الرد على شبهة خلت بمعنى ماتت

الرد على شبهة خلت بمعنى ماتت

الرد على شبهة خلت بمعنى ماتت

الكاتب: أبوعبيدة العجاوي

استدلت القاديانية على موت الأنبياء جميعا بقوله - تعالى -

{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ }. (آل عمران ١٤٤).

{ مَّا ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ مَرۡیَمَ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ }. (المائدة ٧٥).

قالت القاديانية : إن كلمة ( خلت ) في هذه الآيات تعني ماتت، وادعت إجماع الصحابة على موت جميع الأنبياء عندما تلى أبو بكر الصديق على الصحابة - رضي الله عنهم - قوله تعالى : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ }.

والجواب بعد أعوذ بوجه الله العظيم : 

أولا : إن معنى كلمة ( خلت ) في الآيات لا تعني ماتت بل ( مضت )، وفي (لسان العرب) : " وخلا الشيء خلوا : مضى . وقوله تعالى : وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ؛ أي مضى وأرسل . والقرون الخالية : هم المواضي " .

ثانيا : هذه الآيات لها نظائر في القرآن بمعنى ( مضت )، كقوله تعالى : { وَإِن مِّنۡ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِیهَا نَذِیرࣱ }. (فاطر ٢٤). فلا يقال مات فيها نذير، بل مضى وأرسل فيها نذير. وكقوله تعالى : { وَإِذَا خَلَوۡا۟ عَضُّوا۟ عَلَیۡكُمُ ٱلۡأَنَامِلَ مِنَ ٱلۡغَیۡظِۚ }. (آل عمران ١١٩). فلا يقال إذا ماتوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ، بل إذا مضوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ.

ثالثا : إن القادياني إستعمل نفس الكلمة للدلالة على المضي فمن ذلك :

" ما كان نزول بشر من السماء من سنن الله وإن كان فأتوا بنظير من قرون خالية، إن كنتم من المهتدين وما كان فينا من واقع إلا خلا له نظير من قبل ". (الخزائن الروحانية ج ٥ ٣٨٠-٣٨١).

" لقي نبينا صلى الله عليه وسلم كل نبي خلا من قبله في ليلة المعراج في السماوات ". (حمامة البشرى ٦٦).

رابعا : هذا نص تعريب القاديانية لكتاب حقيقة الوحي استعملوا كلمة خلت للدلالة على الأزمنة الماضية الخالية، وواضح من النص أنه يتحدث عن الأزمنة :

" أما إذا كان هناك زمن من الأزمنة الخالية لم يوجد فيه إلا العميان ولم يكن يوجد أحد من أصحاب العيون لكان للعميان فرصة كبيرة للإنكار والمحاججة، بل أظن أن النجاح سيكون حليف العميان لأن الذي يتحدث عن أحداث مزعومة وقعت في الأزمنة الغابرة فحسب ولا يقدر على أن يثبت لأحد تلك القدرات والكمالات التي يدعيها، ويقول بأنه قد خلا زمن تلك القدرات والكمالات ". (حقيقة الوحي ١٢). 

خامسا : إن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - احتج بقوله تعالى :  { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ }. على موت النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن تكملة الآية : { أَفَإِی۟ن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰۤ أَعۡقَـٰبِكُمۡۚ وَمَن یَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِ فَلَن یَضُرَّ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔاۗ وَسَیَجۡزِی ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِینَ }. فاستدل بهذه الآية على موت نبينا محمد، لا على موت المسيح - عليه السلام - وموت النبي - عليه الصلاة والسلام - لا يعني التراجع كما جاء في الآية العظيمة، ولذلك قال - رضي الله عنه - : " فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ ". (البخاري). 

والحقيقة : أن القاديانية تلبس على البسطاء بهذه الآية أن خلت تعني ماتت، فهذه الآية نزلت في حياة النبي - عليه الصلاة والسلام - [ لاحظ في حياته قبل موته بسنوات ] وهذه الآية تجوز عليه الموت أو الشهادة قبل أن يموت، كغيره من الأنبياء - عليهم السلام - منهم من مات ومنهم من استشهد، وهي تحثهم على عدم التراجع، ولذلك قال الله : { أَفَإِی۟ن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰۤ أَعۡقَـٰبِكُمۡۚ وَمَن یَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِ فَلَن یَضُرَّ ٱللَّهَ شَیۡـࣰٔاۗ وَسَیَجۡزِی ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِینَ }. ثم قال الله بعدها في السابقين : { وَكَأَیِّن مِّن نَّبِیࣲّ قَـٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّیُّونَ كَثِیرࣱ فَمَا وَهَنُوا۟ لِمَاۤ أَصَابَهُمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا۟ وَمَا ٱسۡتَكَانُوا۟ۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِینَ }. (آل عمران ١٤٦). 

وما جرى بين أبي بكر الصديق والصحابة - رضوان الله عليهم - لم يذكر فيها أن المسيح - عليه السلام - قد مات، ولم ينقل فيها أجماع كما تزعم القاديانية، وإنما القاديانية توهم وتلبس على الناس.

سادسا : والدليل على أن الصحابة - رضي الله عنهم - لا يعتقدون بموت المسيح عيسى - عليه السلام -، رواياتهم لأحاديث نزول عيسى في أخر الزمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذه الروايات كثيرة ومتواترة، بل وهناك أحاديث موقوفة من أقوال الصحابة أن المسيح لم يمت.

وكل هذه المرويات عن الصحابة - رضي الله عنهم - المرفوعة والموقوفة، التي تقول برفعه وحياته ونزوله، نزول عيسى بن مريم ذاته، لا شبيهه ولا مثيله ولا أحد غيره.

سابعا : أما استدلال القاديانية بقوله تعالى : { مَّا ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ مَرۡیَمَ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ }. فهذا الآية لم تأت في سياق إثبات الموت بحق المسيح - عليه السلام - كما تكذب القاديانية، بل جاءت في سياق إبطال القول بألوهيته - عياذا بالله سبحانه - وفي سياق إبطال التثليث - عياذا بالله - وفي إثبات أن المسيح - عليه السلام - رسول كغيره من الرسل الذي - ارسلوا وخلوا ومضوا - وأنه هو وأمه - عليها السلام - فقيران محتاجان لله الغني يأكلان الطعام، وها هو السياق بالكامل :

{ لَقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ مَرۡیَمَۖ وَقَالَ ٱلۡمَسِیحُ یَـٰبَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ رَبِّی وَرَبَّكُمۡۖ إِنَّهُۥ مَن یُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدۡ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِ ٱلۡجَنَّةَ وَمَأۡوَىٰهُ ٱلنَّارُۖ وَمَا لِلظَّـٰلِمِینَ مِنۡ أَنصَارࣲ * لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَـٰثَةࣲۘ وَمَا مِنۡ إِلَـٰهٍ إِلَّاۤ إِلَـٰهࣱ وَ ٰ⁠حِدࣱۚ وَإِن لَّمۡ یَنتَهُوا۟ عَمَّا یَقُولُونَ لَیَمَسَّنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمٌ * أَفَلَا یَتُوبُونَ إِلَى ٱللَّهِ وَیَسۡتَغۡفِرُونَهُۥۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ * مَّا ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ مَرۡیَمَ إِلَّا رَسُولࣱ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُۥ صِدِّیقَةࣱۖ كَانَا یَأۡكُلَانِ ٱلطَّعَامَۗ ٱنظُرۡ كَیۡفَ نُبَیِّنُ لَهُمُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ ثُمَّ ٱنظُرۡ أَنَّىٰ یُؤۡفَكُونَ }. (المائدة ٧٢-٧٥).

قال ابن كثير في تفسيره : " { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ }. أَيْ : لَهُ سَويَّة أَمْثَالِهِ مِنْ سَائِرِ الْمُرْسَلِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَرَسُولٌ مِنْ رُسُلِهِ الْكِرَامِ، كَمَا قَالَ : { إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ } ".

ثم قال - رحمه الله - : " وَقَوْلُهُ : { كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ }. أَيْ : يَحْتَاجَانِ إِلَى التَّغْذِيَةِ بِهِ، وَإِلَى خُرُوجِهِ مِنْهُمَا، فَهُمَا عَبْدَانِ كَسَائِرِ النَّاسِ وَلَيْسَا بِإِلَهَيْنِ كَمَا زَعَمَتْ فِرَقُ النَّصَارَى الْجَهَلَةِ ".

وقال الطبري - عليه رحمة الله - : " القول في تأويل قوله : { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ }. قال أبو جعفر: وهذا خَبَرٌ من الله تعالى ذكره، احتجاجًا لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم على فِرَق النصارى في قولهم في المسيح.

يقول : مكذِّبًا لليعقوبية في قِيلهم: "هو الله" والآخرين في قيلهم: "هو ابن الله" : ليس القول كما قال هؤلاء الكفرة في المسيح، ولكنه ابن مريم ولدته ولادةَ الأمهات أبناءَهن، وذلك من صفة البشر لا من صفة خالق البشر، وإنما هو لله رسولٌ كسائر رسله الذين كانوا قبلَه فمضوا وخَلَوْا، أجرى على يده ما شاء أن يجريه عليها من الآيات والعِبر، حجةً له على صدقه، وعلى أنه لله رسول إلى من أرسله إليه من خلقه، كما أجرى على أيدي من قبله من الرسل من الآيات والعِبر، حجةً لهم على حقيقةِ صدقهم في أنهم لله رسلٌ "وأمه صِدّيقة"، يقول تعالى ذكره وأمّ المسيح صِدِّيقةٌ… وقوله: "كانا يأكلان الطعام"، خبٌر من الله تعالى ذكره عن المسيح وأمّه : أنهما كانا أهل حاجةٍ إلى ما يَغْذُوهما وتقوم به أبدانهما من المطاعم والمشارب كسائر البشر من بني آدم، فإنّ من كان كذلك، فغيرُ كائنٍ إلهًا، لأن المحتاج إلى الغذاء قِوَامه بغيره. وفي قوامه بغيره وحاجته إلى ما يقيمه، دليلٌ واضحٌ على عجزه. والعاجز لا يكون إلا مربوبًا لا ربًّا ".

ثامنا : وربك - سبحانه - يجعل الباطل على لسان أهل الباطل، ففي (حمامة البشرى ٦٦) قال القادياني :

" أن حياة رسولنا صلى الله عليه وسلم ثابت بالنصوص الحديثية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  إني لا أُترَك ميّتًا في قبري إلى ثلاثة أيام أو أربعين باختلاف الرواية، بل أُحيا وأُرفَع إلى السماء. وأنت تعلم أن جسمه العنصري مدفون في المدينة، فما معنى هذا الحديث إلا الحياة الروحاني والرفع الروحاني الذي هو سُنّة الله بأصفيائه بعدما توفاهم ".

فلاحظ : أنه هنا أثبت الحياة الروحانية لنبينا - عليه الصلاة والسلام - بعد موته وغيره من الأنبياء.

ثم قال في الصفحة التي تليها (حمامة البشرى ٦٧) : " أعيسى حيٌّ ومات المصطفى؟ تلك إذًا قسمة ضيزى! اعدلوا هو أقرب للتقوى. وإذا ثبت أن الأنبياء كلهم أحياء في السماوات، فأيّ خصوصية ثابتة لحياة المسيح؟ أهو يأكل ويشرب وهم لا يأكلون ولا يشربون؟ ".

ولاحظ : أنه يستنكر قول من يقول أن عيسى حي، ونبينا محمد قد مات. 

ثم بعدها مباشرة في نفس الصفحة يقول : " بل حياة كليم الله ثابت بنص القرآن الكريم.. ألا تقرأ في القرآن ما قال الله تعالى عز وجل : { فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ }. وأنت تعلم أن هذه الآية نزلت في موسى، فهي دليل صريح على حياة موسى عليه السلام، لأنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأموات لا يلاقون الأحياء ".

فهو هنا يثبت لقاء نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بموسى - عليه السلام - وهذا دليل على أن موسى حي، والحجة أن الأموات لا يلتقون الأحياء.

لاحظ : أنه يثبت الحياة الروحانية لنبينا - عليه الصلاة والسلام - وقال : وهذه سنة الله بمن بصطفيهم من الأنبياء، ثم لأن نبينا إلتقى بموسى لزم أن يكون موسى حيا لأن الأموات لا يلاقون الأحياء ! وهو القائل : أعيسى حيٌّ ومات المصطفى؟ تلك إذًا قسمة ضيزى!

ثم أعاد نفس الكلام في شأن موسى في كتابه (نورالحق ٤٠) : " هذا هو موسى عليه السلام  فتَى الله، الذي أشار الله في كتابه إلى حياته، وفرض علينا أن نؤمن بأنه حيٌّ في السماء ولم يمت وليس من الميتين ".

فهذا الكلام الذي نقلناه في - النقطة الثامنة - أما أن قائله في حالة تحشيش أو سكر، وإما أنه لا يدري ما يقول !!!

وهكذا أبطل القادياني استدلال جماعته، والحمد لله رب العالمين.