الرد على شبهة : متوفيك مميتك.
الرد على شبهة : متوفيك مميتك.
استدلت القاديانية : بالحديث المعلق في كتاب البخاري عن ابن عباس : متوفيك مميتك.
على أن المسيح - عليه السلام - قد مات.
والجواب على هذه الشبهة وردها :
أولا : هذه الرواية عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وردت في البخاري معلقة بلا إسناد، والأحاديث المعلقة في البخاري ليست على شرط البخاري كما هو حال الأحاديث المسندة في البخاري.
وهذه أقوال العلماء في حكم الأحاديث المعلقة في البخاري :
قال ابن حجر رحمه الله : " وأما ما لا يلتحق بشرطه، فقد يكون صحيحا على شرط غيره، وقد يكون حسنا صالحا للحجة، وقد يكون ضعيفا لا من جهة قدح في رجاله بل من جهة انقطاع يسير في إسناده " . [هدي الساري مقدمة صحيح البخاري لابن حجر ص 17].
وقال أيضا في تغليق التعليق : " وأما ما لم يخرجه فيحتمل أن يكون له علة خفية من انقطاع أو اضطراب أو ضعف راو، وخفي ذلك على من صححه ". [تغليق التعليق لابن حجرص جز2 ص 11].
وقال زين الدين العراقي رحمه الله :"إن شرط البخاري أن سمى كتابه المسند الصحيح،والصحيح هو ما فيه من المسند دون ما لم يسنده". [التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح للعراقي ص 90].
وقال ابن القطان رحمه الله :" إن البخاري فيما يعلق من الأحاديث في الأبواي غير مبال بضعف رواتها ، فإنما هي غير معدودة فيما انتخب ، وإنما يعد من ذلك ما وصل الأسانيد به ، فاعلم ذلك". [المصدر السابق].
وقال الصنعاني رحمه الله :" إذا عرفت هذا عرفت أن تعاليق البخاري لا يتم الحكم على المروي منها بشيء من الصحة ولا الحسن ولا الضعف إلا بعد الكشف والفحص عن حال ما علقه ". [توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار ج1 ص 132].
ثانيا : هذه الرواية عن ابن عباس وصلها ابن حجر وأبو جعفر الطبري وفيها علي بن أبي طلحة ولم يسمع من ابن عباس فهي مرسلة ضعيفة.
قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله: " وقال ابن عباس متوفيك مميتك قال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا أبو صالح ثنا معاوية عن علي عن ابن عباس بهذا ". [تغليق التعليق ج4 ص206].
وقال ابن حجر العسقلاني رحمه الله : "علي بن أبي طلحة سالم مولى بني العباس سكن حمص أرسل عن بن عباس ولم يره من السادسة صدوق قد يخطىء مات سنة ثلاث وأربعين". [تقريب التهذيب ص 402].
وقال صلاح الدين العلائي رحمه الله : " علي بن أبي طلحة: قال دحيم لم يسمع التفسير من بن عباس ". [جامع التحصيل في أحكام المراسيل ص 240].
ثالثا : لو فرضنا صحة هذه الرواية، فهي لا تفيد القاديانية، لأن هناك عدة تفسيرات للتوفي بحق عيسى - عليه السلام - منها التقديم والتأخير. أي : ومتوفيك بعد إنـزالي إياك إلى الدنيا.
قال الطبري - عليه رحمة الله - في تفسيره :
١- فقال بعضهم : " هي وفاة نَوْم "، وكان معنى الكلام على مذهبهم : إني مُنِيمك ورافعك في نومك.
٢- وقال آخرون : معنى ذلك : إذ قال الله يا عيسى إني رافعك إليّ ومطهِّرك من الذين كفروا، ومتوفيك بعد إنـزالي إياك إلى الدنيا. وقال : هذا من المقدم الذي معناه التأخير، والمؤخر الذي معناه التقديم.
٣- وقال آخرون : معنى ذلك : إني قابضك من الأرض، فرافعك إليّ، قالوا: ومعنى " الوفاة "، القبض، لما يقال: " توفَّيت من فلان ما لي عليه "، بمعنى : قبضته واستوفيته. قالوا: فمعنى قوله: " إني متوفيك ورافعك "، أي : قابضك من الأرض حيًّا إلى جواري، وآخذُك إلى ما عندي بغير موت، ورافعُك من بين المشركين وأهل الكفر بك.
٤- وقال آخرون : معنى ذلك : إني متوفيك وفاةَ موتٍ.
وبعد أن عرض ابن جرير الطبري - عليه رحمة الله - الأقوال الأربعة قال : " وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا، قولُ من قال: " معنى ذلك : إني قابضك من الأرض ورافعك إليّ"، لتواتر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ينـزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال، ثم يمكث في الأرض مدة ذكَرها، اختلفت الرواية في مبلغها، ثم يموت فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه ".
فالقول الرابع أخذت به القاديانية لأنه يوافق هواها، وهو قول ضعيف لأن الأدلة على خلافه، ولو لم تجد القاديانية قولا يوافق هواها فهي تبتدع تفسيرات وتحريفات من عندها.
وسواء كان التوفي : نوم ثم رفع، أو تقديم وتأخير، أو القبض حيا بالرفع، فهذا لا يؤثر على عقيدة رفع المسيح - عليه السلام - فالأقوال الثلاثة تثبت أصل الرفع، والقول الثالث هو الأرجح والعلم عند الله لأن الأدلة تدعمه.
رابعا : لقد شنع القادياني على بعض العلماء لما قالوا في ( التوفي ) أن هناك تقديم وتأخير فاتهمهم بالتحريف، وصار يفتري عليهم، يقول القادياني : " والقائلون بحياة المسيح لما رأوا أن الآية الموصوفة تُبيّن وفاته بتصريح لا يُمكن إخفاؤه، جعلوا يؤوّلونها بتأويلات ركيكة واهية، وقالوا إن لفظ التوفي في آية: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ... كان مؤخَّرا في الحقيقة من كل هذه الواقعات، يعني مِن رفع عيسى وتطهيره من البهتانات ببعث النبي المصدِّق وغلبةِ المسلمين على اليهود وجعلِ اليهود من السافلين، ولكن الله قدَّم لفظَ "المتوفي" على لفظ "رافعك" وعلى لفظ "مطهّرك" وغيرها مع حذف بعض الفقرات الضرورية رعايةً لصفاء نظم الكلام كالمضطرين. وكان اللفظ المذكور.. يعني: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ في آخر ألفاظ الآية، فوضَعه الله في أوّلها اضطرارا لرعاية النظم المحكم، وكان الله في هذا التأخير والتقديم من المعذورين، فلأجل هذا الاضطرار وضَع الألفاظ في غير مواضعها وجعَل القرآن عضين. والآية بزعمهم كانت في الأصل على هذه الصورة: يا عيسى إني رافعك إليَّ، ومطهّرك من الذين كفروا، وجاعلُ الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة، ثم مُنـزلك من السماء ثم متوفّيك. فانظرْ كيف يبدّلون كلام الله ويحرّفون الكلم عن مواضعها، وليس عندهم من برهان على هذا.. ". [حمامة البشرى ٤٦].
مع أن القادياني في وحيه المزعوم الذي ينسبه لله - حاشا لله - يقول بالتقديم والتأخير :
يقول القادياني : " ثم هناك وحي آخر بالإنجليزية، ولكن ترجمته ليست وحيا، ولا أعرف صحة تقديم الجمل وتأخيرها، وقد تتقدم الجمل وتتأخر في بعض الإلهامات ". [التذكرة ١١٣].
ويقول القادياني في [التذكرة ٦٠٧] ٩/٩/١٩٠٥م : " في هذا الصباح، وبعد تفكير كثير، ألقي في روعي أن الإلهامات يكون في ترتيبها تقديم وتأخير أحيانا ".
فانظر إلى أهل الدجل والكذب والهوى كيف جعل الله الإختلاف والتناقض في كلامهم، فسبحان الله رب العالمين.
خامسا : إن ابن عباس - رضي الله عنهما - نقل عنه القول برفع عيسى - عليه السلام - إلى السماء ونزوله في آخر الزمان فمن ذلك :
قال ابن عباس في حديث طويل جاء فيه:"لما أراد الله أن يرفع عيسى إلى السماء خرج إلى أصحابه وهم اثنا عشر رجلا ...". [مصنف ابن أبي شيبة رقم 31876 والسنن الكبرى للنسائي رقم 11527 قال ابن كثير : إسناده صحيح على شرط مسلم .وقال الشوكاني : رجاله رجال الصحيح].
وعن ابن عباس : "وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته"، قال: قبل موت عيسى". [ تفسير الطبري ج 9 ص 380 صححه ابن كثير وابن حجر العسقلاني وأحمد شاكر.].
سادسا : هذه الرواية الضعيفة عن ابن عباس : ( متوفيك مميتك). حتى لو افترضنا صحتها، وحتى لو افترضنا -جدلا- أنها تعني الموت، فهي ليست أقوى من أدلة :
(١) القرآن في رفع عيسى - عليه السلام - إلى السماء :
﴿إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ یَـٰعِیسَىٰۤ إِنِّی مُتَوَفِّیكَ وَرَافِعُكَ إِلَیَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَجَاعِلُ ٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِۖ ثُمَّ إِلَیَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأَحۡكُمُ بَیۡنَكُمۡ فِیمَا كُنتُمۡ فِیهِ تَخۡتَلِفُونَ﴾ [آل عمران ٥٥].
﴿وَقَوۡلِهِمۡ إِنَّا قَتَلۡنَا ٱلۡمَسِیحَ عِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِینَ ٱخۡتَلَفُوا۟ فِیهِ لَفِی شَكࣲّ مِّنۡهُۚ مَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍ إِلَّا ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّۚ وَمَا قَتَلُوهُ یَقِینَۢا * بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَیۡهِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِیزًا حَكِیمࣰا﴾ [النساء ١٥٧-١٥٨].
(٢) وأدلة القرآن في نزول عيسى :
﴿وَإِنَّهُۥ لَعِلۡمࣱ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمۡتَرُنَّ بِهَا ﴾ [الزخرف ٦١].
﴿وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ إِلَّا لَیُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ یَكُونُ عَلَیۡهِمۡ شَهِیدࣰا﴾ [النساء ١٥٩].
(٣) والأحاديث المتواترة عن كثير من الصحابة - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في نزول عيسى بن مريم - عليه السلام-.
وأخيرا : إن القادياني قد كذب عندما قال :
" جاء في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في معنى التوفي شرح واضح فقال : متوفيك: مميتك وتبعه سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم، ولم يشد أحد منهم بخلاف، فأي دليل يكون أوضح من هذا إن كان رجل من الطالبين". [حمامة البشرى للغلام القادياني 125].
فقد كذب لأن :
١- جمع من الصحابة - رضي الله عنهم - نقلوا لنا أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في نزول عيسى - عليه السلام - في آخر الزمان.
٢- ولأن الصحابة - رضوان الله عليهم - نقلت عنهم أحاديث موقوفة في رفع عيسى ونزوله - عليه السلام - آخر الزمان.
٣- وكذب لأن ابن عباس - رضي الله عنهما - نقل عنه القول برفع عيسى ونزوله - عليه السلام -.
٤- وكذب لأن التابعين - رحمهم اللهم - نقل عنهم القول برفع عيسى ونزوله - عليه السلام -.
فانظر كيف في نص واحد كذب أربع كذبات.
بل هذا الرجل - القادياني - دجال من أكذب الناس فهو نفسه قال :
"إن بعض الصحابة من قليلي التدبر الذين لم تكن لهم دراية جيدة - مثل أبي هريرة – كانوا يظنون نظرا إلى نبوءة مجيء عيسى الموعود أن عيسى عليه السلام سيعود بنفسه كما كان أبو هريرة واقعا في هذا الخطأ منذ البداية ، وكان يخطئ في أمور كثيرة بسبب بساطته وضعف درايته . فقد أخطأ أيضا في نبوءة دخول صحابي في النار وكان يستنتج من الآية: "وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ"معنى خاطئا يبعث السامع على الضحك لأنّه كان يريد أن يثبت من هذه الآية أن الجميع سيؤمنون بعيسى قبل وفاته". [حقيقة الوحي للغلام القادياني ص 40].
فانظر كيف يقر أن أبو هريرة - رضي الله عنه - يؤمن بنزول عيسى - عليه السلام - ثم انظر كيف ينتقص منه ويتحدث عنه بسخرية.
هذا والعلم عند الله إنه بكل شيء عليم.
والحمد لله رب العالمين.
الكاتب: أبوعبيدة العجاوي