القاديانية وظاهر النص

القاديانية وظاهر النص

القاديانية وظاهر النص

من سمات القاديانية وعجائبها - الباطنية والتحريف والتأويل والمجاز  - في كل نص ظاهره لا يتفق مع باطلها، لكنها في مسألة توفي المسيح - عليه السلام - أخذت بظاهر النص وتمسكت به كثيرا ودافعت عنه، وهي أكثر مسألة تجادل فيها لأن حياة المسيح - عليه السلام - هي أشد عقيدة تهدم عقائد القاديانية بعد عقيدة ختم النبوة، ولقد وفقني الله وكتبت بحثا بعنوان : ( الصواعق العجاوية في رفع المسيح ورد شبه القاديانية ) من ٥٠ صفحة هذا بعد تعب وأنا أبحث وأقرأ، وكثير من الأمور لم أتحدث عنها ولم ابحث فيها.

تأتي لك القاديانية بآية هنا وآية هناك، وحديث هنا وحديث هناك، وأقوال العلماء، ويُرد عليها هنا ويُرد عليها هناك، ثم تكتشف فيما بعد أقوالا للقادياني تهدم عقيدة الأخذ بظاهر كلمة التوفي، ولذلك بعض الباحثين اقتصروا في أبحاثهم وكتبهم على أقواله نفسه، ولا يستحق الأمر أن ترد على كل شيء يقوله القادياني أو تقوله القاديانية.

تقول القاديانية كقاعدة عندها : [ إن التوفي إذا كان من باب التفعل وكان الفاعل هو الله تعالى أو ملائكته، والمتوفى هو من ذوي الأرواح، ولم يكن هناك قرينة تصرف المعنى من الحقيقة إلى المجاز كالنوم والليل مثلا، فلا يكون المعنى سوى الموت وقبض الروح ].

كل هذا الكلام الطويل، واستدلالاتها من الآيات والأحاديث وبعض الأقوال، لتقول لك أن قول الله تعالى :

{ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }. (آل عمران ٥٥).

يعني أن عيسى مات، مع أن هناك أدلة كثيرة تصرف ( التوفي ) في الآية عن الموت، من كتاب الله العظيم، وحديث رسوله الكريم - عليه الصلاة والسلام - ومن أقوال الصحابة - رضوان الله عليهم - ومن اللغة العربية، فهناك عقيدة رفعه ونزوله - عليه السلام - بالدلائل الكثيرة الواضحة المتواترة.

ومع أن كتابنا هذا يظهر لك باطنية القاديانية وتحريفها لظواهر النصوص في المعجزات، إلا أنني أردت أن ألفت انتباهك هنا في مسألة ( التوفي ) كيف أخذت بظاهرها وأكثرت من الاستدلال، لكن سبحان ربك الذي ينتصر لنفسه ودينه.

بعد سبحان الله، واستغفره، وأعوذ به، من تصرف القادياني بكلام الله تبارك وتعالى يقول القادياني : " وسمّاني ربي عيسى ابن مريم في إلهام من عنده، وقال: " يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيامَةِ، إِنَّا جَعَلْنَاكَ عِيسَى ابْن مَرْيَم، وأَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةٍ لا يَعْلَمُهَا الْخَلْقُ. وَأَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ تَوْحِيدِي وَتَفْرِيدِي، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ". (حمامة البشرى ٢٣).

يا إلهي ما هذا ! العياذ بالله العياذ بالله العياذ بالله ! القادياني الذي أفنى حياته وهو يقول للناس عيسى - عليه السلام - قد مات، وأن القرآن ذكر موته بكلمة ( التوفي ) ثم يتقول على الله أن الله أوحى له النص السابق.

لا اعرف هل أخاف أم اضحك ! شيء يخيف ويضحك في نفس الوقت ! فمعنى قوله أن - العياذ بالله - أوحى له أني متوفيك، يعني مميتك، حسب استدلال القادياني والقاديانية وفهمهم للتوفي ! ولو قالت القاديانية أن القادياني توفى ومات ! فهذا الكلام والوحي المزعوم قاله القادياني حسب "حمامة البشرى" عام ١٨٩٣م وهو أيضا موجود في كتاب "التذكرة" عام ١٨٨٣م أي قبل موت القادياني ب ٢٥ سنة، وبعض التواريخ مهمة في شأن القاديانية.

ولو قالت القاديانية أنه سيموت فيما بعد فلا ينفعها ذلك، لأنها ترد على المسلمين هذا القول ولا تقبله بحق عيسى - عليه السلام - وأي قول تقوله هو ضدها.

ثم أنظر في كتاب (التذكرة ٩٧) عام ١٨٨٣م : " ثم تلقيت بعد ذلك هذا الوحي : " يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ( ومطهرك من الذين كفروا ) وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة. ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ".

ثم انظر ما يقول القادياني في نفس الصفحة : " لقد أوحيت إلى جملة " إني متوفيك ورافعك إلي ". بكثرة لا يعلمها إلا الله، فأحيانا يبدأ الوحي بهذه الجملة بعد منتصف الليل ويستمر حتى الفجر ".

أنا لا أدري أي وحي هذا يتكرر بعد منتصف الليل حتى الفجر ويستمر لساعات : ( يا عيسى إني متوفيك ).

سبحان الله، القادياني حتى إن صدق كذب، والأساس باطل. هو متكرر عنده في وحيه - حسب كتبه وتواريخ وحيه - حتى نكون دقيقين، أما بعد منتصف الليل حتى الفجر فالعلم عند الله.

هذا معناه حسب - فهم القاديانية والقادياني - أنه يوحى له : ( إني مميتك، إني مميتك، إني مميتك، طول أكثر من عقدين ) وهذا المعنى يتناقض مع كثرة الوحي المزعوم النازل على القادياني ستعيش طويلا، ستعيش ٨٠ حولا أو يزيد أو قريبا من ذلك.

ماذا ستفسر القاديانية هذا وماذا ستقول !

ثم انظر في كتاب التذكرة في الصفحة التي تليها مباشرة تفسير الوحي المزعوم عام ١٨٨٣م تفسير القادياني نفسه : " أي يا عيسى سأعطيك أجرك كاملا، أو مميتك، وأرفعك إلي، أي سأرفع درجاتك، أو سأرفعك إلي من الدنيا، وأبرئ ساحتك من كل ما رماك به المنكرون من تهم مفتريات، وسأجعل أتباعك غالبين على المنكرين بالحجة والبرهان والبركات إلى يوم القيامة. هناك فئة من الأولين، وهناك فئة من الآخرين ".

ثم أعادوا ذكر هذا التفسير في ( التذكرة ٣٢١).

انظر كيف صرف القادياني لفظ ( التوفي ) عن ظاهره إلى معان غير الموت : سأعطيك أجرك كاملا، أو أرفع درجاتك. و القادياني والقاديانية يرفضون بشدة بشكل قاطع صرف المسلمين لفظ ( التوفي ) عن ظاهره حسب القاعدة التي ذكروها.

وأنا مطلع على بعض أساليبها، إن حاولت القاديانية القول أن الوحي ذكر اسم عيسى وعيسى هو المسيح - عليه السلام - في مماثلة مع القادياني… والمجاز وهذه الخرابيط.

لا ينفعها كل ذلك، لأن أي تأويل ( للتوفي ) حسب قاعدتها، محسوم بشكل قاطع أنه مرفوض، ولا تتساهل فيه، وتأخذ ظاهر التوفي ومعناه الموت.

كما أن القادياني يقول تحت تفسيره السابق : " المراد من عيسى هنا هو أنا العبد المتواضع ". 

ثم انظر في (التذكرة ٣٩٥) تكرر : " يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليك ".

ثم أنظر في (التذكرة ٣٩٧) عام ١٩٠٠م شرحا للنص السابق : " يا عيسى - أي القادياني - إني أميتك ميتة طبيعية، بمعنى أن مناهضيك لن يقدروا على قتلك ". 

هنا نفس الوحي المزعوم، لكن اختلف التفسير وعاد إلى ظاهره، التوفي الموت، لكنه فيما بعد وفاة طبيعية، لأن القادياني مات عام ١٩٠٨م. لكن مشكلة أيضا، لأن القاديانية تنكر التوفي المتأخر بحق المسيح - عليه السلام -. فالتوفي هنا معناه : الموت الطبيعي الذي وقع بعد ٨ سنوات.

 ثم انظر في (التذكرة ٩١) : " إني متوفيك ورافعك إلي ".

قال القادياني : " كنت قد فسرت خطأ لفظ التوفي بمعنى الاستيفاء في موضع من " البراهين الأحمدية " ويقدم بعض المشايخ قولي هذا بقصد الطعن، مع أنه لا يصح الطعن فيه، فإني أعترف أنه خطأ مني، ولكنه ليس خطأ في الوحي. إنما أنا بشر، ولست بريئا كسائر البشر من اللوازم البشرية من سهو ونسيان وخطأ. ومع أنني أعلم أن الله تعالى لا يتركني ثابتا على الخطأ، إلا أنني لا أدعي أني بريء من أن أخطأ في الإجتهاد. إن وحي الله يكون منزها عن الخطأ، أما كلام البشر ففيه احتمال الخطأ، لأن السهو والنسيان من لوازم البشر ".

وهنا مشكلة أيضا لأن القادياني يعتبر كتبه كلها من الله - عياذ بالله سبحانه - يقول القادياني : " وإنا أقررنا بأن كتبنا كلها من حول الله ذي الجلال ". (غلاف إعجاز المسيح).

ومشكلة أخرى أن القادياني ادعى العصمة ولا يُترك على خطأ ( طرفة عين ) قال القادياني : " إن الله لا يتركني على خطأ طرفة عين و يعصمني من كل مين ". (نور الحق ١٩٢).

في (التذكرة ١٠٩-١١٠) ١٨٨٣م يقول القادياني : " تلقيت البارحة إلهاما عجيبا آخر وهو : ( قل لضيفك إني متوفيك. قل لأخيك إني متوفيك ) ". 

ثم فسر القادياني هذا الوحي المزعوم : " وهذا الإلهام أيضا نزل مرارا، وله مفهومان فقط، والمفهوم الأول هو : قل لمن هو محط فيضك، أو أخيك، إني سأكمل نعمتي عليك، والمفهوم الثاني : إني سأميتك ". 

لاحظ في هذا النص ذكر القادياني  تفسيرين باطن وظاهر :

متوفيك : سأكمل عليك نعمتي.

متوفيك : سأميتك.

وما سبق ذكره، فيه إبطال معتقد القادياني والقاديانية في أن متوفيك يعني مميتك حصرا، حسب قاعدتهم التي ذكرناها، في حق عيسى - عليه السلام - وفي غير نبي الله عيسى.

وحقيقة ثابتة : أن القادياني والقاديانية كلامهم يناقض بعضه بعضا، و يفسد بعضه بعضا، ويبطل بعضه بعضا، ويكذب بعضه بعضا، وكثير من تفسيرات القادياني والقاديانية هي تفسيرات باطنية تصرف النص عن ظاهره بلا قرائن محقة، ولكن انظر إلى أقوال القادياني التالية (التحفة الغولروية ٨٨) :

" والعبارة تجدر أن تُحمل على ظاهرها قبل وجود قرينة، وإلا عُد ذلك تحريفاً كتحريف اليهود ". 

" فمن حق جميع النصوص الحديثية والقرآنية أن تفسر نظرا لظاهر الكلمات ويُحكم عليها بحسب الظاهر إلا أن تنشأ قرينة صارفة. ودون القرينة الصارفة القوية يجب أن لا تفسر خلافا للظاهر ".

وقد يسأل سائل : ما سبب هذا التضارب في الأقوال عند القادياني والقاديانية ؟! والجواب عليه كجواب عام : الهوى والجهل !!! مثلا : 

١- يفسرون باطنيا كثيرا من النصوص، لكن إذا كان هواهم مع ظاهر النص، يبدأون الإستدلال على الأخذ بظاهر النص، مثل كلمة (التوفي).

٢-يطعنون في البخاري، لكن إن كان هواهم في استدلال معين يوجد في البخاري أخذوا يقولون : هذا ورد في البخاري وهو أصح الكتب، مثل قول ابن عباس المعلق : متوفيك مميتك. 

٣- يزعمون أن القرآن مقدم عندهم، لكن في مسألة معينة إذا كان الهوى مع الحديث النبوي، صار الاستدلال حديثيا، مثل موضوع النسخ في القرآن.

مع أن استدلالاتهم جهليات وظلمات بعضها فوق بعض، فإن قالوا بشيء، أو أجابوا على شيء، أو ردوا على شيء، تجد أنه اصطدم مع قول أو أقوال لهم.    

كهنة القاديانية يعلمون أن العلماء والمشايخ والدعاة عندهم اهتماماتهم، وأن المسلمين لن يقرأوا كتبها بسبب عدم الإهتمام بها، ومن قرأ فليس بالضرورة يرد على ضلالها، وأتباعها لا يقرأون، وإن قرأوا لا يفهمون، وإن كان هناك بعض ما يفسد على القاديانية عقائدها وأقوالها فلن يلاحظوا، والتعصب يعمي ويصم، و المتحيز لا يميز، إلا من يهده الله للحق والصواب، في الماضي أخذ كهنة القاديانية راحتهم في الكذب والتدليس والإضلال والخداع، وكانوا حذرين ولا ينشرون كل شيء خاصة باللغة العربية، وكانوا مكتفين بالكتب الترويجية الدعائية التي تؤصل لعقائدهم، وتكذيب أهل الهند والباكستان، لأن العرب لا يعلمون الكثير عنها، والمسلمون لهم لغاتهم فيستغل هذا الأمر، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

يوم تلو يوم، وسنة بعد سنة، وعقود ثم عقود، خرابيط تتلوها خرابيض، حتى إن قالوا شيئا هو حق أو صحيح أو صواب، قد تجد لهم قولا يبطله ويفسده !!!

وصدق الله القائل : { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا }». (النساء ٨٢).


إن الله لا يماكر، ولا يخادع، ولا يحتال عليه، وهو بكل شيء عليم.

ووالله ما نحن إلا نذكر القليل من الاقتباسات.

وشاء الله أن ننتبه لنصوص، مع أننا قرأناها عدة مرات قبل ذلك ولم ننتبه إليها، والدراسة والبحث بحاجة لتمعن وتدقيق وانتباه. 

والحمد لله رب العالمين.

كتبه : أبو عبيدة العجاوي