الضلالات الشركية عند نبي القاديانيّة
الضلالات الشركية عند نبي القاديانيّة
د. محمد إسماعيل الندوي
الأنبياء والرسل عليهم السلام أخوة، ارتووا من معين واحد، وتلقّوا الرسالة الإلهيّة ذاتها، فكانوا نسيجاً واحداً في الثوابت والعقائد، والأخلاق والصفات والشمائل، دعوتهم واحدة، وقضيّتهم واضحة.
وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يختم تلك السلسلة المباركة من الأنبياء والمرسلين بالنبي محمد –صلى الله عليه وسلم-، ليكون النبي المصطفى للناس جميعاً إلى أن تقوم الساعة، الأمر الذي يجعلنا نفهم الحكمة الإلهيّة من اكتمال الدين، ومن موت ذريّته، ومن تولّي الله بحفظ كتابه، وأمور أخرى ندركها بمجرّد تأمّل سيرته عليه الصلاة والسلام وشريعته.
وحيث ثبتت لنا نبوّة محمد بذات العلامات والدلائل التي دلّت من قبل على صدق إخوانه من الأنبياء والرسل من المعجزات الباهرة التي يعجز عنها البشر، فإن من مقتضيات ذلك: الإيمان بكل ما جاء به عليه الصلاة والسلام، ويشمل ذلك الاعتقاد باكتمال الرسالة وختم النبوّة وكذب من ادّعاها من بعده.
ولا تزال سلسلة الأدعياء مستمرّة إلى يومنا هذا، وكان من جملتهم ميرزا القادياني، الذي ادّعى اتصاله وتنزّل الوحي الإلهي عليه، وتلقّي أوامره من الله سبحانه وتعالى، ولزوم إيمان البشر جميعاً به، في مصادمةٍ واضحةٍ للأسس التي قام عليها الإسلام، تعني الخروج الصريح عن هذا الدين مهما ادّعى صاحبها انتسابَه إليهم.
وبغض النظر عن اعتقادنا نحن المسلمين بأن باب النبوّة قد أُقفل، وأن في الديانة الإسلاميّة ما يُناقض صراحةً دين بني قاديان، إلا أننا سنغض الطرف عن ذلك مؤقتا، لنركّز على جانبٍ واحد فقط، ألا وهو جانب التوحيد الذي تضافرت جهود الأنبياء عليهم السلام جميعُهم في نشرِه وترسيخه في نفوس الناس، لنرى إن كانت دعوة هذا المدّعي للنبوّة والمعظّم عند قومه تنسجم مع سلسلة الأنبياء المباركة، أم أنها صوتٌ نشاز يمكن إدراكه بسهولة ويسر؟
لتكن إذن إطلالةً سريعةً حول عدد من قضايا التوحيد بفروعه المعروفة: الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، نستعرضها بشكل موجز، ثم ندع الحكم للعقلاء في ذلك، مع ملاحظة أن المقصود هنا هو التمثيل وليس الاستقصاء، لأن المؤاخذات على هذا الرجل كثيرةٌ جداً، ولعلها تكون هزّةً توقظ بعض المغترّين به من الصادقين المخلصين المحبّين للحقيقة. وصف الله بما لا يليق لا يجرؤ عبدٌ مؤمن فضلاً عن نبيٍّ مرسلٍ أدّبه ربّه وزكّاه وطهّره، أن يقول في ذات الله تعالى بما لا يعلم، أو أن يصفه بما لا يليق؛ ذلك أن ربنا تعالى وتقدّس قد قال في كتابه: { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} (الأعراف: 33)، {سبحان الله عما يصفون} (المؤمنون: 91).
فهل يُدرك ميرزا القادياني ذلك؟ لسانه حالِه ينفي ذلك، فإننا نراه يؤكّد –بطبيعة الحال- أنه يُوحى إليه، فكان مما ذكر مخاطبة ربّه له بهذه المقولة: " أنت مني بمنزلة عرشي، أنت مني بمنزلة ولدي" (كتاب الإستفتاء، ص: 107) ! منذ متى كان الأنبياء ينسبون لله الولد والعياذ بالله؟ والأنكى من ذلك قولُه: "أنت مني بمنزلة أولادي، أنت مِني وأنا منك" !! ( كتاب تذكرة، ص: 345)، تعالى الله عن ذلك: { قل هو الله أحد* الله الصمد* لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفواً أحد} (سورة الإخلاص).
ومن رديء ما ادّعاه ادعاؤه أن ربّه قد قال له –ونعوذ بالله مما نسبَه
إليه- : "إني مع الافواج آتيك بغتة، إني مع الرسول أُجيب، أُخطيء وأُصيب"
(كتاب الاستفتاء، ص: 112) وأقبحُ منها: "إني مع الرسول أقوم وأصلي وأصوم"
(كتاب تذكرة، ص: 378)، فهل يدّعي ذلك أحدٌ شمّ رائحة التوحيد أو قدر الله
حقّ قدرِه؟.
قدرة الميرزا على الخلق
أبسط أبجديات الدين هو توحيد الله تعالى في أفعالِه، فلا يخلق و لايرزق
إلا الله، حتى المشركون وهم في ذروة شركِهم ما كانوا ينازعون في توحيد الله
في ربوبيّته، أليس ذلك ما نجدُه في القرآن؟: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله}
(يونس: 31)، في حين لا يستنكف الميرزا أن يدّعي قدرتَه على الخلق، مبرّراً
أن الله قد أمكنه من ذلك، فقد قال: " أُعطيت صفة الإخفاء والإحياء من الرب
الفعال" (الخطبة الإلهاميّة، ص:7-8) ونسب إلى الله تعالى أنه خاطبَه فقال:
"إنما أمرك إذا أردت لشيء أن تقول له كن فيكون" (كتاب التذكرة، ص:164)،
فادّعى لنفسِه ما استحى أهل قريشٍ أن ينسبوه لآلهتهم!
عقيدة التجسيم
هذا الرجل مجسّمٌ بامتياز، وعلى شيء من عقيدة وحدة الوجود، نجد ذلك واضحاً
في كتبه التي ادّعى أنها وحيٌ من الله، خذ عندك وصفه الآتي: "رأيتُني في
المنام عينَ الله وتيقنت أنني هو، وأعني بعيْن الله رجوع الظل إلى أصله
وغيبوبته فيه، ونظرت إلى جسدي فإذا جوارحي جوارحه، وعيني عينه، وأذني أذنه،
ولساني لسانه،ووجدت قدرته وقوته تفور في نفسي، وأُلوهيته تتموج في روحي،
وما بقيت ذَرَّةٌ من هويّتي، والألوهيّة غلبت عليَّ غلبةً شديدة تامّة
وَجُذبت إليها من شعر رأسي إلى أظفار أرْجلي، وكانت الألوهية نفذت في عروقي
وأوْتاري وأجزاء أعصابي، وكأن الله استخدم جميع جوارحي ومَلكها بقوّة
لايمكن زيادةٌ عليها، وكنتُ أتيقّن أن جوارحي ليست جوارحي بل جوارحُ الله
تعالى، والآن لامُنازِعَ ولاشريك ولاقابض يُزاحم، دخل ربي على وجودي"!
(كتاب التذكرة، ص: 152-155)، ولئن اعتذرَ قاديانيٌ بأنها رؤيا فنقول: رؤيا
الأنبياء حقّ، فكيف يكون الحق في مثلِ هذا التجسيم ووحدةِ الوجود؟ ثم أين
هم من قولِه: "لقد رأيت الله مُتمثّلاً في الشكل الإنساني، فقال الله تعالى
لي واضعا يدَه على رقبتي: لو كنتَ لي لكان العالمُ كله لك" (مجلة التقوى
الأحمدية، المجلد 14 العددان 10 و11)، أو قولِه: "إن أكبر علامة لعلاقة أحد
مع الله تعالى هي أن تتولّد فيه الصفات الإلهية" (كتاب حقيقة الوحي، ص:
23).
اعتذار
من حق قرّائنا أن نعتذر لهم عن هذه الألفاظ الفجّة التي وردت في هذا
الموضوع، ولولا أن هذه الديانة التي لا تمس للإسلام بصلة قد صار لها في
عالمنا المعاصر امتدادات مقلقة في عددٍ من البلدان العربيّة، وصار لهم نفوذ
وقنوات فضائية وحضور مشهود في العوالم الغربيّة، لما سطّرنا ذلك، ولعلها
صرخة نذير للمسلمين من شرٍّ قد اقترب، ونداء لمعتقدي هذه الديانة كي يجيبوا
عن هذه التساؤلات ويقارعوا الحجة بالحجة، والهداية من الله.