القاديانية وموضوع رؤية الجن

القاديانية وموضوع رؤية الجن

القاديانية وموضوع رؤية الجن

أبو عبيدة العجاوي

قال من له أسماء الجلال وصفات العظمة والجلال والكمال: ﴿یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ لَا یَفۡتِنَنَّكُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ كَمَاۤ أَخۡرَجَ أَبَوَیۡكُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ یَنزِعُ عَنۡهُمَا لِبَاسَهُمَا لِیُرِیَهُمَا سَوۡءَ ٰ⁠ تِهِمَاۤۚ إِنَّهُۥ یَرَىٰكُمۡ هُوَ وَقَبِیلُهُۥ مِنۡ حَیۡثُ لَا تَرَوۡنَهُمۡۗ إِنَّا جَعَلۡنَا ٱلشَّیَـٰطِینَ أَوۡلِیَاۤءَ لِلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ﴾ [الأعراف ٢٧]

قال القاديانيون : "من الأسباب التي جعلت البعض يقول بوجود خلق آخر، يختلف عن الإنسان.. وأن من صفاته أنه غير مرأي لنا. والآية بريئة من هذا المفهوم لأنها. تتحدث عن الشياطين.. ومنهم شياطين الإنس، كما أن منهم شياطين الجن. والإنس مرأي ظاهر، والفتنة والخطر ليسا وفقاً على شياطين الجن وحدهم. 

فكلمة يراكم يعنى أنه يرى مواطن ضعفكم فيصل إليها، أما (قبيله) فهو ما يلحق به من عوامل تساعده على التأثير. وقوله: (من حيث لا ترونهم) أي من حيث لا ينتبه المرء إلى تأثيرهم.. وذلك حين الغفلة.. حين الانشغال بالهوى عن التعقل والتفكير. وإبصار الشيطان وعدم رؤيته لا يحدث فرقا في مدى تأثيره، فمثلا إذا أغرى صاحب صاحبه وزين له ارتكاب منكر حتى استجاب، فماذا يجديه الإبصار هنا؟ لقد وصل إليه التأثير مع أنه يراه ويصاحبه، ولا معنى للتحذير مما لا تأثير له. إن الصاحب أطاع صاحبه المضلل لأنه غفل ولم يدرك بقلبه تأثيره السيء. فغفلة القلب هي الخطر الحقيقي الذي لابد من علاجه. و (لباس التقوى ذلك خير)، لأنه الدرع الواقي من خطر الشيطان.. رأته العين أم لم تره، فالخفاء ليس صفة ذاتية للشيطان، وإنما هي تأثيراته المتسللة إلى القلب الغافل.. لأنها تخاطب الغرائز الباطنة التي تجرى من الإنسان مجرى الدم حسب قول المصطفى الحكيم الأمين صلى الله عليه وسلم فلا ينتبه لها الإنسان. ومن غفل فقد عمي وفقد الرؤية". [الجن بين الحقيقة والخرافة]

رد وإبطال: 

تفسير القاديانية غامض جدا، ويحتوي على تفسيرات باطنية، ولا يتوافق مع التحذير في الآية العظيمة لكن نقول:

أولا: لو كان المقصود شياطين الإنس، وحسب تفسير القاديانية: "أي من حيث لا ينتبه المرء إلى تأثيرهم". فمن الناس من ينتبه ومن الناس من يغفل، بدليل أننا ولله الحمد انتباهنا لما يقول شياطين القاديانية. أيضا: التحذير من شيء لا يراه الإنسان، هو أعظم مما يراه، فلو قلت لك: هناك شخص مختبئ في ذلك المكان، يبدأ عندك الإنتباه والحذر لأنك لا تراه. بينما إن قلت لك: فلان ينتظرك في الشارع فالأمر شيء عادي. 

ثانيا: إن الإبصار والرؤية يحدثان فرقا، فمن تراه تستطيع الحذر منه وتجنبه أو مقاومته مثلا إن كان شخص ماكر أو مفسد، بينما من لا ترى هنا الأمر صعب أو خطير، لذا جاءت نصوص الكتاب والسنة بالحل والعلاج: العبادة، الدعاء، التسمية، الإستعاذة… إلخ.

ثالثا: لو طبقنا تفسيرات القاديانية للشيطان بمعنى: علية القوم، أو المؤثر الداخلي غريزة شهوى، أو المؤثر الخارجي شخص مغوي مفسد، كائنات دقيقة، أو عامة الناس. فكل هذه التفسيرات لا تتوافق مع الآية العظيمة، فلا يمكن القول أن كل ما سبق يروننا ولا نراهم.

رابعا: كما مر سابقا: القاديانية قالت أن الشيطان غير إبليس، أو هو أحد جنود إبليس من البشر، وهذين الشخصين لا بد ماتوا منذ زمن بعيد جدا حسب فهم القاديانية. فما علاقة ذلك النص المتقدم بموضوع الرؤية، لولا أن النص يتحدت عن العدو الأول للإنسان وهو إبليس، وأن له ذرية أو جنودا يروننا ولا نراهم، فهل يستقيم أن يقال في عصرنا: احذروا فرعون مصر وفتنته، يا قوم انتبهوا له لا تقعوا بالغفلة!

خامسا: أما قول القاديانية: "أما (قبيله) فهو ما يلحق به من عوامل تساعده على التأثير". فهو كلام زاد على شيء واحد قالته: "فكلمة يراكم يعنى أنه يرى مواطن ضعفكم فيصل إليها". والإنسان قد يشعر ويحس بالمؤثر الداخلي: الرغبات والغرائز، فيضبط نفسه.

أما المفسرون فقد فسروا (قبيله) بالشياطين مثله، أو جنوده، أو نسله وذريته، وتفسيراهم هذا يتوافق مع الأدلة الأخرى:

﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا﴾ [الْكَهْفِ: ٥٠]

﴿وَجُنُودُ إِبۡلِیسَ أَجۡمَعُونَ﴾ [الشعراء ٩٥]

عَنْ  جَابِرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ، فَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ، فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً ". [صحيح مسلم]

فبالله نتعوذ من إبليس وقبيله وجنوده وذريته وأتباعه من الجن والإنس.

سادسا: ما سبق ذكره الغلام القادياني يقوله:

ففي نص شعري يقول [سر الخلافة ١٤٠]:

فنوّرت ملةٌ كانت كمعدومٍ   ضعفاً ورجمت ذراري الجان بالشهبِ

وما سبق سبق لا يمكن القول إلا أنه قصد:

عَنِ  ابْنِ عَبَّاسٍ  قَالَ : كَانَ الْجِنُّ يَصْعَدُونَ إِلَى السَّمَاءِ يَسْتَمِعُونَ الْوَحْيَ، فَإِذَا سَمِعُوا الْكَلِمَةَ زَادُوا فِيهَا تِسْعًا، فَأَمَّا الْكَلِمَةُ فَتَكُونُ حَقًّا، وَأَمَّا مَا زَادُوهُ فَيَكُونُ بَاطِلًا، فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِعُوا مَقَاعِدَهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِإِبْلِيسَ وَلَمْ تَكُنِ النُّجُومُ يُرْمَى بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيسُ : مَا هَذَا إِلَّا مِنْ أَمْرٍ قَدْ حَدَثَ فِي الْأَرْضِ، فَبَعَثَ جُنُودَهُ فَوَجَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يُصَلِّي بَيْنَ جَبَلَيْنِ، أُرَاهُ قَالَ بِمَكَّةَ، فَلَقُوهُ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ : هَذَا الَّذِي حَدَثَ فِي الْأَرْضِ. [سنن الترمذي]

وقال أيضا: «ووجد الكفار وغيرهم من المعارضين فرصة سانحة للاعتراض على الإسلام ليقولوا أية قسوة قلبية هذه وكم هو بعيد عن الرحم أن يوكل الله تعالى الشيطان وذريته بإغواء الإنسان إلى الأبد، ويجعلهم قرناء ومصاحبين له لكي يستأصلوا إيمانه، وليجروا في كل حين وآن في كيانه ومجرى دمه وقلبه وذهنه وفي كل جزء من جسده، وفي عينيه وأذنيه ويوسوسوا له، وألا يعطي الإنسان ولو قرينا واحدا ليهديه ويبقى معه دائما».[ مرآة كمالات الإسلام ٧٧]

سابعا: أما قولهم: "أنها تخاطب الغرائز الباطنة التي تجرى من الإنسان مجرى الدم حسب قول المصطفى الحكيم الأمين صلى الله عليه وسلم". وهم يقصدون الحديث التالي:

عَنْ  صَفِيَّةَ بْنَةِ حُيَيٍّ ، قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا، فَحَدَّثْتُهُ، ثُمَّ قُمْتُ  فَانْقَلَبْتُ ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي - وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - فَمَرَّ رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " عَلَى  رِسْلِكُمَا ، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ ". فَقَالَا : سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ : " إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا "، أَوْ قَالَ : " شَيْئًا ". [صحيح البخاري]

القاديانيون يقصدون من (مجرى الدم) المؤثر الداخلي الذي يسمونه شيطان الباطن أو شيطان الجن، الشبحي الغير معروف ما هو.

بينما النبي قصد شيئا آخر:

«١» لاحظ أن النبي رأى رجلين من الصحابة من الأنصار رضي الله عنهم، فخشي أن يقذف الشيطان شيئنا في قلوبهم، وهو تعبير يدل على مؤثر خارجي.

«٢» أن التعبير يدل أن الشيطان المؤثر الخارجي قادر على الوصول إلى باطن الإنسان وقلبه وجسده، كما هو الراجح عند المسلمين.

«٣» نقول للقاديانية: إن تفسيرنا محدد معروف للجن والشيطان، وانتم تفسيركم غير محدد ولا يدل على شيء بعينه، فما هو هذا الشيطان في باطن الإنسان أو المؤثر الداخلي أو شيطان الجن الذي يقذف في القلوب شيئا ويجري مجرى الدم، أنتم تتحدثون عن شبح لا يعلم ما هو.

 فالشيطان عندكم -منظومة شبحية غير محددة- مسؤولة عن الوسوسة والوقوع في المعاصي والمحرمات… وهذا شيء مبهم شبحي غير معروف ما هو.

ثامنا: جاء في الحديث التالي:

عَنْ  عَامِرٍ  قَالَ :  سَأَلْتُ  عَلْقَمَةَ  : هَلْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ ؟ قَالَ : فَقَالَ عَلْقَمَةُ : أَنَا سَأَلْتُ  ابْنَ مَسْعُودٍ  فَقُلْتُ : هَلْ شَهِدَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ ؟ قَالَ : لَا، وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَفَقَدْنَاهُ، فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ فَقُلْنَا :  اسْتُطِيرَ  أَوِ اغْتِيلَ. قَالَ : فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا هُوَ جَاءٍ مِنْ قِبَلِ حِرَاءٍ. قَالَ : فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَدْنَاكَ فَطَلَبْنَاكَ فَلَمْ نَجِدْكَ، فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ. فَقَالَ : " أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ ". قَالَ : فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ، وَسَأَلُوهُ الزَّادَ فَقَالَ : " لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا، وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ ". فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا ؛ فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ ". [صحيح مسلم]

فالسؤال الذي سأله عامر وعلقمة، سؤال طبيعي جدا، لأنهم لا يرون الجن.

نتعوذ بالله والحمد لله رب العالمين.


✹✹✹✹✹✹