَیِّنَة وَیَحۡیَىٰ مَنۡ حَیَّ عَنۢ بَیِّنَة). ألا ترون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر"، وجاء في القرآن الكريم: (قُلْ جَاءَ الحق وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)، وما هلكت الملل الباطلة كلها من حيث الظاهر في زمانه، بل معناه أنها هلكت من حيث البينة أمام تعليم القرآن المجيد، وصارت في عداد الموتى. وهكذا يحصل في زمان المسيح الموعود". [القول الصريح في ظهور المهدي والمسيح ٨١]

بعد بسم الله ونعوذ بالله أولا وآخرا… نقول:

|[١]| قبل أن يدعي الغلام القادياني المسيحية والمهدوية أقر بهلاك الملل على يد عيسى عليه السلام:

"﴿هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِ﴾ [الصف ٩] هذه الآية تتضمن نبوءة بحق المسيح عليه السلام ماديا وسياسيا. وإن الغلبة الكاملة التي وعد بها الإسلام ستتحقق بواسطة المسيح، فعندما يأتي المسيح عليه السلام إلى الدنيا ثانية سينتشر الإسلام على يده في جميع الأقطار والأمصار". [البراهين الأحمدية الأجزاء الأربعة ٥٧٣]

"عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمْ عَلَيْكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا، وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حصيرا". أي أن الله يريد أن يرحمكم، أما إذا عدتم إلى الإثم والتمرد فسوف نعود إلى العقاب والعذاب، وقد جعلنا جهنم سجنا للكافرين. هذه الآية تشير في هذا المقام إلى ظهور المسيح عليه السلام بالجلال، أي إذا لم يقبلوا طريق الرفق واللين واللطف والإحسان واستمروا في التمرد ضد الحق الذي استبان بالأدلة الواضحة والآيات البيئة، فالزمن قريب حين يستعمل الله عز وجل في حق المحرمين الشدة والعنف والقهر والقسوة وسينزل المسيح عليه السلام في الدنيا في منتهى الجلال ويطهر الطرق والشوارع كلها من الكلأ والأعشاب، ولن يبقى للمعوج أثر أبدا، وإن جلال الله تعالى سيبيد بذرة الضلال نهائيا بتجليه القاهر. إن العصر الراهن إنما هو إرهاص لذلك العصر، وعندها سيتم الله الحجة بالجلال. أما الآن فيتمها بالجمال.. أي بالرفق والإحسان". [البراهين الأحمدية الأجزاء الأربعة ٥٧٩]

ثم بعد إدعاء المسيحية والمهدوية صار المعنى هلاك الملل بالحجة وهو من سيقوم بهذه المهمة:

"ثم إذا نظرنا نظرا آخر وتأملنا في قولهم وعقيدتهم واتفاق ندوتهم على أن الموجودين في زمان نزول المسيح يدخلون في دين الإسلام كلهم ولا تبقى نفس واحدة منهم منكرة للإسلام، وتهلك الملل كلها إلا الإسلام، فما وجدنا هذه العقيدة موافقة لتعليم القرآن، بل وجدناها مخالفة لقول رب العالمين؛ فإن القرآن يعلم بتعليم واضح، ويشهد بصوت عال على أن اليهود والنصارى يبقون إلى يوم القيامة كما قال : (فَأَغۡرَیۡنَا بَیۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَاۤءَ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِۚ).. ومعلوم أن وجود العداوة والبغضاء فرع الوجود المعاندين والمباغضين، ولا يتحقق إلا بعد وجودهم. ولقد وصلنا لهم القول وقلنا غير مرة لعلهم يتذكرون أو يكونون من الخائفين. فكيف نؤمن بأن أهل الملل كلها تهلك في وقت من الأوقات؟ أنكفر بآيات كتاب مبين وقد قال الله تعالى: (وَأَلۡقَیۡنَا بَیۡنَهُمُ ٱلۡعَدَ ٰ⁠وَةَ وَٱلۡبَغۡضَاۤءَ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِۚ)، وقال : (وَجَاعِلُ ٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِۖ).. ومعلوم أن كون اليهود مغلوبين إلى يوم القيامة يقتضي وجودهم وبقاءهم وكفرهم إلى يوم الدين. ومعلوم أن كل ما يعارض أخبار القرآن ويُخالفه فهو كذب صريح وليس من أحاديث أصدق الصادقين". [حمامة البشرى ٩١]

"والآتي قد أتى. نعم، إنه سيقتل الدجال بإقامة الحجة عليه، إذ سبق القول في الحديث الشريف أن هلاك كل الملل -وليس هلاك الناس أو هلاك أهل الملل- مقدر على يده، وقد تحقق ما قيل". [الملفوظات ج١ ص٤٥]

"وقد أتى على الإسلام زمن الذلة، ولكن الله تعالى أراد الآن أن ينصر الإسلام، فأرسلني لكي أجعله غالبا على الأديان والملل كلها بالبراهين الدامغة والحجج الساطعة". [الملفوظات ج٢ ص٧٥]

"إني لأعلم جيدا أن هؤلاء يكنون لي عداء وبغضا شخصيا، وليس سببه إلا أني بعثت من الله تعالى مأمورا لإبطال الملل الباطلة وإهلاكها. وإني على علم ولا أبالغ فيما أقول أبدا أنني قد أوتيت لإبطال الملل الباطلة وتفنيدها من الحماس الشديد ما يجعل قلبي يفتي بأنه لو وضع كل المسلمين الموجودين على وجه المعمورة في كفة، ووضعت في كفة أخرى لرجحت كفتي. فما دام هذا هو مبلغ حماسي لإبطال الآريين والمسيحيين وغيرهم من الملل الباطلة، فهل يبغضون أحدا غيري؟ إن بغضهم لي كبعض الدواب". [الملفوظات ج٢ ص١٨٦]

"لقد خلق الله تعالى خاتم الخلفاء ليثبت أن الإسلام لم ينتشر بالإكراه وجعل مهمته "يضع الحرب" وقرر من جانب آخر : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) أي أنه سيجعل الإسلام غالبا على الملل الهالكة بالحجة والبرهان، ويرفع الحرب والقتال. إن الذين ينتظرون مهديا ومسيحا سفاكا مخطئون أشد الخطأ". [الملفوظات ج٣ ص٨٧]

"لذا من المسلم به والمتفق عليه - بحسب القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة- أن الإسلام سينتصر على يد المسيح الموعود بعد أن تنال المسيحية الغلبة في الزمن الأخير، فيجعله غالبا على الأديان والملل كافة، ويقتل الدجال ويكسر الصليب، وكل هذا سيحدث في الزمن الأخير". [الملفوظات ج٨ ص٦٦]

"بل المراد من هلاك الملل كلها هلاكهم بالبينة، ولا شك أنه من هلك من البيئة فقد هلك، ومن أتم الحجةعلى أحد فقد أهلكه، فتفكر كالمتوسمين". [حمامة البشرى ٩٢]

"واعلم أن حديث هلاك الملل صحيح، ولكن أخطأ العلماء في فهمه، وما فهموا من هلاك أهل الأديان فهو ليس بصحيح، بل المعنى الصحيح هو الذي يشير إليه القرآن في آية: ﴿هُوَ ٱلَّذِیۤ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِینِ ٱلۡحَقِّ لِیُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّینِ كُلِّهِ)، فقد أشار في هذه الآية إلى غلبة دين الإسلام على كل مذهب ودين. وأنت تعلم أن دينا إذا صار مغلوبا مقهورا فهو نوع من هلاك أهله بسلطان مبين". [حمامة البشرى ٩٢]

وما سبق يدل على أن سبب تغير الأقوال -في هذا الموضوع وغيره- الدعاوى الجديدة والآراء اللاحقة والمتأخرة. 

|[٢]| الزعم أن هلاك الملل يكون بالحجة على يد الغلام القادياني زعم كاذب، فهل طوال ١٣٠٠ سنة من تاريخ الإسلام المحمدي -قبل القادياني- لم تكن الحجة قائمة على الملل الأخرى؟ فلو كان الإهلاك بالحجة فهذا واقع قبل ظهور الغلام القادياني.

وهم أقروا بذلك عندما قالوا: "ألا ترون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر"، وجاء في القرآن الكريم: (قُلْ جَاءَ الحق وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)، وما هلكت الملل الباطلة كلها من حيث الظاهر في زمانه، بل معناه أنها هلكت من حيث البينة أمام تعليم القرآن المجيد".

فهم أعتبروا أن القرآن العظيم أهلك الملل بالحجة. وبالتالي: لم يأت القادياني بشيء غير موجود قبله.

|[٣]| ليس في كتب القادياني أي تميز في الحجج على أصحاب الملل، بل حجج علماء المسلمين طوال قرون أفضل من كتاباته بكثير، ولا مقارنة بين حجج العلماء وبين ثرثرات الغلام القادياني! وبالتالي: الزعم أن القادياني يهلك الملل كلها، يكذبه الواقع، وهو زعم كاذب، فاقد للمضمون، وغير حقيقي.

|[٤]| لو فرضنا -جدلا- أن حجج القادياني كانت قوية. فالقادياني ثرثراته كانت مع المسلمين والنصارى والهندوس. فكيف يمكن أن يقال أنه أهلك (الملل كلها) بالحجة، أين حججه على البوذية والكنفوشوسية وسائر الأديان وفرقها الدينية المختلفة والمذاهب الفكرية؟! فهذا الزعم أكبر منه بكثير!!!

فإن قالوا: أن جماعته القاديانية بعده تقوم بمهمة إهلاك الملل بالحجة وهي مستمرة في هذه المهمة! 

فهو جوابنا أيضا: أن هلاك الملل كلها بعد النبي صلى الله عليه وسلم ويكون بعد نزول عيسى عليه السلام.

ثم لو نظرنا إلى كتابات المسلمين في ردودهم بالحجج والبراهين على أهل الملل والفرق والمذاهب الفكرية، نعلم أن جهودهم بتوفيق من الله كبيرة مقابل ثرثرات القادياني والقاديانية، وإنما القاديانيون مشغولون بإضلال المسلمين لا ملل الكفر المختلفة.

|[٥]| أما استدلال القادياني وجماعته بالآيات القرآنية على عدم هلاك الملل حقيقة، ووجود اليهود والنصارى إلى يوم القيامة كقول الله سبحانه وتعالى:

﴿فَأَغۡرَیۡنَا بَیۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَاۤءَ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ﴾ [المائدة ١٤]

﴿وَأَلۡقَیۡنَا بَیۡنَهُمُ ٱلۡعَدَ ٰ⁠وَةَ وَٱلۡبَغۡضَاۤءَ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ﴾ [المائدة ٦٤]

فقد رد عليه الحديث السابق: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى ". فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } ، أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا. قَالَ : " إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ ". [صحيح مسلم]

فانظر ماذا فهمت عائشة رضي الله عنها من قوله سبحانه: { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } فصوب النبي صلى الله عليه وسلم فهمها بأن ذلك يكون، إلا أنه أزال الإشكال بقوله ثم يرسل الله ريحة طيبة تقبض المؤمنين ثم من يبقون يعودون إلى دين آبائهم.

|[٦]| أما إستدلال القاديانية بقول العزيز الحكيم: (لِّیَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَیِّنَةࣲ وَیَحۡیَىٰ مَنۡ حَیَّ عَنۢ بَیِّنَةࣲ﴾ فهو تدليس وخداع ودجل وكذب، فليس معنى الآية أن الإهلاك يكون بالحجة!

فقول الله عز وجل السابق جاء في سياق الحديث عن معركة بدر: ﴿إِذْ أَنتُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَٱخْتَلَفْتُمْ فِى ٱلْمِيعَٰدِ وَلَٰكِن لِّيَقْضِىَ ٱللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَىَّ عَنۢ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال ٤٢]

قال ابن كثير رحمه الله: "وَقَوْلُهُ: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ قَالَ محمد بن إسحاق: أي ليكفر من كَفَرَ بَعْدَ الْحُجَّةِ، لِمَا رَأَى مِنَ الْآيَةِ وَالْعِبْرَةِ، وَيُؤْمِنَ مَنْ آمَنَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ. وَهَذَا تَفْسِيرٌ جَيِّدٌ. وبَسْطُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إِنَّمَا جَمَعُكُمْ مَعَ عَدُوِّكُمْ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، لِيَنْصُرَكُمْ عَلَيْهِمْ، وَيَرْفَعَ كَلِمَةَ الْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ، لِيَصِيرَ الْأَمْرُ ظَاهِرًا، وَالْحُجَّةُ قَاطِعَةً، وَالْبَرَاهِينُ سَاطِعَةً، وَلَا يَبْقَى لِأَحَدٍ حُجَّةٌ وَلَا شُبْهَةٌ، فَحِينَئِذٍ ﴿يَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ﴾ أَيْ: يَسْتَمِرُّ فِي الْكُفْرِ مَنِ اسْتَمَرَّ فِيهِ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ أَنَّهُ مُبْطِلٌ، لِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، ﴿وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ﴾ أَيْ: يُؤْمِنَ مَنْ آمَنَ ﴿عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ أَيْ: حُجَّةٍ وَبَصِيرَةٍ. وَالْإِيمَانُ هُوَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١٢٢] ،وَقَالَتْ عَائِشَةُ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ: فيَّ هَلَكَ مَنْ هَلَكَ أَيْ: قَالَ فِيهَا مَا قَالَ مِنَ الْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ وَالْإِفْكِ".

فلاحظ أن الآية التي استدلوا بها جاءت في سياق الجهاد والقتال في معركة بدر، وهم إنما يرفضون إهلاك المسيح عليه السلام الملل بالقتال: "فَيُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ".

ونحن نقر أن هزيمة الباطل والنصر عليه يكون بالحجة، كما أنه يكون بالسيف أيضا، لكن هم يجعلونه بالحجة حصرا.

والله جعل معركة بدر والنصر على المشركين فيها حجة وبينة وبرهان.

فمعنى الآية: أن من يكفر ويهلك يهلك والحجة قائمة عليه. 

وهؤلاء القاديانيون من أجهل الناس، لا عقل ولا نقل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبشر بظهوره على العرب والعجم والفرس والروم، وكانت العرب تنتظر تحقق ذلك الأمر وتأخر منهم من تأخر، فلما رأوا ذلك بأعينهم علموا صدق النبي صلى الله عليه وسلم ودخلوا في دين الله أفواجا.

﴿إِذَا جَاۤءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ • وَرَأَیۡتَ ٱلنَّاسَ یَدۡخُلُونَ فِی دِینِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجا • فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا) [النصر ١-٣]

قال النبي صلى الله عليه وسلم: « تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ، ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ ». [صحيح مسلم]

أما تشنيع القاديانية ودجلها بمسألة القتال والدموية والسفك! ودغدغة قلوب وعواطف الناس لكرههم الحروب والمآسي! فنحن -معاذ الله- لا نغش الناس ولا نكذب عليهم، الصراع بين البشر سنة كونية سواء فكريا أو عسكريا! واليوم الذين يشنون الحروب يشنونها وهم يتحدثون عن السلام! بمعنى أنهم دجالون يتكلمون علنا عن المثاليات لكنهم عمليون واقعيون أو ميكافليون براغماتيون! بل يؤمنون أن شدة قوتهم تجلب لهم الأمن والسلام! 

وقال العليم الحكيم: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰٓ أَن تَكْرَهُوا۟ شَيْـًٔا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّوا۟ شَيْـًٔا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة ٢١٦]

وبعض هؤلاء المجرمين -لأنهم أقوياء ويملكون الإمكانيات- يعملون ويروجون ويخططون لصراع الحضارات، أو الأديان والفرق، أو بين الجماعات البشرية، أو الدول المختلفة، لأنهم يعلمون أن الصراع سنة كونية، ليكون هذا الصراع بإفتعال منهم وتحت إدارتهم وتحكمهم، أو استغلال الأحداث المتوقعة وغير المتوقعة، والاستفادة من التناقضات الحاصلة، ومحاولة إطالة أمد الصراع، لينتفعوا من ورائه ديون ربوية وأموال وبيع سلاح وإضعاف الخصوم وتقسيم البلاد لتسهل السيطرة عليهم جميعا، ومنافع تعود عليهم…إلخ على حساب ملايين البشر والضحايا. نعوذ بالله من شياطين الإنس والجن. والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

هذا والله العليم أعلم.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ…

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ…

لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ…

والحمد لله رب العالمين .

والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.


الكاتب: أبو عبيدة العجاوي

۞۞۞۞۞۞