الرد على بحث موت عيسى عليه السلام في صفحة القاديانية
الرد على بحث موت عيسى عليه السلام في صفحة القاديانية
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله صل الله عليه وعلى آله وأصحابه أجميعن.
لما كان معتقد القاديانية في عيسى عليه السلام هو أساس عقيدتهم الباطلة وديانتهم الفاسدة وأساس دعوتهم الكاسدة، رأيت أن أرد على بحثهم في موقعهم والذي يحاولون فيه إثبات موت عيسى عليه السلام بكل وسيلة رخيصة وتلفيق مقيت، وهو بحث متهافت ضعيف بجميع استدلالاته وأدلته ومدلولاته، لذلك أردت الرد عليه لبيان زيفه وتزييفه وبيان بترهم للنصوص والاعتماد على أقوال المبتدعة والخارجين من الدين أمثالهم.
وهذا هو رابط الموضوع على صفحتهم: https://www.islamahmadiyya.net/inner.asp?recordID=1674
ملاحظة: الذي باللون الأحمر هو قولهم والباقي هو الرد
قبل البدء بالرد عليهم أنصح بقرآءة بحثي "إثبات أن عيسى عليه السلام حي في السماء، وينزل آخر الزمان" ففيه ردود كثيرة على ماكتبوا وافتروا. وهذا هو الرابط:
https://ahmadiyyanet.wixsite.com/ahmadiyya/ithbat-nozol-essa
وأيضا لأهمية موضوع حياة عيسى عليه السلام في نسف معتقد القاديانية في نبوءة غلام أحمد القادياني فقد أفردت له عشرة أبحاث على موقعي فلتراجع ففيها الفائدة بإذن الله تعالى وهذا هو الرابط: https://ahmadiyyanet.wixsite.com/ahmadiyya/aqida-fe-essa
وقل أن أبدأ بالرد على افتراءاتهم أريد أن أضع تأصيلاً يستصحب ويستحضر في كل دليل يضعونه، ولا بد من ذكره في مناظراتهم وتأصيله حتى لا يستطيعوا قولاً ولا استدلالاً ويبهتون.
القاعدة الأولى (الأصل الأول): وهي آيات في سورة آل عمران، يقول الله تعالى:" هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)"
أخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب، أي: بينات واضحات الدلالة، لا التباس فيها على أحد من الناس. ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم فمن رد ما اشتبه عليه إلى الواضح منه وحَكَّم مُحكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى. ومن عكس انعكس، ولهذا قال تعال: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب) أي: أصله الذي يرجع إليه عند الاشتباه (وأخر متشابهات) أي: تحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل شيئا آخر من حيث اللفظ والتركيب، لا من حيث المراد .تفسير الطبري
وقالت عائشة رضي الله عنها: قرأَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ إلى قولِهِ: أُولُو الْأَلْبَابِ، فقال: فإذا رأيتُمُ الَّذينَ يجادِلون فيهِ فَهُمُ الَّذينَ عَنى اللَّهُ فاحذَروهم" رواه البخاري ومسلم.
المراد هنا أن القرآن فيه آيات متشابهة في الدلالة فهذه نرجعُها إلى المحكم أي الواضح البين الدلالة حتى لا نضل، لأن الله وصف الذين يتبعون المتشابه ويتركون المحكم أن في قلوبهم زيغ والعياذ بالله، وهذه قاعدة عظيمة في هذا الباب.
فأي استدلال للقاديانية ليس صريحاً كما سترون في هذا البحث فإنه من هذا الباب ويرد عليهم بهذه الآية، ونقول لهم اتبعوا المحكم والواضح البين الدلالة حتى لا تضلوا وتكنوا من أصحاب النار، وإننا لنعلم أن القرآن ليس فيه تعارض فكيف تتركون الآيات الواضحات وتتبعون المتشابه منه؟ لذلك أنتم تريدون الفتنة وإضلال الناس، وأيضا تتركون الأحاديث الصحيحة وتستدلون بالأحاديث الضعيفة والموضوعة على عقائدكم الفاسدة، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أنكم ضللتم عن علم واشتريتم الدنيا بالآخرة فتوبوا إلى الله خير لكم.
ونستحضر هذا أيضاً عندما يوردون تفسيراً يحتمل أكثر من معنى أو في آية تفسر في موضعها، ولكنهم ينسون ما تكون عقيدة القائل في المسألة، ومنها عندما يأتون بتفاسير لبعض العلماء أو الصحابة يظن الظان أنهم ينكرون حياة عيسى عليه السلام في السماء، لكن لو تتبعنا أقوالهم الواضحة الجلية نرى أنهم يثبتون ذلك بكلام صريح وكلمات واضحة الدلالة لا التباس فيها، فيهرعون إلى ما هو ملتبس ومتشابه من أقوالهم. فتنطبق عليهم الآية وأنهم في قلوبهم زيغ عن الحق.
ونرى بعد هذه الآية أن الله تعالى طلب من المؤمنين أن يدعوا بقولهم "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا" فمن اتبع المتشابه يكون قد أزاغ الله قلبه، ومن اتبع المحكم يكون قد وقاه الله الزيغ والضلال. لأنه الله استجاب دعاءه في هدايته من الزيغ الضلال ووقاه من اتباع المتشابه.
وفي الآية الثالثة: إقرار من المؤمنين أن الله سيجمع الناس ويحكم بينهم فيما اختلفوا فيه، ولكنهم على يقين بقعيدتهم وإيمانهم لأنهم اتبعوا المحكم ويعلمون أن الحق معهم وينتظرون هذا اليوم الذي ينصرهم الله على الكافرين الكاذبين وهو يوم القيامة، وهذا فيه تهديد لم اتبع المتشابه وترك المحكم وأنه سيحاكم عند الله تعالى ويعذب على ذلك.
القاعدة الثانية أو الأصل الثاني: أن العبرة بقول العلماء الربانيين المجمع على علمهم وعدالتهم، فلا عبرة بقول غيرهم، ولا عبرة بقول القاديانية ولا عبرة بقول متنبيهم لأننا لا نُقر أنه نبي بل نؤمن ونجزم أنه دجال فلا عبرة بقوله أو قول جماعته في أي تفسير أو تأويل، بل العبرة بقول الصحابة وإجماع الأمة، وقد أجمعت الأمة على أن عيسى عليه السلام حي في السماء وسينزل آخر الزمان، وأجمع الصحابة على ذلك، فإذا جاؤوا لنا بأي تفسير من عندهم أو من أهل الزيغ والضلال من أمثالهم لا نعتبره، وإذا قالوا أن هذا قول العالم الفلاني منكم فاعلموا أنهم مدلسون عليه لأنهم جميعا يؤمنون بأن عيسى عليه السلام حي في السماء وسينزل آخر الزمان.
وسترى كيف يأتون بآراء أناس على ضلال عظيم وزيغ كبير ومنهم من في كتبه الكفر البواح، ولكنهم يستشهدون بأقوالهم لأنها توافق عقيدتهم الضالة، وهكذا حال أهل الضلال يستشهدون بأقوال بعضهم البعض لنصرة عقائدهم الفاسدة، فنقول لهم لا عبرة بقولهم ولا بقعيدتهم بل العبرة والمرجع هو علماؤنا المعروفون والمتفق على عدالتهم وعلمهم ومكانتهم العلية.
الأصل الثالث والأهم: أننا كمسلين موحدين على منهاج السلف الصالح، مصادرنا للاستدلال هي الكتاب، والسنة الصحيحة، والإجماع، والقياس، فنحن نؤمن بالأحاديث الصحيحة ولا ننكرها وهنالك أحاديث كثيرة تدل على أن عيسى عليه السلام حي في السماء وسينزل إلى الأرض آخر الزمان فلا حجة لهم بالأحاديث الضعيفة والموضوعة التي يوردوها. ويكفينا إجماع الصحابة رضي الله عنهم على أن عيسى عليه السلام حي في السماء وأنه ينزل من السماء آخر الزمان ويقتل الدجال، وهذه الأحاديث تشرح وتبين مراد الله تعالى في القرآن الكريم أن الله تعالى عنى بذلك رفعه حياً إلى السماء وأنه ينزل آخر الزمان.
ونستشهد عليهم بقول متنبيهم غلام أحمد: "أن كل ما يخالف الكتاب فهو كذب وإلحاد وزندقة" المصدر: روحاني خزائن 7-صفحة297-كتاب حمامة البشرى.
ويقول متنبيهم أنه يأخذ بالأحاديث الصحيحة وأن الأحاديث الضعيفة لا يحتج بها ويقول عنها: "فكيف يُتكأُ على مثل هذه الأحاديث مع شدة اختلافها وتناقضها وضعفها" المصدر: روحاني خزائن 7- صفحة 315-حمامة البشرى.
وسترى كيف يستشهدون هنا بالأحاديث الضعيفة فقط ويخالفون قول متنبيهم الدجال.
ويقول عن صحيح البخاري أنه أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل (حمامة البشرى-صفحة 314) فكيف يردون أحاديث البخاري التي تقر بنزول عيسى عليه السلام.
وغلام القاديانية يرد ويضعف أي حديث ليس في البخاري أو مسلم أو الموطأ، كما قال ذلك في كتابه "حقيقة المهدي" صفحة 455.
بل أكثر من ذلك، فإن غلام القاديانية يضعف أي حديث ليس في البخاري: يقول غلام القاديانية في كتابه (إزالة أوهام): "هذا الحديث أورده الإمام مسلم في صحيحه، و لكن قد تركه رئيس المحدَّثين الإمام محمد بن اسماعيل البخاري معتبرا اياه ضعيفاً".
والآن أبدأ بالرد على ما جاء على موقعهم الرسمي من أن عيسى عليه السلام قد مات وانتهى أمره.
أبدأ وبالله التوفيق.
وأسأله أن يهدي القاديانية إلى الحق.
قولهم: دعوا عيسى عليه السلام يَمُتْ ليحيا الإسلام:
هذا القول منهم لا دليل عليه، فلم نر أن النصرانية انتشرت بسبب ذلك، لأن عقيدة المسلمين في عيسى عليه السلام هي أنه بشر وليس إله، وأنه حي في السماء، وسينزل آخر الزمان على دين محمد صلى الله عليه وسلم، ويقتل الدجال، ويضع الجزية إلى آخر ما يقوم به من أمور، وكل ذلك ليس له أثر في تَنصُّرِ المسلمين، بل كان لغلام أحمد القادياني وعائلته الأثر الأكبر في تحول الناس إلى النصرانية وترك الإسلام، بل وأعانوا النصارى والهندوس على المسلمين في قتالهم والعياذ بالله.
راجع الأبحاث التالية في موقعي:
بحث ولاؤه للبريطان: https://ahmadiyyanet.wixsite.com/ahmadiyya/walaa-br
بحث علاقته بالهندوس: https://ahmadiyyanet.wixsite.com/ahmadiyya/qa-hind-rela
وأيضاً هذه العقيدة التي هي أن عيسى عليه السلام حي في السماء الذي قالها هو نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، واعتقدها الصحابة والتابعون وتابعيهم ولم نر أي نصر للنصارى على الإسلام في ذلك الزمان بسبب ذلك، بل إن النصارى واليهود دخلوا الإسلام وأقروا بعقيدة رفع عيسى عليه السلام حياً ومنهم عالمهم وملكهم وكبيرهم ملك الحبشة النجاشي رحمه الله تعالى، فلما سمع من جعفر رضي الله عنه عقيدة المسلمين في عيسى عليه السلام بكى وآمن ولما مات صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، فلا حجة لهم أن هذه العقيدة نَصَرت النصارى، بل إن كثيراً من النصارى على مر الزمان وخاصة هذه الأيام يدخلون الإسلام وهذا مشاهد.
قولهم:
"فإن الصعود واستمرار الحياة في السماء لا دليل عليهما لا من القرآن الكريم ولا من الحديث الشريف مطلقاً".
هنالك آيات كثيرة تدل على نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان وأنه حي في السماء، وقد ذكرت معظمها في بحثي المشار إليه أعلاه، وسأورد هنا ثلاث آيات فقط وذلك لنسف قول هؤلاء الجهلة الذين لا يقرؤون. -رغم أن غلام أحمد القادياني يعتبر موسى عليه السلام حي في السماء. أضغط هنا-. فلماذا يجوز في حق موسى عليه السلام أن يكون حي في السماء ولا يجوز ذلك في حق عيسى عليه السلام؟!!!.
الآية الأولى: قال تعالى: ((وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ )) سورة الزخرف – آية 61.
قال ابن حبان في صحيحه: ذكر البيان بأن عيسى ابن مريم من أعلام الساعة: أخبرنا محمد بن الحسن بن الخليل، حدثنا هشام بن عمار، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا شيبان بن عبد الرحمن، عن عاصم، عن أبي رزين، عن أبي يحيى مولى ابن عفراء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:((وإنه لعلم للساعة)) قال: (نزول عيسى ابن مريم من قبل يوم القيامة).
الآية الثانية: قال تعالى: ((إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا)) سورة المائدة – آية 110.
ذهب جمهور المحدّثين والمؤرخين إلى أن عيسى عليه السلام رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، وأنه سيمكث في الأرض إذا نزل أربعين سنة كما جاء في الحديث الصحيح.
قال الحسن بن الفضل: وفي هذه الآية نص في أنه عليه الصلاة والسلام سينزل إلى الأرض. وقال أيضا: أن المراد بقوله: ((كهلاً)) أن يكون كهلاً بعد أن ينزل من السماء في آخر الزمان ويكلم الناس ويقتل الدجال.
روي ابن جرير في تفسير الآية الأولى: قال: حدثني يونس، أخبرنا ابن وهب، قال: سمعته –يعني ابن زيد- يقول في قوله: ((ويكلم الناس في المهد وكهلاً)) قال: قد كلمهم عيسى في المهد، وسيكلمهم إذا قَتل الدجال وهو يومئذ كهل.
وقول ابن جرير هو قول عامة أهل التفسير، حيث يجعلون هذه الآيات دليلاً على نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان، وهذا هو الحق الذي لا مريه فيه، فإن قوله سبحانه: ((وكهلاً)) معطوف على متلعق الظرف قبله داخل معه في حكمه، والتقدير: ويكلم الناس طفلاً في المهد ويكلمهم كهلاً، فإذا كان كلامه في حالة الطفولة عقب الولادة مباشرة آية، فلا بد أنّ المعطوف عليه وهو كلامه في حال الكهولة كذلك-أي يكون آية-، وإلا لم يُحْتَجْ إلى التنصيص عليه؛ لأن الكلام من الكهل أمر مألوف معتاد، فلا يحسن الإخبار به، لا سيما في مقام البشارة، بل لا بد أن يكون المراد بهذا الخبر أن كلامه كهلاً سيكون آية ككلامه طفلاً، بمعنى أنه سيرفع إلى السماء قبل أن يكتهل ثم ينزل فيبقى في الأرض إلى أن يكتهل ويكلم الناس كهلاً.
والآية الثالثة -ولن أعلق عليها كثيرا لأنها واضحة الدلالة-: قوله تعالى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء 159
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) ثم يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم ((وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)). رواه البخاري ومسلم. وفي لفظ لمسلم من رواية عطاء: ((ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد))
قال ابن جرير: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) يعني قبل موت عيسى عليه السلام، يوجه ذلك إلى أن جميعهم يصدقون به إذا نزل لقتل الدجال، فتصير الملل كلها واحدة وهي ملة الإسلام الحنيف، دين إبراهيم عليه السلام.
وذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، حدثنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وإن من أهل الكتاب إلا ليومنن به قبل موته) قال: قبل موت عيسى ابن مريم عليه السلام. صحيح ابن حجر في الفتح.
قال العوفيّ عن ابن عباس مثل ذلك.
وسأضع بعض الأحاديث الصحيحة وللمزيد راجع البحث المشار إليه أعلاه وأيضاً هذه الأحاديث أوردتها في بحث (هل فعلاً غلام أحمد القادياني هو المسيح الموعود والمهدي المسعود – 1 و2) فليراجع، ولن أعلق كثيراً هنا على الأحاديث مكتفياً بما كتبته في البحثين المذكورين.
https://ahmadiyyanet.wixsite.com/ahmadiyya/is-qulam-essa-1-c1bvq
https://ahmadiyyanet.wixsite.com/ahmadiyya/is-qulam-essa-1-c116d
وقد جاء في نزول عيسى عليه الصلاة والسلام أكثر من خمسين حديثا مرفوعا أكثرها من الصحاح والباقي غالبه من الحسان. وهذه الأحاديث في القدر المشترك بينها متواتر تواتراً معنويا يفيد القطع بثبوت مضمونها، وممن صرح بتواتر نزول عيسى عليه السلام، العلامة الطبري، والنووي، والقاضي عياض، وابن حجر، وابن تيمية، وابن القيم، والذهبي، وابن كثير، والعلامة الأُبّيّ، وابن عطية، وأبوحبان الأندلسي، والشوكاني، والشنقيطي، والسفاريني، والألباني والشيح أحمد شاكر، وابن باز رحمهم الله جميعاً.
الدليل الأول: عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام:" والذي نفسي بيده ليوشكنّ أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة خيرا من الدنيا وما فيها".
وفيه من طريق آخر:" كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم"
أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء في نزول عيسى عليه السلام.
ورواه مسلم في آخر كتاب الإيمان في باب نزول عيسى ابن مريم حاكماً بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم، وكذلك رواه أحمد.
وفي تبويب الشيخان البخاري ومسلم، دليل على جزمهما بنزول عيسى عليه السلام آخر الزمان، وهذا الحديث اتفق عليه الشيخان، ومعلوم عند كل مسلم أن ما اتفق عليه الشيخان يعتبر أصح الكلام بعد كتاب الله عز وجل وأوثقه. بل وهو من أصح الأحاديث عند متنبي القاديانية غلام أحمد القادياني.
يقول الشيخ الشنقيطي صاحب كتاب (زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم) بعد روايته لهذا الحديث:
"تنبيه: يجب شرعاً اعتقاد أن عيسى عليه الصلاة والسلام لا زال حياً إلى الآن، وأنه لا بد أن ينزل آخر الزمان حاكماً بشرع نبينا عليه الصلاة والسلام، ومجاهداً في سبيل الله، كما تواتر عن الصادق المصدوق، وإنما وجب اعتقاد ذلك لأن الله تعالى أخبر في كتابه العزير الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أن اليهود ما قتلوه، وأنه تعالى رفعه، كما قال تعالى: ((وما قتلوه يقينا،بل رفعه الله إليه))، وقد وردت الأحاديث المتواترة أنه ينزل في آخر الزمان حكماً عدلاً فيكسر الصليب، ويقتل الخنزيل، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، وغير ذلك من الأحاديث المصرِّحة بنزوله وبمدته حياً في الأرض بعد نزوله، ولم يصح حديث بموته تمكن معارضته لما صح بالتواتر من نزوله في آخر الزمان.
وإذا أخبر القرآن أنه رفع ولم يقتل، وبين النبي صلى الله عليه وسلم لنا أنه سينزل في آخر الزمان، وفصّل لنا أحواله بعد نزوله تفصيلا رافعاً لكل احتمال: وجب اعتقاد ذلك على كل مسلم.
ومن شك فيه فيكون كافراً بإجماع الأمة: لأنه مما عُلِمَ من الدين ضرورة بلا نزاع، وكل إيراد عليه من الملاحدة والجهلة باطل؛ لا ينبغي لكا من اتصف بالعلم أن يلتفت إليه." انتهى كلامه.
ولفظ البيهقي في "الأسماء والصفات":" كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ مِنَ السَّمَاءِ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ"، وفي هذه الرواية تكذيب للقاديانية الكافرة في دعواهم أنه لم يرد في حديث نزول المسيح ذكر لفظ "من السماء". وعند ابن حبان عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ )) سورة الزخرف آية 61. قال:"نزول عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة". وأحاديث نزول سيدنا عيسى مشهورة قريبة من التواتر هذا كلام أهل العلم والحفاظ والمحدثين.
وهذا الحديث فيه تصريح بنزول عيسى عليه السلام من السماء، ليقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف، ويفيض المال على عهده. وكما بينت سابقاً، فكل هذه الأخبار كلها متواترة، وهذا ما عليه علماء أهل السنة والجماعة.
وأيضا يدل هذا الحديث على إن عيسى عليه الصلاة والسلام إذا نزل في آخر الزمان لا يأتي بشرع جديد، ولا يحكم بالإنجيل، وإنما يحكم بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ويكون واحداً من هذه الأمة.
قال الوليد بن مسلم: فقلت لابن أبي ذئب: إن الأوزاعي حدثنا عن الزهري عن نافع عن أبي هريرة (فأمكم منكم) قال ابن أبي ذئب تدري ما أمكم منكم؟ قلت: تخبرني. قال: فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى، وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو ذر الهروي: حدثنا الجوزقي عن بعض المتقدمين قال: معنى (إمامكم منكم) أنه يحكم بالقرآن لا بالإنجيل .
وقال ابن التين: معنى قوله (وإمامكم منكم) أن الشريعة المحمدية متصلة إلى يوم القيامة، وأن في كل قرن طائفة من أهل العلم. وروى الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (إن الدجال خارج ـ فذكر الحديث وفيه. ثم يجيء عيسى بن مريم عليهما السلام مصدقا بمحمد صلى الله عليه وسلم وعلى ملته، فيقتل الدجال، ثم إنما هو قيام الساعة وقد رواه الطبراني، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح .
وروى الطبراني أيضا في الكبير والأوسط، عن عبدالله بن المغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما أهبط الله تعالى إلى الأرض منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة فتنة أعظم من فتنة الدجال. فذكر الحديث وفيه ثم ينزل عيسى بن مريم مصدقاً بمحمد صلى الله عليه وسلم، وعلى ملته إماما مهديا وحكما عدلا فيقتل الدجـال). قال الهيثمي: رجالـه ثقات، وفي بعضهم ضعف لا يضر اهـ. والحديث الذي قبله يشهد له ويقويه .
ويعضده ما أخرجه ابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "يهبط عيسى ابن مريم، فيصلي الصلوات، ويجمع الجمع" ورجاله رجال الصحيح.
فهذا صريح من أنه ينزل بشرعنا، فإن مجموع الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة لم يكونوا في غير هذه الأمة.
الحديث الثاني: (قطعة من حديث طويل): قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ) إلى باقي الحديث. رواه مسلم.
الحديث الثالث: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا) رواه مسلم.
أوردت في بحثي –المذكور أعلاه- ستة عشرة حديثاً في إثبات نزول عيسى عليه السلام وأنه حي في السماء، هذا غير الأحاديث الموجودة في الشرح، وغير آراء العلماء الثقات من علماء أهل السنة والجماعة.
قولهم: أَلِرسولِنا الموتُ والحياةُ لِعيسى؟
أنا أعتبرها عبارة تنم عن قلة الفهم، وعن صبيانية في النقاش، فهذا الكلام لا مورد له في الإساءة إلى نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، لأن محمد صلى الله عليه وسلم لا يضره ذلك ولا يحط من قدره، فالله سبحانه وتعالى رفع قدره، وليس في الموت إنحطاط في القدر وإلا لثبت ذلك في حق آدم عليه السلام ومن بعده من الأنبياء، فلا أدري ما وجه هذا الاستدلال السقيم.
وأيضاً هل يلزم من أفضلية محمد صلى الله عليه وسلم أن يؤتى ما أوتي جميع الأنبياء من قبله؟ لا يلزم ذلك، فعيسى عليه السلام كان يحيي الموتى بإذن الله، وكان لسليمان ما علمنا من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده، وكان موسى كليم الله تعالى وله العصا.
ومن ثم إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي قال في الأحاديث الصحيحة المتواترة أن عيسى عليه السلام حي في السماء وسينزل آخر الزمان.
الرد على قولهم: بعض الأدلة على وفاة عيسى عليه السلام من القرآن الكريم.
لا أرى حاجة في الرد على الآيات التي أوردوها فقط أوردت تفسير الصحابة لها وعلماء أهل السنة لها في بحثي "إثبات نزول عيسى عليه السلام" وقد وضعت الرابط في بداية هذا الرد فليراجع.
ولكن أريد الرد على بعض إقوالهم:
قولهم: أي أن اليهود يدّعون بأنهم قد قتلوا المسيح صلبا، ولكن ما قتلوه وما صلبوه وإنما خُيّل لهم ذلك. وهذا لأن الظروف التي حصل فيها تعليقه على الصليب لم يتسنَّ لهم فيها أن يعلموا إن كان قد قُتل حقيقة على الصليب أم لا. والذي حدث أنه لم يقتل ولم يمت مصلوبا في ذلك الوقت، ولكن الله تعالى قد هيأ له الخطة التي تضمنتها الآية السابقة. وأنه بعد ذلك بوقت طويل قد تُوفي وتَحققَ رفعه مكانة أو قربا من الله على عكس ما أراد اليهود، وتحققت باقي الأنباء المتعلقة بغلبة أتباعه على اليهود.
تراهم هنا يتكلمون كلاماً غير واضح وذلك لأنهم يثبتون أن عيسى عليه السلام صلب وكذلك متنبيهم يثبت ذلك ويكذبون القرآن الكريم وقد قال الله تعالى:"وما قتلوه وما صلبوه" وهذا نفي قاطع واضح، وما أراه إلا زندقة لأنه يخالف القرآن الكريم، وذلك كما حكم به غلام القاديانية حيث قال: كل ما يخالف القرآن فهو زندقة.
أما قولهم: ثالثًا: قوله تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْله الرُّسُلُ أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ.. } آل عمران: 144
لو فرضنا معنى "خلا" اي مات فقد جاء الدليل المنفصل على أن عيسى عليه السلام مستثنى من هذا العموم، فالتخصيص بالدليل المنفصل مثل التخصيص بالدليل المتصل، فقد دلت الآيات والأحاديث الصحيحة على رفعه حياً وأنه ينزل آخر الزمان إلى الأرض ليقتل الدجال ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
وأيضا يكون معنى "خلت" أن الرسل ليست بباقة في قومها أبدا، فمحمد عليه الصلاة وسلام مات وترك قومه لكن ترك فيهم الكتاب والسنة، وعيسى عليه السلام رفع إلى السماء بجسده وترك قومه فلا تعارض أن يكون الترك إما بالموت أو الرفع إلى السماء. والمعنى من الآية أن الأديان لا تزول بموت الأنبياء.
وقال ابن كثير: اي له أسوة بهم في الرسالة وفي جواز القتل عليه.
قال القرطبي: قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: وما محمد إلا رسول كبعض رسل الله الذين أرسلهم إلى خلقه، داعيًا إلى الله وإلى طاعته، الذين حين انقضت آجالهم ماتوا وقبضهم الله إليه. يقول جل ثناؤه: فمحمد صلى الله عليه وسلم إنما هو فيما الله به صانعٌ من قبضه إليه عند انقضاء مدة أجله، كسائر رسله إلى خلقه الذين مضوْا قبله، وماتوا عند انقضاء مدة آجالهم.
قال السعدي: أي: ليس ببدع من الرسل، بل هو من جنس الرسل الذين قبله، وظيفتهم تبليغ رسالات ربهم وتنفيذ أوامره، ليسوا بمخلدين، وليس بقاؤهم شرطا في امتثال أوامر الله، بل الواجب على الأمم عبادة ربهم في كل وقت وبكل حال.
وفي هذا كفاية والله أعلم.
قولهم: ثانيًا: قوله تعالى {وَإِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهيْنِ مِنْ دُونِ الله قَالَ سُبْحَانَكَ .. * مَا قُلْتُ لهمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي به أَنِ اعْبُدُوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد} المائدة: 117-118
هذا ليس فيه اي دليل على عقيدتهم الباطلة، والرد فيه من وجوه:
الوجه الأول: أن هذا السؤال لعيسى عليه السلام يوم القيامة هو من باب شهادة الأنبياء على أقوامهم وهذا معروف لقول الله تعالى:"فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)" سورة النساء. وقول الله تعالى في سورة الأعراف: " فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)". فيشهد عيسى عليه السلام على النصارى من يوم رفعه إلى السماء إلى نزوله مرة أخرى إلى الأرض آخر الزمان أنه لم يقل لهم أن يتخذوه وأمه إلهين من دون الله.
يقول ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية: "هذا أيضا مما يخاطب الله تعالى به عبده ورسوله عيسى ابن مريم، -عليه السلام-، قائلا له يوم القيامة بحضرة من اتخذه وأمه إلهين من دون الله:(وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله)؟ وهذا تهديد للنصارى وتوبيخ وتقريع على رؤوس الأشهاد. هكذا قاله قتادة وغيره، واستدل قتادة على ذلك بقوله تعالى: (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم)" إنتهى. أي واستشهد قتادة على أن ذلك يوم القيامة من سياق الآيات، فالله سبحانه بعد إجابة عيسى عليه السلام قال: (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) فأي يوم ذلك غير يوم القيامة؟ عجيب لعيون عميت عن الحق.
الوجه الثاني: عيسى عليه السلام وهو في السماء الآن حياً هل يعلم ما يجري على الأرض، لا يعلم ذلك، وإذا قالوا نعم نطالبهم بالدليل، وإن قالوا أن عيسى قال: "فلما توفيتني" نقول فيها ما قلنا في قول الله تعالى: "أني متوفيك ورافعك إلي" وهذه مثل هذه، وهما من المتشابه الذي يرد إلى المحكم، وأيضاً عيسى عليه السلام سيموت لا محالة بعد نزوله من السماء ومكثه في الأرض ما شاء الله له أن يمكث.
قولهم: رابعًا: قول المسيح (ع) الذي ذكره القرآن الكريم: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} مريم: 34
لا دليل فيه أصلا، لأن عيسى عليه السلام سوف يموت كما يموت جميع الناس بعد أن ينزل من السماء، ويبعث كما يبعثون.
قولهم: خامسًا: قوله تعالى بخصوص الأرض { فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنها تُخْرَجُونَ} الأعراف: 26، أي أن حياة الإنسان متعلقة بالأرض..فهل المسيح (ع) مستثنى من هذه الآية ؟!!
وهذا استدلال واهٍ. أقول لهم فولادة الناس تكون من ذكر وأنثى وهل عيسى عليه السلام مستثنى من ذلك، فإذا قالوا ذلك في القرآن أن ولادته معجزة، نقول ورفعه إلى السماء حياً معجزة، وهل الله تعالى القادر الذي خلق آدم من تراب غير قادر على رفع عيسى عليه السلام إلى السماء حياً وجعله مستثنى من هذه السنة، واستثناؤه من ذلك بالآيات الأخرى الدالة على رفعه ومن ثم بالأحاديث الصحيحة الصريحة التي ينكرها هؤلاء الضالون المضلون.
بل أقول إن عيسى عليه السلام سيعود إلى الأرض ويدفن فيها إذن هو ليس مستثنى من هذه الآية فهو عاش فيها قبل رفعه وسيموت فيها بعد نزوله من السماء.
قولهم: سادسا: قوله تعالى:{ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (21) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (22)} (النحل 21-22)
لا دلالة فيها على موت عيسى عليه السلام لأن هذه السورة أي سورة النحل مكية والخطاب فيها لمشركي مكة، وليس للنصارى، وكذلك نقول فيها ما قلناه في الآية التي تسبقها فعيسى عليه السلام مستثنى من ذلك بالآيات الدالة على رفعة إلى السماء وبالأحاديث الصحيحة الصريحة في رفعه عليه السلام حياً إلى السماء وأنه ينزل آخر الزمان.
الرد على قولهم: بعض الأدلة على وفاة عيسى عليه السلام من الحديث الشريف:
قالوا: أولاً: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "إنَّ عيسى بن مريم عاش عشرين ومائة سنة." وهذا نص لا يحتمل تأويلا في موت نبي الله عيسى عليه السلام). تاريخ الفسوي (المعرفة والتاريخ) ج3، ص290 - المعجم الكبير للطبراني: ج2، ص418
هذا الحديث ضعيف ولا يصح.
ذكر السيوطي في الجامع برقم(( 7855)) ((مابعث الله نبياً إلا عاش نصف ما عاش النبي الذي كان قبله )) وعزاه لأبي نعيم في الحلية ورمز له بالضعف وعلق المناوي بقوله بإسناد واه. وضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة برقم(( 4432 )).
وجاء في فتاوى اللجنة ((وأما الحديث الذي ذكرته عن عمارة بن غزية عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان، عن أمه فاطمة بنت حسين بن علي، عن فاطمة الزهراء رضي الله عنها فغير صحيح؛ لأن رواية فاطمة بنت حسين عن جدتها فاطمة الزهراء مرسلة، ولأن محمد بن عبد الله بن عمرو مختلف في توثيقه وتضعيفه، وقد ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد عن عائشة أنها كانت تقول: « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه قال لفاطمة: إن جبريل عليه الصلاة والسلام كان يعارضه بالقرآن في كل عام مرة، وإنه عارضني بالقرآن العام مرتين، وأخبرني أنه أخبره أنه لم يكن نبي إلا عاش نصف عمر الذي قبله، وأخبرني أن عيسى ابن مريم عاش عشرين ومائة سنة، ولا أراني إلا ذاهبا على رأس الستين فبكاني ذلك». الحديث، ثم قال الهيثمي: رواه الطبراني بإسناد ضعيف، وروى البزار بعضه أيضا وفي رجاله ضعف.
قال أبو نعيم في الحلية :حدثنا القاضي ابو احمد محمد بن احمد قال ثنا الحسن بن علي بن زياد قال ثنا عبيد بن اسحاق قال ثنا كامل عن حبيب بن ابي ثابت عن يحيى بن جعدة عن زيد بن أرقم قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بعث الله نبيا إلا عاش نصف ما عاش النبي الذي كان قبله .اهـ قلت (أي أبو نعيم): عبيد بن إسحاق هو العطار وهو واهٍ . والله أعلم .
قالوا: ثانيًا: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "لو كان موسى وعيسى حيَّين لَما وسِعَهُما إلا اتِّباعي"
ولفظ "عيسى" عليه السلام في الحديث لم يرد أبداً وتنحدى القاديانية أن يأتوا بهذا اللفط في أي كتاب من كتب الحديث المعتبرة.
وإن كان ذكره أبو حيان في البحر المحيط فقط قال: "وقد رُوي" وهذه صيغة تضعيف ولكن هؤلاء يحرفون الكلم عن مواضعه فكيف بعلم الحديث الذي لا يعرفون فيه شيئا ولو علموا لما اعتبروا ذلك، بل ما يريدون هو فقط الاستدلال على باطلهم وكفى، ولا يعنيهم الصحيح من السقيم، فالصحيح يحرفونه والسقيم يذكروه على أنه هو الصحيح.
والأدهى من ذلك أنهم يبترون الأقوال ولا يلتزمون بالسياق، فقط قال ابن حيان رحمه الله تعالى بعد ذكره الحديث في صيغة التضعيف قال: "ومذهب المسلمين أن عيسى حي، وأنه ينزل من السماء، ولعل الحديث لو كان موسى حياً لم يسعه إلا اتباعي". وهذه هي عقيدة ابن حبان في نزول عيسى عليه السلام، وليس كما يفترون.
وإليكم نقلا آخر عن ابن حبان في توضيح عقيدته في نزول عيسى عليه السلام:
قال تعالى: ((وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ )) سورة الزخرف – آية 61.
قال ابن حبان في صحيحه: ذكر البيان بأن عيسى ابن مريم من أعلام الساعة: أخبرنا محمد بن الحسن بن الخليل، حدثنا هشام بن عمار، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا شيبان بن عبد الرحمن، عن عاصم، عن أبي رزين، عن أبي يحيى مولى ابن عفراء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:((وإنه لعلم للساعة)) قال: (نزول عيسى ابن مريم من قبل يوم القيامة).
وأيضا في كتاب " تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء" لابن تيمية رحمه الله تعالى فقط قال رحمه الله: "رُوي عنه" وهذه صيغة تضعف أيضا، أي ان الحديث لا يصح بهذه الصيغة. ورأي ابن تيمية في ذلك معروف ولا يستدل على ابن تيمية في عقيدته بنزول عيسى عليه السلام آخر الزمان بمثل هذا النقل الذي يضعفه أصلا.
وأنقل إليكم عقيدة ابن تيمية رحمه الله تعالى في نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان: قال رحمه الله تعالى في في مجموع الفتاوى (4/322- 323):
"عِيسَى عليه السلام حَيٌّ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي "الصِّحِيحِ" عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "يَنْزِلُ فِيكُمُ ابنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، وَإِمَامًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الجِزْيَةَ"، وَثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" عَنْهُ: أَنَّهُ يَنْزِلُ عَلَى المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقَيْ دِمَشْقَ، وَأَنَّهُ يَقْتُلُ الدَّجَّالَ، وَمَنْ فَارَقَتْ رُوحُهُ جَسَدَهُ، لَمْ يَنْزِلْ جَسَدُهُ مِنَ السَّمَاءِ، وَإِذَا أُحْيِيَ فَإِنَّهُ يَقُومُ مِنْ قَبْرِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [آل عمران: 55]
فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ المَوْتَ؛ إِذْ لَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ المَوْتَ لَكَانَ عِيسَى فِي ذَلِكَ كَسَائِرِ المُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ اللهَ يَقْبِضُ أَرْوَاحَهُمْ وَيَعْرُجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ خَاصِّيَّةٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ، وَلَوْ كَانَ قَدْ فَارَقَتْ رُوحُهُ جَسَدَهُ لَكَانَ بَدَنُهُ فِي الأَرْضِ كَبَدَنِ سَائِرِ الأَنْبِيَاءِ.)
أما ما نسبوه لابن كثير رحمه الله في تفسيره، فابن كثير رحمه الله تعالى ينقل الأحاديث الصحيحة والضعيفة والإسرائيليات في تفسيره ولا يذكر درجتها ويترك الأمر لمن يدرس تفسيره أن يعرف ذلك، لأنهم يعتبرون من يقرأ مثل هذا التفسير لديه من العلوم ما يميز به الصحيح من السقيم.
وهذا هو قوله رحمه الله تعالى وهذه هي عقيدته في نزول عيسى عليه السلام:
"قال الحسن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود: (إن عيسى لم يمت، وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة) هذا الأثر رواه ابن أبي حاتم كما نقله ابن كثير في التفيسر، والحديث مرسل.
واختار ابن كثير رأي االجمهور على تفسير التوفي بالإنامة، واستشهد له بآيتين من القرآن ورد فيهما التوفي بمعنى النوم، كما استشهد لذلك بالحديث الذي يسمى النوم إماته اليقظة إحياء، وأيده كذلك بقوله تعالى في سورة النساء: (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته)، قال: والضمير في قوله: (قبل موته) عائد على عيسى عليه السلام، أي: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بعيسى عليه السلام، وذلك حين ينزل إلى الأرص قبل يوم القيامة، فحينئذن يؤمن به أهل الكتاب كلهم، لأنه يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام. وهذا هو ما ذهب إليه جمهور الصحابة في أن الضمير لعيسى، وقد حكى ابن جرير عن ابن عباس وأبي هريرة الجزم بذلك، حتى إن أبا هريرة لما روى حديث نزول عيسى استشهد له بهذه الآية. ويؤكد ذلك أي أن الضيمر عائد إلى عيسى عليه السلام، لأن الضمير المجرور قبله في قوله (به) راجع إلى عيسى قطعاً، فوجب أن يعود الضمير هنا أيضاً إليه لئلا يتفكك الكلام، ومنها أن هذا الإيمان المخبر عنه في الآية إيمان لا ينفع أصحابه ولا يخرجهم من الكفر ولا ينجيهم من النار، فلا فائدة في الإجبار به، والإيمان في الآية مطلق، فينصرف إلى حقيقته الشرعية، وهو الإيمان المعتد به الذي يَخرجُ به صاحبه من الكفر.
ونعود إلى تفسير الآية، يقول الهراس: ونحن نرى مع ابن كثير أن هذا الرأي هو الذي يجب المصير إليه في فهم الآية، لأنه هو الذي يتسق مع ما أمر به القرآن من رد المتشابه إلى المحكم ليفهم معناه، ولفط التوفي هنا متشابه، لأنه يحتمل التوفي بالموت، والتوفي بالنوم، والتوفي بمعنى القبض والاستيفاء-إلخ-، ولكن لفط الرفع إلى الله محكم وصريح في معناه، وتأويله برفع الروح أو رفع المكانه إلحاد في الآية وتحريف للكلم عن مواضعه. (انتهى كلامه).
وأما قولهم: أن الحديث ذكر في كتاب "اليواقيت والجواهر". (أي حديث: "لو كان موسى وعيسى حيَّين لَما وسِعَهُما إلا اتِّباعي")
فإن مؤلف "اليواقيت والجواهر" في نفس الصفحة يقول: "ومما يشهد لكون جميع الأنبياء نواباً له صلى الله عليه وسلم، كون عيسى عليه الصلاة والسلام، إذا نزل إلى الأرض لا يحكم بشرع نفسه الذي كان عليه قبل رفعه وإنما يحكم بشرع محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بعث به إلى أمته".
وهذا حال القاديانية في التحايل والتزوير وبتر النصوص لنصرة إعتقاداتهم الفاسدة.
وعلى كل حال نتحدى القاديانية أن يأتوا بهذا الحديث بهذه الصيغة من أي كتاب من كتب الحديث المعتبرة. وغلامهم يضعف أحاديث في البخاري ومسلم لأنها لا توافق هواه، أو يضعفها في مسلم لأنها ليس في البخاري، فلا أدري كيف بإتباعه يصححون حديث اتفق العلماء على ضعفه، وهو ليس في البخاري ولا مسلم حسب رأي غلامهم.
قالوا: ثالثًا: عندما قدِم وفد نجران إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وناظروه في ألوهية عيسى، قال لهم: "ألستم تعلمون أنَّ ربنا حي لا يموت، وأنَّ عيسى أتى عليه الفناء؟ قالوا: بلَى."
من قبحهم وكذبهم أنهم غيروا في لفظ الحدث فقالوا: "أتي عليه الفناء" واللفظ الصحيح هو "يأتي عليه الفناء"، وهذا دليل عليهم لا لهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: يأتي عليه الفناء، وهذا في المستقبل وليس في الماضي. ويقولون عن "يأتي" (هو تحريف) بل إن التحريف عندهم في قولهم ونقلهم؛ حيث لم ينقلوا النص كما هو في المرجع الذي ذكروه وهو كتاب "أسباب النزول للواحدي النيسابوري"، وهذا من قبحهم وكذبهم على علماء المسلمين لنصرت كذبهم.
الرد على قولهم: إجماع الصحابة - رضي الله عنهم - على موت عيسى عليه السلام:
أولا وقبل كل شيء نطالبهم بالدليل على من نقل هذا الإجماع، وإن كان من قولكم فهو مردود عليكم.
أما قصة وفاة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم فليس فيها أي دليل بل كله تخمين من عند أنفسهم، وترده الأحاديث الصحيحة في إثبات نزول عيسى عليه السلام وأنه في السماء حي يرزق، هذه الأحاديث الصحيحة التي يردونها. واسخف ما كتبوا أنه "لم يخطر ببال أحد من الصحابة أنه رفع إلى السماء" فلا أدري من أين جاؤوا بذلك؟، بل إن الصحابة رضوان الله عليهم هم الذين نقلوا إلينا أحاديث أن عيسى عليه السلام حي في السماء وينزل آخر الزمان. فأي ادعاء هذا؟!!.
أما قولهم: إن هذه الرواية تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس (ر) قد فسّروا {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} بمعنى: فلَمَّا أَمَتَّني.
الرد عليهم من وجوه:
الأول: أين قول النبي صلى الله عليه وسلم أن معنى توفيتني أي أمتني، فليأتوا لنا بالحديث، بل أقول إن الأحاديث الكثيرة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في رفع عيسى عليه السلام إلى السماء ونزوله آخر الزمان كثير كما أسلفت وبينت في بحثى المذكور في بداية هذا البحث. وليس في الحديث الذي أوردوه دليل، فقد رددنا عليهم في قول عيسى عليه السلام "فلما توفيتني ..." ولا حاجة لإعادة ما كتبنها أعلاه (إضغط هنا)، فلا يزالون مطالبون بالدليل.
الثاني: إن رواية عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسيره لقول الله تعالى (أني رافعك) أي متوفيك، فهي رواية منقطعة، فإن ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس، فهي رواية لا تصح أصلاً.
الوجه الثالث: إن هذه الرواية الضعيفة لا تقوى على معارضة الروايات الكثيرة عن ابن عباس في أنه رُفِعَ حيّاً، وأنه سينزل من السماء كم بيت في هذا البحث والبحث المشار إليه في بداية هذا الرد.
الوجه الرابع: وأما حديث "فأقول: يا رب أصيحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: "وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد" فهو دليل عليهم في أن هذه المقالة يوم القيامة وهذا يدل على أن عيسى عليه السلام يقولها يوم القيامة كما اسلفت (صفحة 9). وأقول نرد المتشابه إلى المحكم فنسلم، وفي استدلالهم بهذا الحديث إفتراء على الدين، ومن ثم ليس فيها أي دلالة على معتقدهم الفاسد.
ونرد عليهم وعلى استدلالهم بآية: (وما محمد إلا رسوم قد خلت من قبله الرسل) أنها إجماع سكوتي:
لا أدري أين الإجماع السكوتي على موت عيسى عليه السلام في حالة كهذه وهي موت النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الصحابة هم الذين رووا أحاديث نزول عيسى عليه السلام وأنه حي في السماء بعد وفات النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يكون اجماعا سكوتيا بل هو تخبيص من أتباع الكذاب غلام القاديانية.
وقد ردد على استدلالهم بهذه الآية في هذا البحث (صفحة 8).
أما استدلالهم بآية: "قد خلت من قبله الرسل" فانظر كيف يفسرونها على أهوائهم.
الرد على قولهم: وما قتلوه وما صلبوه وما رفع حيا بجسده إلى السماء.. بل هاجر كما هي سنة الأنبياء.
هاهم على عقيدة متنبيهم في أن عيسى عليه السلام صلب، ويستدلون بقول الله تعالى: "ولكن شبه لهم"، وهذا فيه تحريف للمعنى والعياذ بالله، فالآية واضحة "وما قتلوه وما صلبوه" وهذا نفي للقتل أو الصلب فكيف بعد ذلك يقولون أنه صلب ولم يمت وشبه لهم الأمر بالقتل والصلب، ووالله المعنى من كلامهم غير معروف بل هو تحايل والتفاف على المعنى حتى لا يُعلم ما يريدون.
وأين قال الله تعالى أنه كان في حالة إغماء، نطالب القاديانية بذلك. وأين الدليل من القرآن على أنه هاجر وخاصة إلى كشمير؟ وأين الدليل من القرآن على نبوة متنبيهم الدجال؟. فكما يطالبوننا بالدليل نطالبهم بالدليل –ولكن شتان بين الطلبين- من القرآن على نبوة متنبيهم وغزعبلاته وافتراءاته وادعاءاته.
وأين الدليل من القرآن على أنه هاجر إلى قومه وإلى كشمير خاصة؟؟؟؟. ونعطيكم مجالا أوسع ومعكم السنة أيضاً أن تأتوا بدليل منها على أن عيسى عليه السلام هاجر إلى كشمير. وسؤال آخر هل كان في كشمير قوم لعيسى عليه السلام؟ أين الدليل !!!.
أما باقي كلامهم في هذا الباب فهو هرطقة لا طائل منها، وأين في القرآن أن الذي يصعد إلى السماء لا ينزل منها، فهذه الملائكة تغدوا وتروح، ومحمد عليه الصلا والسلام صعد إلى السماوات السبع وعاد، بل ووصل إلى سدرة المنتهى ووصل موضعا لا يقدر حتى جبريل عليه السلام إن يصله ثم عاد. وأيضا محمد عليه الصلاة والسلام جسده ليس في السماء أين الدليل على أن جسده في السماء كما يزعمون، بل الأحاديث تدل على أن جسد محمد صلى الله عليه وسلم في قبره وهذه بعض هذه الأحاديث:
قال صلى الله عليه وسلم: ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام.
وقال عليه الصلاة والسلام: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي. قالوا: يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء. هذا فيه دلالة واضحة على أنه عليه الصلاة والسلام في الأرض وليس في السماء.
وروى الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مررت على موسى ليلة أسري بى عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره.
قال مسلم بن الحجاج: حدثني الحكم بن موسى أبو صالح، حدثنا هقل، يعني ابن زياد، عن الأوزاعي، حدثني أبو عمار، حدثني عبد الله بن فروخ، حدثني أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع".
أما استدلالهم بقول الله تعالى: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد) هذا ليس فيه دليل على أن عيسى عليه السلام مات بل المعنى لم يقض الله تعالى لبشر أن يخلد في هذه الدنيا ومنهم عيسى عليه السلام فهو سيموت بعد نزوله ولا يخلد إلى آخر الزمان.
الرد على قولهم: أقوال السلف من العلماء في إثبات وفاة المسيح عيسى بن مريم عليه السلام:
قولهم: أولا قول ابن حزم: "الوفاة قسمان، نوم وموت فقط، ولم يرد عيسى (ع) بقوله {فلما توفيتني} وفاة النوم؛ فصحَّ أنّه إنّما عنى وفاة الموت" [المُحلّى لابن حزم: ج1، كتاب التوحيد، رقم المسألة 41)
أن ابن حزم رحمه الله تعالى في آخر كلامه قال: "ومن قال أنه عليه السلام قُتل أو صلب فهو كافر مرتد حلال دمه وماله لتكذيبه القرآن وخلافه الإجماع". فلماذا لا يتمون النقل ليَظهر تكفير ابن حزم لهم، ولكن هذا حالهم يأخذون ما يوافق هواهم ويتركون ما يورطهم ويخرجهم من الملة.
أما عقيدة ابن حزم رحمه الله تعالى في نزول عيسى عليه السلام فهي كالتالي: قال ابن حزم رحمه الله تعالى: "قَول الله تَعَالَى {وَلَكِن رَسُول الله وَخَاتم النَّبِيين} وَقَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نَبِي بعدِي فَكيف يستجيزه مُسلم أَن يثبت بعده عَلَيْهِ السَّلَام نَبيا فِي الأَرْض حاشا مَا اسْتَثْنَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْآثَار المسندة الثَّابِتَة فِي نزُول عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام فِي آخر الزَّمَان" المحلى-الجزء الرابع صفحة 138- طبعة مكتبة السلام العالمية (موجودة على المكتبة الوقفبة). إذا ها هو ابن حزم رحمه الله تعالى يكفر من يدعي أن بعد محمد صلى الله عليه وسلم رسول، إلا نزول عيسى عليه السلام. نلزمهم هنا بقول ابن حزم رحمه الله في مسألة كفر من ادعى النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم وفي كفر من يقول بصلب عيسى عليه السلام أو قتله، لأنهم استشهدوا بكلامه فهو عندهم ثقه وكلامه كالسيف عليهم، وإلا فهم مثل اليهود يأخذوم من الكلام ما يوافق هواهم فقط ويتركون ما يدينهم.
نقول أن كلامه الواضح في كتابه "المحلى" يغني عن الدخول في مثل هذا النقاش معهم والرد عليهم، كما أقول دائما يتركون كلام العلماء الواضح البين الجلي في رفع عيسى عليه السلام حي إلى السماء وأنه ينزل آخر الزمان ويذهبون إلى كلامهم المجمل المبهم.
أما باقي من ذكروهم فهم ليسو من السلف الصالح بل هم من المبتدعة ولا يؤخذ بكلامهم في موضوع الرفع لأسباب:
أنهم أصلا ينكرون علو الله سبحانه وتعالى وينكرون الجهة وينكرون أنه مستو على عرشه إلى آخر عقائدهم الباطلة. وهذا ملخص عنهم:
الفخر الرازي (توفي سنة 606هـ) هو أحد أئمة الأشاعرة الكبار، وعلى كلامه يعتمد من جاء بعده من الأشاعرة وكانت له زلات وسقطات عظيمة، فقد مزج الفلسفة بعلم الكلام، وكان كثير الحيرة والاضطراب والتناقض، حتى وصل الأمر به إلى أن ألف كتاباً في السحر وعبادة النجوم، سماه: " السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم ". وهو الكتاب الذي حكم عليه بعض العلماء بسببه أنه كفر وارتد عن الإسلام. وذكر أنه عند موته عاد عن عقيدته الفاسدة وعاد إلى عقيدة السلف الصالح كما ذكر ذلك ابن كثير.
إسماعيل حَقِّي البروسوي صوفي إسماعيلي وفي مألفاته من إشارات الصوفية ونصره لعقيدة وحدة الوجود، وتأويل لصفات الباري عزَّ وجل وايراد الأحاديث الضعيفة.
ورغم ذلك سأفصل في هذه النقول التي أوردوها ونرى صدقهم من كذبهم وتلبيسهم:
أولا: نبدأ بالفخر الرازي رحمه الله تعالى، فهو في بداية تفسير الآية ذكر أقوال العلماء في مسألة الرفع والتوفي، وقد قرر فيها أن عيسى عليه السلام حي في السماء وسينزل آخر الزمان فقال –رحمه الله تعالى-:
"الصِّفَةُ الْأُولَى: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ [الْمَائِدَةِ: 117] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ عَلَى طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا: إِجْرَاءُ الْآيَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمٍ، وَلَا تَأْخِيرٍ فِيهَا وَالثَّانِي: فَرْضُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِيهَا"
قلت والمقصود بقوله:" وَالثَّانِي: فَرْضُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِيهَا" أي تقديم الرفع على التوفي فإن الواو لا تفيد الترتيب، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه فيما أخرجه إسحاق بن بشر وابن عساكر عن ابن عباس في هذه الآية: (رافعك ثم متوفيك في آخر الزمان). وقد بين ذلك رحمه الله تعالى في آخر الأقوال فقال: "الطَّرِيقُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَا بُدَّ فِي الْآيَةِ مِنْ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْتَاجَ فِيهَا إِلَى تَقْدِيمٍ أَوْ تَأْخِيرٍ، قَالُوا إِنَّ قَوْلَهُ وَرافِعُكَ إِلَيَّ يَقْتَضِي أَنَّهُ رَفَعَهُ حَيًّا، وَالْوَاوُ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَقُولَ فِيهَا تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالْمَعْنَى: أَنِّي رَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمُتَوَفِّيكَ بَعْدَ إِنْزَالِي إِيَّاكَ فِي الدُّنْيَا، وَمِثْلُهُ مِنَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ".
ثم بعد ذلك بين رحمه الله تعالى رأي العلماء في الطريق الأولى وهي إجراء الآية على ظاهرها من غير تقديم ولا تأخير، فنقل آراء العلماء في ذلك وجميع ما نقل يدل على أن عيسى عليه السلام حي في السماء وسينزل آخر الزمان ومن النقول التي أوردها:
قال الفخر الرازي: "الْوَجْهُ الرَّابِعُ: فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ تُفِيدُ التَّرْتِيبَ فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَفْعَلُ بِهِ هَذِهِ الْأَفْعَالَ، فَأَمَّا كَيْفَ يَفْعَلُ، وَمَتَى يَفْعَلُ، فَالْأَمْرُ فِيهِ مَوْقُوفٌ عَلَى الدَّلِيلِ"، ثم قال الفخر الرازي: "وَقَدْ ثَبَتَ الدَّلِيلُ أَنَّهُ حَيٌّ وَوَرَدَ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ سَيَنْزِلُ وَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ» ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى يَتَوَفَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ" وهذا هو رأي الفخر الرازي وتعليقه على الوجه الرابع.
وقال: "وَالْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ التَّوَفِّيَ أَخْذُ الشَّيْءِ وَافِيًا، وَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَخْطُرُ بِبَالِهِ أَنَّ الَّذِي رَفَعَهُ اللَّهُ هُوَ رُوحُهُ لَا جَسَدُهُ ذَكَرَ هَذَا الْكَلَامَ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رُفِعَ بِتَمَامِهِ إِلَى السَّمَاءِ بِرُوحِهِ وَبِجَسَدِهِ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ". وهذا واضح جلي لا لبس فيه، ولو تأملنا جميع الأوجه التي أوردها الفخر الرازي في تفسيره لرأينا أن جميع الأوجه بمعنى واحد وهو الرفع إلى السماء حياً ثم النزول آخر الزمان. ولكن القاديانية لا يأخذون من النصوص إلا ما يوافق عقائدهم الفاسدة ويبترون السياق والفهم الصحيح للنص وترابطه، ويهملون أيضا عقيدة المتكلم.
أما قول الرازي: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَفْعَهُ فِي قَوْلِهِ وَرافِعُكَ إِلَيَّ هُوَ الرِّفْعَةُ بِالدَّرَجَةِ وَالْمَنْقَبَةِ، لَا بِالْمَكَانِ وَالْجِهَةِ، كَمَا أَنَّ الْفَوْقِيَّةَ فِي هَذِهِ لَيْسَتْ بِالْمَكَانِ بَلْ بِالدَّرَجَةِ وَالرِّفْعَةِ. فقد ذكرها في سياق رده على من يخالفه في العقيدة، حيث أنه رحمه الله تعالى على عقيدة الجهمية في ذلك من حيث إنكار الكثير من صفات الله تعالى ومنها علو الله تعالى أي ينكرون العلو والجهة، فقرر ذلك نصرة لمذهبه الباطل في إنكار صفة العلو لله تعالى. وقال ذلك بعد أن قرر عقيدة العلماء أهل السنة في مسألة رفع عيسى عليه السلام وانتهى منها ثم ذهب يناقش مسألة العلو ويقرر عقيدته فيها، وفي نهاية تفسيره للآية قرر هذه العقيدة بكل وضوح.
الذي ينكره الفخر الرازي هو الرفع إلى السماء وليس ينكر أن عيسى عليه السلام حي وسينزل آخر الزمان فقد قرر ذلك وانتهى منه، ولكنه يحاول الفرار من الرفع إلى السماء لأن في ذلك إلزامٌ له في إثبات صفة العلو لله تعالى والجهة، لذلك تراه يقول: "فِي التَّأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَرافِعُكَ إِلَيَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُرْفَعُ إِلَى مَكَانٍ لَا يَمْلِكُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ فِيهِ غَيْرُ اللَّهِ لِأَنَّ فِي الْأَرْضِ قد يتولى الخلق أنواع الأحكام فأما السموات فَلَا حَاكِمَ هُنَاكَ فِي الْحَقِيقَةِ وَفِي الظَّاهِرِ إِلَّا اللَّهُ"، فتراه يقرر عقيدة رفعه حياً لكن إلى مكان خارج الأرض ولا حكم للناس فيه.
مما سبق يتضح أن القاديانية يزورون الحقائق لنصرة مذهبهم، وأن رأي الفخر الرازي رحمه الله تعالى واضح بين وجلي في هذه المسألة.
ولمزيد من تبكيت هؤلاء القاديانية لننظر في تفسير الآية 61 من سورة الأحزاب للفخر الرازي: "وَإِنَّهُ أَيْ عِيسَى لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ شَرْطٌ مِنْ أَشْرَاطِهَا تُعْلَمُ بِهِ فَسُمِّيَ الشَّرْطُ الدَّالُّ عَلَى الشَّيْءِ عِلْمًا لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِهِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَعَلَمٌ وَهُوَ الْعَلَامَةُ وَقُرِئَ لَلْعِلْمُ وَقَرَأَ أُبَيٌّ: لَذِكْرٌ، وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ عِيسَى يَنْزِلُ عَلَى ثَنِيَّةٍ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ يُقَالُ لَهَا أَفِيقُ وَبِيَدِهِ حَرْبَةٌ وَبِهَا يَقْتُلُ الدَّجَّالَ فَيَأْتِي بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْإِمَامُ يَؤُمُّ بِهِمْ فَيَتَأَخَّرُ الْإِمَامُ فَيُقَدِّمُهُ عِيسَى وَيُصَلِّي خَلْفَهُ عَلَى شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَقْتُلُ الْخَنَازِيرَ وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ وَيُخَرِّبُ الْبِيَعَ وَالْكَنَائِسَ وَيَقْتُلُ النَّصَارَى إِلَّا مَنْ آمَنَ بِهِ»"
وهذا تفسيره للآية 159 من سورة النساء: وَالْوَجْهُ الثَّانِي: فِي الْجَوَابِ عَنْ أَصْلِ السُّؤَالِ: أَنَّ قَوْلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَيْ قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى، وَالْمُرَادُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَكُونُونَ مَوْجُودِينَ فِي زَمَانِ نُزُولِهِ لَا بُدَّ وَأَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ.
ولا مزيد عندي لأضيف في إثبات عقيدة الرازي في نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان، ولا أقول إلا إن هؤلاء القوم دجاجلة كما كان متنبيهم الدجال، الناصر للصليب، العميل للبريطان، المفتري على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ثانيا: استشهادهم بقول إسماعيل حَقِّي البروسوي في تفسير الآية {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي}: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} أي مستوفي أجلك، ومعناه إني عاصمك من أن يقتلك الكفار ومؤخِّرك إلى أجل كتبته لك ومميتك حتف أنفك لا قتلا بأيديهم. {وَرافِعُكَ} الآن {إِلَيَّ} أي إلى محل كرامتي ومقر ملائكتي، وجعل ذلك رفعا إليه للتعظيم، ومثله قوله {إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي} وإنما ذهب إبراهيم (ع) من العراق إلى الشام. وقد يُسمّى الحاج زوّار الله، والمجاورون جيران الله، وكل ذلك للتفخيم، فإنه تعالى يمتنع كونه في المكان.( تفسير "روح البيان" للبروسوي: ج2/ ص41 – الناشر: دار الفكر/ بيروت 1980م)
الذي أراه أنه لا حجة لهم بقوله هذا إذ لا يوجد ما يفيد أنه ينكر نزول عيسى عليه السلام، بل في قوله: (ومعناه إني عاصمك من أن يقتلك الكفار ومؤخِّرك إلى أجل كتبته... {وَرافِعُكَ} الآن {إِلَيَّ} أي إلى محل كرامتي ومقر ملائكتي) أنه يفيد أن الله رفعه إلى مقر ملائكته حيا من غير موت ويدل لذلك قوله "الآن" أي أن الله أخر موته إلى أجل كتبه وسيرفعه الآن إلى مقر ملائكته.
وكما أسلفت في بيان عقيدة البروسوي أنه صوفي وله من عقيدة الجهمية نصيب كبير في إنكار العلو والجهة ولا أريد أن أكرر ما كتبته أعلاه، ولكن في كلامه وضوح تام لا يغيب عن طالب حق في مسألة رفع عيسى عليه السلام حياً، ولكن رفع إلى اين حسب عقيدة هؤلاء فقد قرروا ما نقلته لكم هنا.
ولكن نريد أن نعرف عقيدة إسماعيل حقي في رفع عيسى عليه السلام، وسأنقل من نفس الكتاب الذي استشهدوا به ومن نفس تفسير سورة آل عمران وفي نفس الآيات لنرى مدى كذبهم وتلبيسهم، وأول ما أنقله هو ذلك النقل الذي جاؤا به مبتوراً، تأمل النقل الكامل:
إِذْ قالَ اللَّهُ أي اذكر وقت قول الله يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ اى مستوفى أجلك ومعناه انى عاصمك من ان يقتلك الكفار ومؤخرك الى أجل كتبته لك ومميتك حتف انفك لا قتلا بايديهم وَرافِعُكَ الآن إِلَيَّ أي الى محل كرامتي ومقر ملائكتي وجعل ذلك رفعا اليه للتعظيم ومثله قوله إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي وانما ذهب ابراهيم عليه السلام من العراق الى الشام وقد يسمى الحاج زوار الله والمجاورون جيران الله وكل ذلك للتفخيم فانه تعالى يمتنع كونه فى المكان وَمُطَهِّرُكَ أي مبعدك ومنجيك مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي من سوء جوارهم وخبث صحبتهم ودنس معاشرتهم. قيل سينزل عيسى عليه السلام من السماء على عهد الدجال حكما عدلا يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية فيفيض المال حتى لا يقبله أحد ويهلك فى زمانه الملل كلها الا الإسلام ويقتل الدجال ويتزوج بعد قتله امرأة من العرب وتلد منه ثم يموت هو بعد ما يعيش أربعين سنة من نزوله فيصلى عليه المسلمون لانه سأل ربه ان يجعله من هذه الامة فاستجاب الله دعاءه وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ وهم المسلمون ..."
يقول البروسوي:
" وَمَكَرَ اللَّهُ بان رفع عيسى عليه السلام والقى شبهه على من قصد اغتياله" تفسير الآيات من 53إلى 59.
ويقول: "فرفعه جبريل عليه السلام من تلك الروزنة الى السماء وكساه الله الريش والبسه النور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وطار مع الملائكة حول العرش وكان إنسيا ملكيا سماويا ارضيا" تفسير الآيات من 53إلى 59.
ويقول في تفسير الآية 159 من سورة النساء:" وقيل الضميران لعيسى والمعنى وما من اهل الكتاب الموجودين عند نزول عيسى من السماء أحد الا ليؤمنن به قبل موته- روى- عن النبي عليه السلام انه قال (انا اولى الناس بعيسى لانه لم يكن بينى وبينه نبى ويوشك انه ينزل فيكم حكما عدلا فاذا رأيتموه فاعرفوه فانه رجل مربوع الخلق الى الحمرة والبياض وكان رأسه يقطر وان لم يصبه بلل فيقتل الخنزير ويريق الخمر ويكسر الصليب ويذهب الصخرة ويقاتل الناس على الإسلام حتى يهلك الله فى زمانه الملل كلها غير ملة الإسلام وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين ويهلك الله فى زمانه مسيح الضلالة الكذاب الدجال حتى لا يبقى أحد من اهل الكتاب وقت نزوله الا يؤمن به وتقع الامنة فى زمانه حتى ترتع الإبل مع الأسود والبقر مع النمور والغنم مع الذئاب وتلعب الصبيان بالحيات لا يؤذى بعضهم بعضا ثم يلبث فى الأرض أربعين سنة ثم يموت ويصلى عليه المسلمون ويدفنونه)" ورواه الحاكم في المستدرك على البخاري ومسلم وله شواهد في البخاري ومسلم وأبو داود.
ويقول في تفسير الآية 61 من سورة النور: "وَإِنَّهُ اى وان عيسى عليه السلام بنزوله فى آخر الزمان لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ شرط من أشراطها يعلم به قربها".
ثالثا: استشهادهم بتفسير الإمام الألوسي رحمه الله تعالى:
أقول أن الألوسي رحمه الله تعالى من الصوفيه وله زلل عقدي في الأسماء والصفات ويمجد الصوفية ويمتدحهم، ولكن رغم ذلك لنرى رأيه في رفع عيسى عليه السلام:
يقول في تفسير الآية 143 من سورة البقرة: وكان عيسى قبل الرفع يصلي إلى الصخرة.
يقول الألوسي في تفسير الآيات من 38-47 من سورة آل عمران: وعلى ما ذكر في سن الكهولة يراد بتكليمه عليه السلام كهلا تكليمه لهم كذلك بعد نزوله من السماء وبلوغه ذلك السن بناء على ما ذهب إليه سعيد بن المسيب، وزيد بن أسلم، وغيرهما «أنه عليه السلام رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وأنه سينزل إلى الأرض ويبقى حيا فيها أربعا وعشرين سنة» كما رواه ابن جرير بسند صحيح عن كعب الأحبار، ويؤيد هذا ما أخرجه ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: قد كلمهم عيسى في المهد وسيكلمهم إذا قتل الدجال وهو يومئذ كهل وَمِنَ الصَّالِحِينَ أي ومعدودا في عدادهم وهو معطوف على الأحوال السابقة.
ويقول في تفسيره للآيات من 48 إلى 63 من سورة آل عمران: يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ، أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: هذا من المقدم والمؤخر أي رافعك إلي ومتوفيك، وهذا أحد تأويلات اقتضاها مخالفة ظاهر الآية للمشهور المصرح به في الآية الأخرى، وفي قوله صلّى الله عليه وسلم: «إن عيسى لم يمت وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة».
وفي تفسيره لسورة آل عمران النصوص الكثيرة التي يثبت فيها نزول عيسى عليه السلام وأنه حي في السماء.
ويقول في تفسيره لسورة الزخرف: وقد نطقت الأخبار بنزوله عليه السلام فقد أخرج البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينزلن ابن مريم حكما عدلا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية وليتركن القلاص فلا يسقى عليها وليذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد»، وفي رواية «وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض ينزل بين ممصرتين كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل فليقاتل الناس على الإسلام» وفيه «ويهلك المسيح الدجال» وفي أخرى قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم» وفي رواية «فأمكم منكم»
وبعد هذه التفاسير التي أوردتها من كتابه الذي نقلوا منه ما هو متشابه، فها هو يصرح بنزول عيسى عليه السلام ويؤكد عليه في غير موضع من تفسيره وفي أكثر من سورة، فليس لهم أي حجة بعد ذلك.
رابعاً: أنقل لكم رأي العلامة صديق حسن خان القنوجي في مسألة رفع عيسى عليه السلام لنرى كيف ينقلون ما يوافق أهواءهم فقط ويذرون الكلام الواضح البين في عقيدة علماء الإسلام. والقنوجي رحمه الله تعالى ظاهري المذهب.
طبعا سأنقل لكم من نفس الكتاب الذي نقلوا منه وهو "فتح البيان" لنرى كيف لا يأتون بالنصوص الصريحة من العلامة القنوجي في عقيدته في رفع عيسى عليه السلام، فالتفسير يبنى على بعضه البعض، ولو قال كلمة موهمة في موضع فيكون قد بينها ووضحها في مواضع أخرى ولنر ذلك من خلال كلام القنوجي نفسه رحمه الله تعالى.
يقول: وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " اللهم أيد حسان بروح القدس " وكان جبريل يسير مع عيسى حيث سافر فلم يفارقه حتى صعد به إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة.
ويقول الفنوجي في تفسير الآية (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)) آل عمران 46: وقال الحسن ابن الفضل يكلم الناس كهلاً بعد نزوله من السماء، وفيه نص على أنه سينزل من السماء إلى الأرض.
أخرج ابن جرير عن السدى قال إن بني إسرائيل حصروا عيسى وتسعة عشر رجلاً من الحواريين في بيت، فقال عيسى لأصحابه من يأخذ صورتي فيقتل وله الجنة فأخذها رجل منهم، وصعد بعيسى إلى السماء فذلك قوله: (ومكروا ومكر الله) (والله خير الماكرين) الآية 54 من سورة آل عمران.
قال في تفسير الآية: (إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ) قال الفراء إن في الكلام تقديماً وتأخيراً تقديره إني رافعك ومطهرك بعد إنزالك من السماء، قال أبو زيد: متوفيك قابضك، وقيل الكلام على حاله من غير ادعاء تقديم وتأخير فيه، والمعنى كما قال في الكشاف: مستوفى أجلك، ومعناه أني عاصمك من أن يقتلك الكفار ومؤخر أجلك إلى أجل كتبته لك ومميتك حتف أنفك لا قتلا بأيديهم، عن مطر الوراق قال متوفيك من الدنيا وليس بوفاة موت. وإنما احتاج المفسرون إلى تأويل الوفاة بما ذكر لأن الصحيح أن الله تعالى رفعه إلى السماء من غير وفاة كما رجحه كثير من المفسرين، واختاره ابن جرير الطبرى. ووجه ذلك أنه قد صح في الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزوله وقتله الدجال.
وقال في تفسير: (وإنه لعلم للساعة) قال مجاهد والضحاك والسدي وقتادة إن المراد المسيح، وأن خروجه أي نزوله مما يعلم به قيام الساعة، أي قربها لكونه شرطاً من أشراطها لأن الله سبحانه ينزله من السماء قبيل قيام الساعة، كما أن خروج الدجال من أعلام الساعة الآية 61 سورة الزخرف.
وقال في تفسير نفس الآية: قال ابن عباس " أي خروج عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة " (1)، وأخرجه الحاكم وابن مردويه عنه مرفوعاً، وعن أبي هريرة نحوه أخرجه عبد بن حميد قرأ الجمهور لعلم بصيغة المصدر، جعل المسيح علماً للساعة مبالغة، لما يحصل من العلم بحصولها عند نزوله، وقرأ جماعة من الصحابة بفتح العين واللام، أي خروجه علم من أعلامها، وشرط من شروطها، وقرىء للعلم بلامين مع فتح العين واللام أي للعلامة التي يعرف بها قيام الساعة.
وأنقل لكم كلاماً للعلامة القنوجي من كتابه "قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر" قال: فصل وجوب الإيمان بما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: ومن ذلك: أشراط الساعة، وإن الدجال الأعور خارج في هذه الأمة لا محالة، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، لا شك في ذلك، ولا ارتياب، وهو أكذب الكاذبين. وأن عيسى ابن مريم [عليهما] السلام، نازل ينزل على المنارة البيضاء، شرقي دمشق، فيأتيه - أي الدجال - وقد حصر المسلمين على عقبة أفيق، فيهرب منه، ويقتله عند باب لُد الشرقي - ولُد أرض [بفسلطين بالقرب] من الرملة نحو ميلين -. وهذا كلام له لا مريه فيه ولا تأويل وليس للقاديانية مدخل للإلتفاف عليه.
ولا أريد الإطالة فكتب القنوجي وخاصة كتاب "فتح البيان" يعج بالتصريح بعقيدة رفع عيسى عليه السلام حياً ونزوله آخر الزمان.
قولهم: أقوال بعض العلماء المعاصرين في إثبات وفاة المسيح عيسى بن مريم عليه السلام
لا أدري من هم هؤلاء الذين يطلق عليهم علماء، فهؤلاء القاديانية يتركون رأي العلماء المعروفين المتفق على إمامتهم وعدالتهم وعلمهم وفضلهم، ويلهثون وراء هؤلاء، أضف إلى ذلك أنهم يتركون رأي الصحابة والتابعين وتابعيهم من السلف الصالح ومن بعدهم من أهل السنة والجماعة ويأتون على أقوال لأناس يظهر من بعضهم الكفر البواح ليستدلوا على معتقدهم الفاسد.
وكالعادة لا نثق بنقولاتهم الفاسدة لأنهم يحرفون الكلم عن مواضعه دائما، وينتقون من آراء العلماء أو حتى من يسمونهم علماء ما يوافق عقيدتهم ويتركون كلامهم الواضح البين الذي يخالف عقيدتهم. وقد بينت أعلاه ذلك بكل وضوح.
ولا أرى مزيد فائدة من تتبع ما نقلوه عن هؤلاء لأنه حتى لو ثبت أنهم يقولون بموت عيسى عليه السلام فهم ليسوا من أهل العلم وليسوا من أهل السنة والجماعة وليسوا على منهاج السلف الصالح بل هم من رؤوس المبتدعة الذين وصلت البدعة ببعضهم إلى حد الكفر. وسأشير إلى حال بعضهم لعل ذلك تكون فيه فائدة.
أولا: محمد عبده: معروف هذا الرجل بفساده العقدي وانحرافه الفكري فله من الكلام ما يخرجه من الملة من كلام وحدة الوجود وعقيدة الاعتزال ونشر السفور وله دور كبير من تقريب الأزهر من اللادينيين وتعظيم شيخه الشيعي الرافضي جمال الدين الأفغاني الذي يعتبره محمد عبده من الأقطاب الذين يتحكمون في الكون كما أقر بذلك في رسالته التي وجهها إلى شيخه يقر فيها بمنزلة شيخه جمال الدين الأفغاني –بل هو إيراني لكن سمى نفسه أفغاني لمآرب في نفسه الخبيثة- حيث قال مخاطباً شيخه الأفغاني: " ليتني كنت اعلم ماذا أكتب إليك وانت تعلم ما في نفسي كما تعلم ما في نفسك صنعتنا بيديك وأفضت على موادنا صورها الكمالية وانشأتنا في أحسن تقويم فيك عرفنا أنفسنا وبك عرفناك وبك عرفنا العالم أجمعين". وقد أورد تلميذه رشيد رضا ذلك في كتابه "تاريخ الاستاذ الإمام" صفحة 599، ولكنه من هول الكلام وشدة وقعه حاول اختصار بعضه كما يفعل القاديانية عندما يخفون حقائق وكلام متنبيهم الدجال المخجل بل المكفر. وأكتفي بذلك وإلا فمصائب وطوام محمد عبده أكثر من أن تذكر في هذه العجالة فهو من معاول هدم الدين الإسلامي ويكفي به مذمة أن أهل الزيغ والضلال في عهده انتقدوه في شدة زيغه وضلاله أي انتقدوه على ضلاله وهم أصلا ضلال لكنهم لما رأوا شدة ضلاله لم يستطيعوا السكوت فكيف بأهل السنة والجماعة هل يحتجون بأرآء مثله؟!!!.
ثانياً: عبد الوهاب النجار: فكلامه الذي نقلوه ليس فيه أي دليل لهم، وهو على كل حال لا يعرف أنه من العلماء، وعنده مخالفات، وكان بينه وبين الأزهر في عصره أخذ ورد وإنكار بينه وبينهم. وعلى كل حال في كتابه نَقَلَ آراء العلماء في رفع عيسى حيا إلى السماء وأنه ينزل آخر الزمان، ولكن عقيدته التي أشار إليها في المقدمة وهي: الأولى:إذا عارض الخبر العقل وجب تأويل الخبر بما يزيل هذا التعارض. الثانية: الخبر إذا كان آحادا فلا يصلح ان يكون دليلا اعتقاديا. فلذلك هو ممن ينكرون أخبار الآحاد في العقائد ويقدمون العقل على النقل –والعياذ بالله-، وقد رد على ذلك الألباني رحمه الله تعالى في كتابه: "حديث الآحاد حجة في العقائد والأحكام" وهو تفريغ لشريط للشخ رحمه الله تعالى حسب ما أذكر، ورسالته: "منزلة السنة وبيان أنه لايستغنى عنها بالقرآن"، فلتراجع. فهو -أي النجار- بعد كلامه عن رأي العلماء في رفع عيسى عليه السلام يظهر حقيقة عقيدته في إنكار أحاديث الآحاد في العقائد لذلك هو لا يقول برفع عيسى عليه السلام حياً إلى السماء لنصرت عقيدته الفاسدة.
ثالثاً: أحمد مصطفى المراغي: وهو أخ لمحمد مصطفى المراغي وهو أحد تلاميذ محمد عبده الكبار هو وأخوه، وكلاهما من العقلانية الحديثة وعقيدتهم معروفة وهي عقيدة شيخهم محمد عبده وشيخ شيخهم جمال الدين الأفغاني، ولا داعي لذكر أكثر من ذلك، لأنني لو ذهبت أتكلم عن تفسيره ومنهجه فيه لما انتهيت مما فيه من قدح في علماء المسلمين الأوائل وقبلهم الصحابة بإسلوب خبيث ماكر على منهج الملحدين. وعلى كل حال هو ينقل كثيرا من تفسير "المنار" لمحمد رشيد رضا حتى يكاد يكون تفسيره مختصر لتفسير "المنار" ومحمد رشيد رضى كما أسلفت هو تلميذ محمد عبده المقرب.
رابعا: عبد الله القيشاوي: لم يبعدوا كثيراً فهذا الرجل ايضا من تلاميد محمد عبده الذي هو أحد تلاميذ جمال الدين الأفغاني ولا أراهم إلا قد جمعوا شيخا وتلاميذه ولم يعددوا الآراء بل إنهم اختاروا شيخاً ضالاً فما حال أتباعه، وعبد الله القيشاوي أيضاً تولى منصب نائب رئيس جماعة الإخوان في غزة ومعروف ما لدى الإخوان من فساد عقدي، ولا حاجة لكتابة المزيد فما سبق كفى.
خامسا: محمد شلتوت: وهو أيضا على شاكلة من سبق أعلاه، وقد كان محمد المراغي ممن ساهم في رفع درجته في الأزهر، وقد أفتى بجواز التعبد بمذهب الشيعة الجعفرية الذي هو مذهب الإمامية الإثني عشرية كما ذكر ذلك محمد الغزالي. هذا المذهب الظاهر الكفر، ولكن شيخه جمال الدين الأفغاني الرافضي قد أثر على هذه المدرسة المنحرفة التي تسمي نفسها مجددة بل هي قاضية على الدين، وهو أيضا ممن ينكرون الاستشهاد بإحاديث الآحاد، وهو من الضالين في الصفات، وله طوام كثيرة ليس هذا محل ذكرها.
سادسا: سيد قطب: معروف منهج سيد قطب في السب والشتم للصحابة ومنهم عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه والأحاديث في فضل عثمان رضي الله عنه معروفة مشهورة ومنها: (عن عبدالرحمن بن سمرة قال: جاء عثمانُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بألفِ دينارٍ في كُمِّه – حينَ جهز جيشَ العسرةِ – فنثَرها في حِجرِه فرأيت النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُقلِّبُها في حِجرِه ويقولُ "ما ضَرَّ عثمانُ ما عمل بعدَ اليومِ مرتينِ") صحيحه الألباني في صحيح الترمذي، فيا لها من تزكية ما بعدها تزكية، وهو ذو النورين لأن النبي صلى الله عليه وسلم زوجه إبنته فلما ماتت زوجه الثانية، وهو رجل تستحي منه الملائكة كما ثبت في الحديث الصحيح، وبشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، ومناقبه كثير لا يمكن عد بعضها هنا، فكيف يستشهدون برأي سيد قطب وهو ليس من أهل السنة والجماعة أصلا، وضلالاته معروفة للداني والقاصي.
سابعا: محمد محمود حجازي: لا يوجد له ترجمة حسب علمي، ولكن لو نظرنا إلى تفسيره للآيات كاملا سترى أنهم بتروا النص ولم يكملوا تفسيره حتى يثبتوا عقيدتهم الفاسدة الكاسدة كالعادة كذب وتدليس. يقول محمد حجازي في تفسير الآية (55-56) من سورة آل عمران –وهي الآيات التي أوردوها في تقريرهم- يقول: "مكر الله بهم إذ قال الله يا عيسى: إنى موافيك أجلك كاملا ولن يعتدى عليك معتد أبدا، فهذه بشارة له بنجاته من مكرهم وتدبيرهم، ورافعك في مكان علىّ. فالرفع رفع مكانة لا مكان، كما قال تعالى في شأن إدريس- عليه السلام-: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا [سورة مريم آية 57] وكقوله في المؤمنين: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ المعنى- والله أعلم به- أن عيسى رفع إلى السماء وأنه سينزل إلى آخر الدنيا ويستوفى أجله ثم يموت". المصدر نفس مصدرهم ونفس الصفحة لكن صفحة 236-237 وهذا ما لم ينقله هؤلاء المدلسين. والواضح من النقل الذي نقلوه أن الرجل من منكري الصفات والعلو لذلك لا يقر برفعه بجسده بل رفع مكانة ليهرب من مسألة علو الله تعالى واستعلائه على عرشه ولكنه يقر بعقيدة أن عيسى عليه السلام حي وسينزل آخر الزمان. وأكتفي بذلك. والآن أنظروا إلى نقلهم على صفحتهم وكيف بتروا النص:
قالو: قال الدكتور محمد محمود الحجازي في تفسيره لقوله تعالى {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ
الْمَاكِرِينَ* إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ.. } ما يلي:مكر الله بهم إذ قال الله يا عيسى: إني موافيك أجلك كاملاً ولن يعتدي عليك معتدٍ أبدًا. فهذه بشارة له بنجاته من مكرهم وتدبيرهم. ورافعك في مكان عليّ، فالرفع رفع مكانة لا مكان، كما قال تعالى في شأن إدريس (عليه السلام): {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} (مريم: 57) وكقوله في المؤمنين - {الْمُتَّقِين} - :{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} (القمر: 55)[التفسير الواضح، للدكتور الحجازي: ج1، ص 236- ط 10/ دار الجيل الجديد- بيروت]
تاسعاً: محمد الغزالي: هو محمد الغزال الحديث ولد سنة 1917 للميلاد وليس أبو حامد الغزالي المعروف، ومذهبه -أي محمد الغزالي- معروف في إنكار السنة وأنه على عقيدة أصحابه محمد شلتوت والمراغي ولا داعي لإعادة الكلام أعلاه، فلا شك في أن هذا الرجل كسابقيه منحرف العقيدة والمنهج فلا حجة لهم علينا به.
وفي ما كتبت كفاية، فيكفي ما قدمته من عقيدة علماء أهل السنة والجماعة من السلف الصالح في عيسى عليه السلام في البحث الذي أشرت إليه أول هذا الرد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتبه مشرف موقع
https://ahmadiyyanet.wixsite.com/ahmadiyya
انتهيت من كتابته في 2 صفر لعام 1441 للهجرة الموافق 1 أكتوبر لعام 2019 للميلاد.
أسأل الله القبول والثواب.