الرد على شبهة :  فَلَمَّا تَوَفَّيۡتَنِي كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيۡهِمۡ

الرد على شبهة :  فَلَمَّا تَوَفَّيۡتَنِي كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيۡهِمۡ

الرد على شبهة :  فَلَمَّا تَوَفَّيۡتَنِي كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيۡهِمۡ


كتبه: أبوعبيدة العجاوي.

استدلت القاديانية على موت المسيح -عليه السلام- بالتوفي في قوله تعالى : { إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ يَٰعِيسَى ٱبۡنَ مَرۡيَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالَ سُبۡحَٰنَكَ مَا يَكُونُ لِيٓ أَنۡ أَقُولَ مَا لَيۡسَ لِي بِحَقٍّۚ إِن كُنتُ قُلۡتُهُۥ فَقَدۡ عَلِمۡتَهُۥۚ تَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِي وَلَآ أَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِكَۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّٰمُ ٱلۡغُيُوبِ مَا قُلۡتُ لَهُمۡ إِلَّا مَآ أَمَرۡتَنِي بِهِۦٓ أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمۡۚ وَكُنتُ عَلَيۡهِمۡ شَهِيدٗا مَّا دُمۡتُ فِيهِمۡۖ فَلَمَّا تَوَفَّيۡتَنِي كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيۡهِمۡۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ إِن تُعَذِّبۡهُمۡ فَإِنَّهُمۡ عِبَادُكَۖ وَإِن تَغۡفِرۡ لَهُمۡ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ * قَالَ ٱللَّهُ هَٰذَا يَوۡمُ يَنفَعُ ٱلصَّٰدِقِينَ صِدۡقُهُمۡۚ لَهُمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ }. (المائدة ١١٦-١١٩).

وبالحديث النبوي : " ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ : أَصْحَابِي. فَيُقَالُ : إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ. فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ : { وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } إِلَى قَوْلِهِ : { الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ". (البخاري).

قالت القاديانية : إن لفظ التوفي في الآيات يعني الموت، وإن عيسى عليه السلام في جوابه أنه كان رقيبا شهيدا على قومه، وأنه لم يفارق قومه إلا بالموت في قوله : ( وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ) والمسيح لم يعلم أبدا أن النصارى كفروا وضلوا بعد أن فارقهم، واتخذوه إلها، فلو كان رجوعه من السماء محتملا لعلم ضلالهم وكفرهم واتخاذهم إياه إلها.

وقالت القاديانية : فكما أن الإرتداد حصل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كذلك حصل بعد وفاة عيسى عليه السلام فلو سلمنا أن المسيح حي في السماء بجسده العنصري ثم ينزل منها ويشاهد بنفسه أن النصارى اتخذوه إلها، فلا شك أن جوابه المذكور في الآية يوم القيامة كذبا وخلاف الحقيقية، ولا يمكن لنبي أن يكذب أمام الله يوم القيامة.

والجواب :

أولا : أحد الأقوال في هذا الخطاب بين الله وعيسى - عليه السلام - كان بعد الرفع إلى السماء، فإن كان هذا القول هو الحق والصواب، فيكون المسيح - عليه السلام - علم بردة النصارى بعده.

ثانيا : أن رفع المسيح إلى السماء لا يعني أنه بعد رفعه لا يعلم أن النصارى ضلوا وكفروا، ففي حديث المعراج ومقابلة نبينا - عليه الصلاة والسلام - للأنبياء - عليهم السلام - يمكن الاستدلال به - والله أعلم - على علم الأنبياء ببعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو بعدهم في البعثة، فبالتالي : وجود عيسى في السماء الآن حيا لا يعني أنه لا يعلم أن النصارى ارتدوا وضلوا وكفروا بعده.

ثالثا : إن سؤال الله - جل وعلا - لعيسى - عليه السلام - ليس ( هل تعلم أن النصارى اتخذوك إلها ) بل السؤال من الله لعيسى : { ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ }. وجواب عيسى هو : { سُبۡحَٰنَكَ مَا يَكُونُ لِيٓ أَنۡ أَقُولَ مَا لَيۡسَ لِي بِحَقٍّۚ إِن كُنتُ قُلۡتُهُۥ فَقَدۡ عَلِمۡتَهُۥۚ تَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِي وَلَآ أَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِكَۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّٰمُ ٱلۡغُيُوبِ }. وهذا الكلام لا يعني أنه لا يعلم أن النصارى ارتدوا وضلوا وكفروا بعده.

رابعا : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشبه توفيه بتوفي عيسى - عليه السلام - كما تحاول القاديانية الإيهام بذلك، بل مشابهة قوله لقول عيسى - عليه السلام -.

خامسا : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أن هناك من ارتد بعده، ( بدليل أنه أخبرنا بذلك - كما في الحديث - )، فبالتالي : تطابق قول محمد وعيسى - عليهما الصلاة والسلام - لا يعني أنهما لا يعلمان بالإرتداد بعدهما.

سادسا : جواب عيسى : { إِن كُنتُ قُلۡتُهُۥ فَقَدۡ عَلِمۡتَهُۥۚ تَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِي وَلَآ أَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِكَۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّٰمُ ٱلۡغُيُوبِ }. فالله يسأل - وهو أعلم من المسؤول - كما في سؤاله للملائكة - عليها السلام - عن أهل الذكر، وسؤاله لموسى - عليه السلام - عن العصا، فهذا الجواب ليس كذبا وليس خلاف الحقيقة، بل هو الصدق والحقيقة لأن الله محيط بكل شيء علما، علام الغيوب، وأي شيء معين يعلمه الإنسان فهو علم محدود، لا كعلم الله به لا تخفى عليه خافية.

سابعا : لو فرضنا -جدلا- أن كلام عيسى - عليه السلام - خلاف الحقيقة كما تزعم القاديانية، فإن الله قال : { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ۖ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ }. مع أنهم يعلمون ماذا أجابت أقوامهم، ولكن ذكر المفسرون أسبابا لذلك : منها هول يوم القيامة، ومنها لا علم لنا إلا ما علمتنا، ومنها لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا.

ورجح الطبري القول الثالث - والعلم عند الله - : " وأولى الأقوال بالصواب، قولُ من قال: " معناه : لا علم لنا، إلا علم أنت أعلم به منّا ", لأنه تعالى ذكره أخبر عنهم أنهم قالوا: " لا علم لنا إنَّك أنتَ علام الغيوب " ، أي: إنك لا يخفى عليك ما عندنا من علم ذلك ولا غيره من خفيِّ العلوم وجليِّها. فإنما نَفى القومُ أن يكون لهم بما سُئلوا عنه من ذلك علم لا يعلمه هو تعالى ذكره لا أنَّهم نَفَوا أن يكونوا علموا ما شاهدُوا. كيف يجوز أن يكون ذلك كذلك، وهو تعالى ذكره يخبر عنهم أنَّهم يُخْبرون بما أجابتهم به الأمم ".

ثامنا : عياذا بالله الإله، هذا نص طويل للقادياني (التذكرة ٢١٦). ذكر فيه القادياني أن الله أعلم المسيح - عليه السلام - ماذا فعل النصارى : 

" (أ): لقد كُشف عليّ أن عيسى عليه السلام قد أُخبرَ بهذه الريح السامة التي هبّت في العالم بسبب الأمة المسيحية، فتحركتْ روحُه للنـزول الروحاني وهاجت، وتمنّتْ أن يكون له نائب ومثيل في الأرض يماثله تمامًا في طبعه كأنه هو لِما رأى أنّ أمته هي أساس الفساد المدمِّر. فأعطاه الله تعالى بحسب الوعد مثيلاً نزلتْ فيه عزيمةُ المسيح وسيرتُه وروحانيته، وحصل بينه وبين المسيح اتصال شديد كأنهما قطعتانِ من جوهر واحد، واتخذت توجّهاتُ المسيح قلبَه مستقرًّا لها، وأرادت أن تُتمّ إرادتها من خلاله، فبهذا المعنى عُدَّ شخصه شخصَ المسيح، ونزلتْ فيه إراداتُ المسيح الهائجة التي عُدَّ نزولها نزولَ المسيح في الاستعارات الإلهامية ". (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية، مجلد 5، ص 254-255).

" (ب): وكما كُشف عليّ فقد كانت روح المسيح عليه السلام في هياج وحماس لكي تنـزل نزولاً تمثيليًا لما أُلصقَ به من افتراءات في هذا الزمن، وكانت تتوسل إلى الله تعالى لنـزولها التمثيلي هذا في هذا العصر، فنظر الله تعالى إلى هياجه هذا وأرسل مثيلَه في الدنيا ليتحقق الوعد الذي وعده من قبل…

لقد واجهَ المسيح عليه السلام حالتين طلبتْ روحه فيهما شخصًا يقوم مقامه، فأولاً عندما انقضى على وفاته ست مئة سنة، وأصرّ اليهود بشدة على قولهم إنه -والعياذ بالله- مفترٍ وكذاب وولد حرام، ومن أجل ذلك قد صُلب، بينما غالى المسيحيون في قولهم إنه إله وابن إله، وأنه قد ضحّى بحياته على الصليب من أجل نجاة العالم... هاجت روحُ المسيح بإعلام من الله وأرادت تبرئة ساحته من هذه التهم كلها، وطلبتْ من الله تعالى بعثةَ شخص يقوم مقامه. فبُعث نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم... وكان هذا هو الهيجان الأول لروح المسيح، الذي ظهر متمثلاً في بعثة سيدِنا ومسيحِنا خاتَمِ الأنبياء صلى الله عليه وسلم. فالحمد لله.

ثم هاجت روحانية المسيح ثانية عندما تفشى الدجلُ في النصارى بوجه أتم وأكمل... فجاشت روحانية عيسى عليه السلام عندها ثانية، وأراد أن ينـزل إلى الدنيا مرة أخرى على طريق التمثّل. وعندما بلغتْ رغبتُه للنـزول على سبيل التمثل ذروتَها، أرسلَ الله بحسب رغبته في هذا الزمن شخصًا هو مثالٌ لروحانيته للقضاء على الدجّال الموجود. فسُمّي هذا المثيل مسيحًا موعودًا متصفًا بصفة المسيح عليه السلام... وكان نزول المسيح نفسه ضروريًا نظرًا إلى الفتن الحالية؛ لأن أمة المسيح عليه السلام هي التي فسدت، وفي قومه انتشر الدجل، فكان حريًّا أن تهيج روحانيته هو الآن. 

وهذه هي المعرفة الدقيقة التي انكشفت عليّ بالكشف.

وكُشف عليّ أيضا أن مِن المقدّر أن ينتشر الفساد والشرك والظلم في العالم ثانيةً بعد انقضاء فترة الخير والصلاح وغلبة التوحيد، فيأكل البعض بعضًا كالديدان، ويسود الجهل، ويبدأ الناس في عبادة المسيح ثانية، وتنتشر جهالة اتخاذ المخلوق إلهًا على نطاق واسع، وستنتشر كل هذه المفاسد في الدنيا في الفترة الأخيرة من هذا الزمن الأخير على يد الديانة المسيحية، وعندها تهيج روحانية المسيح هيجانًا مرةً ثالثة، وتقتضي نزولَها نزولاً جلاليًّا، فتنـزلُ في صورة مثيلٍ له قاهرٍ، وينتهي ذلك الزمن، وعندها تكون النهاية ويُطوى بساط العالم.

لقد تبين من ذلك أن المقدر لروحانية المسيح عليه السلام أن تنـزل إلى الدنيا ثلات مرات جراءَ تصرفات أمته الخاطئة ". (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية، مجلد 5، ص 341-346)

تاسعا : يقول القادياني : " لقد أوحيت إلى جملة " إني متوفيك ورافعك إلي ". بكثرة لا يعلمها إلا الله، فأحيانا يبدأ الوحي بهذه الجملة بعد منتصف الليل ويستمر حتى الفجر ". (التذكرة ٩٧).

فالمفروض أن يموت القادياني بسبب هذا الوحي لأن معنى متوفيك حسب فهم القاديانية : مميتك. 

وهكذا نسف القادياني شبهة جماعته وما قالت وهدمها هدمها.

وهذه هي "القاديانية" مجموعة خرابيط وتناقضات وأباطيل وافتراءات يهدم بعضها بعضا.

وسبحان الله العليم.

ولله الحمد والشكر.