أدلة القاديانية في إنكار المعجزات الخارقة للعادة، وابطال استدلالها
أدلة القاديانية في إنكار المعجزات الخارقة للعادة، وابطال استدلالها
وهي ليست أدلة بل افتراءات وأباطيل :
الباطل الأول : استدلت القاديانية على إنكار المعجزات بقوله - تعالى - : { وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا }.
قالت القاديانية : لقد خلق الله سننا كونية وطبيعية في هذا الكون، وأخبرت الآية السابقة أن الله لا يبدل ولا يغير سننه في هذا الكون، فلا وجود للمعجزات الخارقة للعادة.
والجواب :
لقد استدلت القاديانية بقوله - تعالى - : { وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا }. وهذا الكلام لله - سبحانه - جاء في سياق مختلف عما تستدل به :
{ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا * اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا }. (فاطر٤٢-٤٣).
{ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا }. (الفتح ١٨-٢٣).
{ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ ۖ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا }. (الأحزاب ٦٠-٦٢).
{ وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ۖ وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا * سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا ۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا }. (الإسراء ٧٦-٧٧).
فهذه الآيات كلها لا تتحدث عن سنن الله وقوانينه الطبيعية الأرضية التي خلقها في في الكون، بل تتحدث عن سنن الله في الأمم الماضية، وهذا يدلك على أسلوب القاديانية في الكذب والدجل والتدليس، فتأخذ نصا من كتاب الله - جل في علاه - لتوهم به معنا آخر تريده.
وإن كتاب الله مليء بالمعجزات " الخارقة للعادة "، لكن الحل عند القاديانية في مثل هكذا أمور، حين يناقض عقيدتها الباطلة يتلخص في أساليب :
١-إن كان النص آية قرآنية، وظاهر الآية يبطل عقائد القاديانية وباطلها، فهي لا تستطيع إنكارها، فالحل " بالتأويل " و الأصح والأدق تسميته " بالتحريف "، فتلجئ إلى تأويل الآية بشكل يخدم عقيدتها الباطلة، وبذلك تحرف معنى الآية، ومن الأمثلة على هذا آيات المعجزات الخارقة للعادة.
٢- إن كان شيء من الآيات في موضوع من المواضيع، وهو في غير باطل القاديانية، أخذت القاديانية هذا النص واخرجته من سياقه أو موضوعه، وجعلته " شاهدا " تستدل به على باطلها، ومن الأمثلة على هذا، قول الحق - سبحانه - : { وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا }.
٣- إن كان حديثا نبويا ويتحدث عن علامات وأشراط الساعة، مثل المسيح عيسى - عليه السلام - والمهدي، فهي تأخذ جزء " ظاهريا " من الحديث، ثم تزعم أن بقية أجزاء الحديث : " هي نبوءات لا تؤخذ على ظاهرها ". وهذا الزعم لا دليل عليه ! والملاحظ : أن ما تزعمه فيما ردت ظاهره، يتناقض مع عقيدتها أو حال نبيها " القادياني "، أو ضد باطلها، والمفروض هذه أحاديث فيها علامات يميز المسلم من خلالها بين الحق والباطل !.
٤- إن كان النص حديثا نبويا يتصادم مع عقيدتها وباطلها، فالحل عندها رد الحديث بالكلية، بحجة من الحجج السخيفة ، ولو كان من أصح الأحاديث.
٥- إن كان الحديث ضعيفا أو موضوعا، لكنه يخدم مزاعم القاديانية وعقيدتها وباطلها، طارت به فرحا، ومن الأمثلة على هذا حديث " الخسوف والكسوف ".
الباطل الثاني : استدلت القاديانية على نفي المعجزات "الخارقة للعادة" بقوله - تبارك وتعالى وتقدس وتنزه - :
{ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا }. (الإسراء ٩٠- ٩٣).
قالت القاديانية : هذه الآيات صريحة بعدم إمكانية صعود بشر إلى السماء " بجسده "، وهذا دليل على عدم وجود المعجزات "الخارقة للعادة".
والجواب من وجوه :
أولا : هذه الآيات هي عبارة عن ( إخبار ) بما طلبه مشركو قريش من النبي - عليه الصلاة والسلام - ولا تفيد المنع من المعجزات "الخارقة للعادة" ولا نفيها، مثل قوله - تعالى - عما طلبه الكفار :
{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }. (يونس ١٥).
{ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ۚ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }. (الأنعام ٣٧).
فهذه الآيات وما سبق من ( إخبار ) عما طلبه الكفار، لا ينفي وجود المعجزات الخارقة للعادة، والأدلة على هذا كثيرة، فمن ذلك : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما طلب مشركو قريش منه ما طلبوا ؟! لم يقل لهم : " هذه طلبات خارقة للعادة، وإن الله لا يخرق سننه وقوانينه في هذا الكون ". بل أمره " الله " أن يجيب : { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا }. بمعنى : أنه كبشر لا يستطيع ذلك إلا بإذن الله.
وهذا أيضا ما قاله في سورة يونس، وأمر أن يقوله : { قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي }.
ثم أمره " الله " أن يجيب كما في سورة الأنعام : { قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً }.
فإن قالت القاديانية : إن الله قادر على أن يخرق قوانينه وسننه في الكون، ولكنه لا يفعل - سبحانه و عياذا به -.
فنقول لها : بل إن الله - جلت عظمته وقدرته - يفعل، كما في معجزات الأنبياء - عليهم السلام - وكما في قصة "انشقاق القمر" : " عَنْ أَنَسٍ : سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً، فَانْشَقَّ الْقَمَرُ بِمَكَّةَ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ } { وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ }. ". (مسند أحمد). لاحظ أنهم هنا طلبوا آية كما جاء في ( الإخبار ) فكان أن حقق الله لنبيه - عليه الصلاة والسلام - آية انشقاق القمر.
ونحن نسأل القاديانية : إن الله خلق آدم وحواء - عليهما السلام - بلا أب ولا أم، فهل من سنن الله أن يخلق الله البشر بلا أب ولا أم ؟! أم خص الله آدم وزوجه بذلك !
فإن قالت القاديانية : إن آدم - عليه السلام - ليس أبو البشر ! بل هو أبو الأنبياء - عليهم السلام - !!! وإن الآثار أثبتت أن هناك بشرا قبل أكثر من ستة أو سبعة آلاف عام !!!
قلنا لها : نحن لا نؤمن أن بداية البشرية كان قبل ستة أو سبعة آلاف عام ! وما ورد عند أهل الكتاب لا يلزمنا كمسلمين ! فلم يحدد لنا ربنا - جل وعلا - ولا رسولنا - عليه الصلاة والسلام - عمر البشرية.
ونقول لها : لا دليل على هذا الكذب الباطل لا من كتاب ولا سنة ! وإن الأدلة قائمة وصريحة في أبوة آدم - عليه السلام - للبشر، فمن ذلك :
قول - الخالق الخلاق - في أصل الخلقة : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }. (آل عمران ٥٩).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ ". (مسلم).
فإن المناسبة في " قدرة الله " بين آدم وعيسى - عليهما السلام - أن الله خلق آدم من تراب بلا أب ولا أم ! كما خلق عيسى - عليه السلام - من أم بلا أب ! فسبحان الله الذي هو على كل شيء قدير.
وأثبت - ربنا والهنا وخالقنا - "الأبوة لآدم" :
{ یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ لَا یَفۡتِنَنَّكُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ كَمَاۤ أَخۡرَجَ أَبَوَیۡكُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ یَنزِعُ عَنۡهُمَا لِبَاسَهُمَا لِیُرِیَهُمَا سَوۡءَ ٰ تِهِمَاۤۚ إِنَّهُۥ یَرَىٰكُمۡ هُوَ وَقَبِیلُهُۥ مِنۡ حَیۡثُ لَا تَرَوۡنَهُمۡۗ إِنَّا جَعَلۡنَا ٱلشَّیَـٰطِینَ أَوۡلِیَاۤءَ لِلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ }. (الأعراف ٢٧).
وسمى الله البشر " بني آدم " في أكثر من موضع، فمن ذلك :
{ یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ قَدۡ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكُمۡ لِبَاسࣰا یُوَ ٰرِی سَوۡءَ ٰ تِكُمۡ وَرِیشࣰاۖ }. (الأعراف ٢٦).
{ أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَیۡكُمۡ یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُوا۟ ٱلشَّیۡطَـٰنَۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوࣱّ مُّبِینࣱ }. (يس ٦٠).
{ یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ إِمَّا یَأۡتِیَنَّكُمۡ رُسُلࣱ مِّنكُمۡ یَقُصُّونَ عَلَیۡكُمۡ ءَایَـٰتِی فَمَنِ ٱتَّقَىٰ وَأَصۡلَحَ فَلَا خَوۡفٌ عَلَیۡهِمۡ وَلَا هُمۡ یَحۡزَنُونَ }. (الأعراف ٣٥).
وقال - سيدنا و مليكنا - سبحانه كما في الأحاديث القدسية :
" قَالَ اللَّهُ : أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ، أُنْفِقْ عَلَيْكَ ". (البخاري).
" يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا ابْنَ آدَمَ، لَا تُعْجِزْنِي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي أَوَّلِ نَهَارِكَ ؛ أَكْفِكَ آخِرَهُ ". (أبو داود).
" يَقُولُ اللَّهُ : يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ عَمِلْتَ قِرَابَ الْأَرْضِ خَطَايَا وَلَمْ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا، جَعَلْتُ لَكَ قِرَابَ الْأَرْضِ مَغْفِرَةً ". (مسند أحمد).
ثم إن السنة النبوية صرحت بأبوة آدم - عليه السلام - للبشر، وأن البشر من ذريته :
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يُجْمَعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُونَ : لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا. فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ لَهُ : أَنْتَ آدَمُ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ الْمَلَائِكَةَ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا. فَيَقُولُ لَهُمْ : لَسْتُ هُنَاكُمْ. فَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ ". (البخاري).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَعْوَةٍ، فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذِّرَاعُ، وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ، فَنَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً، وَقَالَ : " أَنَا سَيِّدُ الْقَوْمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، هَلْ تَدْرُونَ بِمَنْ يَجْمَعُ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ، وَيُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وَتَدْنُو مِنْهُمُ الشَّمْسُ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ : أَلَا تَرَوْنَ إِلَى مَا أَنْتُمْ فِيهِ، إِلَى مَا بَلَغَكُمْ ؟ أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ : أَبُوكُمْ آدَمُ. فَيَأْتُونَهُ، فَيَقُولُونَ : يَا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وَأَسْكَنَكَ الْجَنَّةَ، أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ؟ أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ، وَمَا بَلَغَنَا ؟ فَيَقُولُ : رَبِّي غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَنَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ. فَيَأْتُونَ نُوحًا، فَيَقُولُونَ : يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، وَسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، أَمَا تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ أَلَا تَرَى إِلَى مَا بَلَغَنَا ؟ أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ؟ فَيَقُولُ : رَبِّي غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، نَفْسِي نَفْسِي، ائْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَيَأْتُونِي، فَأَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَيُقَالُ : يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهُ ". (البخاري).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَوَّلُ مَنْ يُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ آدَمُ، فَتَرَاءَى ذُرِّيَّتُهُ فَيُقَالُ : هَذَا أَبُوكُمْ آدَمُ. فَيَقُولُ : لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ. فَيَقُولُ : أَخْرِجْ بَعْثَ جَهَنَّمَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ. فَيَقُولُ : يَا رَبِّ، كَمْ أُخْرِجُ ؟ فَيَقُولُ : أَخْرِجْ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ ". فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا أُخِذَ مِنَّا مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، فَمَاذَا يَبْقَى مِنَّا ؟ قَالَ : " إِنَّ أُمَّتِي فِي الْأُمَمِ كَالشَّعَرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ ". (البخاري).
أضف إلى هذا : أن مشاكل القاديانية مع شخص المسيح عيسى - عليه السلام - مشاكل عويصة وكبيرة وكثيرة، فمن ذلك أن القاديانية : تثبت أن المسيح - عليه السلام - ولد من أم بلا أب ! يقول المتنبئ القادياني : " الميزة السادسة عشرة للمسيح هي أنه يشبه آدم لولادته دون أب ". (تذكرة الشهادتين ٣٩).
وولادة عيسى - عليه السلام - من أم بلا أب لهو معجزة خارقة للعادة ! فإن من سنن الله أن البشر يخلقون من أب وأم.
فإن قال بعض القاديانيين : إن ولادة عيسى - عليه السلام - من أم بلا أب ليس أمرا خارقا للعادة، بل هو من سنن الله !
قلنا لهم : أنتم بهذا تكذبون نبيكم المزعوم الذي اعتبر ولادة عيسى - عليه السلام - بلا أب معجزة خارقة للعادة ففي تفسيره الباطل لقوله - عز شأنه - : { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ }. (الزخرف ٦١). قال نبي القاديانية :
" سيقول الذين لا يتدبرون إن عيسى علم للساعة : { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته }. ذلك قول سمعوا من الآباء، وما تدبروه كالعقلاء، ما لهم لا يعلمون أن المراد من العلم تولده من غير أب على طريق المعجزة، كما تقدم ذكره في الصحف السابقة، ولا ينكره أحد من أهل العلم والفطنة ". (الاستفتاء ٦٧ ).
نعود إلى طلبات مشركي قريش !
ثانيا : من الطلبات التي طلبوها من النبي - صلى الله عليه وسلم - : { أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ }. وهذا الطلب ليس خارقا للعادة، وهو أمر ممكن للبشر !
وإن القاديانية أخذت من الآيات موضوع الصعود إلى السماء كي تثبت عدم وجود المعجزات الخارقة للعادة، وسبحان الله الذي يجعل على لسان أهل الباطل ما يبطل باطلهم.
بالإضافة إلى علمنا وإيماننا واعتقادنا أن بعض ما طلبوه حققه الله لنبيه - عليه الصلاة والسلام - من إنزال القرآن عليه، وكذلك العروج به إلى السماوات العليا.
ثالثا : إن طلب أهل مكة من النبي - صلى الله عليه وسلم - معجزات خارقة للعادة، لهو دليل على أنهم يقرون أن هناك معجزات لله خارقة للعادة، لا كما تصور القاديانية من خلال استدلالها بطلبات كفار قريش !
فإن قال قائل ما هو الدليل ؟ فنقول قول - العظيم القدير - :
{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ }. (الفيل).
لقد علم ورأى أهل مكة، ما فعل « الله » بأبرهة وجيشه وأصحاب الفيل، رأوا الطير الأبابيل، وحجارة السجيل، ولقد اشتهر الأمر في جزيرة العرب، حتى أنهم كانوا يؤرخون تواريخهم بعام الفيل ! فسبحان الله الولي المولى النصير.
عن قيس بن مخرمة قال : " وُلِدْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفِيلِ، فَنَحْنُ لِدَانِ وُلِدْنَا مَوْلِدًا وَاحِدًا ". (مسند أحمد).
الباطل الثالث : حجة إنعدام النظير.
يقول القادياني : " ما كان نزول بشر من السماء من سنن الله وإن كان فأتوا بنظير من قرون خالية، إن كنتم من المهتدين وما كان فينا من واقع إلا خلا له نظير من قبل ". (الخزائن الروحانية ج ٥ ٣٨٠-٣٨١).
بالإضافة إلى نزول عيسى - عليه السلام -.
نحن نملك الدليل و النظير : من خلال إيماننا واعتقادنا بنزول سيدنا الحبيب المصطفى محمد - صلوات ربي وسلامه عليه - من السماء بعد أن عُرج به إلى السماوات.
ونملك الدليل والنظير : من خلال آدم وحواء - عليهما السلام - والهبوط بهما من الجنة إلى الأرض :
{ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ }. ( البقرة ٣٦).
{ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }. (البقرة ٣٨).
ونملك الدليل والنظير : من خلال إنزال الله - جل وعلا - مائدة من السماء لعيسى - عليه السلام - والحواريين.
لكن والحال أن القاديانية تعتبر الإسراء والمعراج رؤيا منامية، وتنكر هبوط آدم وحواء من السماء ! فبالتالي هي تنكر دليلنا والنظير الذي لدينا ! لذا نحاجج بحجة القادياني والقاديانية ! ونلقي حجتهم عليهم !!! لنرى هل عندهم نظير ؟! بما يسمى "بالاستدلال العكسي" :
تزعم القاديانية : أن الله علم القادياني أربعين ألفا من جذور اللغة العربية في ليلة ! فتعلم اللغة العربية في ليلة واحدة !
فنريد منها النظير ؟!
وأنه جعل له الخسوف والكسوف !
فنريد منها النظير ؟!
وزعم القادياني أن له أكثر مليون آية !
فنريد النظير ؟!
الباطل الرابع : الزعم أن المعجزات مخالفة للعقل، فبالتالي تعتبرها خرافات - عياذا بالرب - تبارك وتعالى.
والرد عليها :
أولا : إن ما هو معقول وغير معقول بالنسبة للبشر، بالإضافة إلى التفاوت والإختلاف، ليس ثابتا، بل هو متغير بحسب الزمان والمكان والقدرات البشرية والمادية، والقدرة وعدم القدرة، وسابقا كان من غير المعقول على البشر القدرة على الطيران، والآن أصبح هذا معقولا، بل دليلا على قوة وقدرة عقل الإنسان، الذي استطاع بعقله أن يصنع ما يستطيع به الطيران، وفي الماضي كان من غير المعقول السفر في ليلة ثم العودة في نفس الليلة، إلى مكان - السفر إليه والعودة يستغرق أياما وليال كثيرة - ولذلك أنكر من أنكر ذلك على النبي - صلى الله عليه وسلم - في قصة الإسراء والمعراج، أما اليوم أصبح هذا معقولا ومقبولا وطبيعيا و معتادا !
ثانيا : أن الله رد على الذين ترفض عقولهم قدرة الله تعالى بقوله - عز وجل - :
{ أَوَ لَمۡ يَرَ ٱلۡإِنسَٰنُ أَنَّا خَلَقۡنَٰهُ مِن نُّطۡفَةٖ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٞ مُّبِينٞ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ قُلۡ يُحۡيِيهَا ٱلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلۡقٍ عَلِيمٌ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلۡأَخۡضَرِ نَارٗا فَإِذَآ أَنتُم مِّنۡهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيۡسَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخۡلُقَ مِثۡلَهُمۚ بَلَىٰ وَهُوَ ٱلۡخَلَّٰقُ ٱلۡعَلِيمُ إِنَّمَآ أَمۡرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيۡـًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ فَسُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيۡءٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ }. (يس ٧٧-٨٣).
١- إن الذي خلقنا من نطفة قادر على خلقنا مرة أخرى بعد أن أصبحت العظام رميما.
٢- الإنكار على أمثال هؤلاء ! تنكرون أن يحيي الله الموتى ! وهو الذي أحياكم أول مرة !
٣- إن الله الذي خلق السماوات والأرض، وخلقهما أعظم من خلق الإنسان، يعيدهم إلى الحياة مرة أخرى.
ثالثا : عندما نخاطب "العقلانيين" ممن ينسبون أنفسهم للإسلام، في شأن المعجزات أن الله على كل شيء قدير، وأن الله من أفعاله الآيات الخارقة للعادة، ثم ردوا علينا أن هذا مخالف للعقل !
فما هو حال هؤلاء "العقلانيين" إذا خاطبهم " الملحدون " في إنكارهم البعث والحياة مرة أخرى، وقالوا لهم : إن الحياة والبعث مرة أخرى مخالف للعقل !
فالحجة واحدة ! يقول الملحدون للعقلانيين أنتم تنكرون المعجزات بحجة أنها مخالفة للعقل ! فلم تنكرون علينا نفي البعث والحياة مرة أخرى لمخالفتها العقل !!! والعياذ بالله من الجهل وقلة العقل.
بينما يقول المؤمن للطرفين السابقين : إن الله - العظيم - الذي آياته - العظيمة - في الكون مشاهدة ! له آيات خارقة للعادة ! والذي خلق السماوات والأرض في عظمهما، من أفعاله أنه حول العصا إلى حية تسعى ! دليلنا : أن الله خلق ما هو أعظم وهي السماوات والأرض ! فما هي العصا بجانب ما سبق ! وإن الله الذي خلقنا أول مرة ولم نكن شيئا، يحينا مرة أخرى و يبعثنا من القبور !!!.
رابعا : إن وجود الخرافات و الأساطير والمعجزات المكذوبة، والخوارق المختلقة، والقصص المفتراة، عند بعض الأديان والفرق والمذاهب، لا يعني إنكار خوارق العادات في دين الله - الحق - فديننا حق ودينهم باطل، وما عندنا حق، وما عندهم قد يكون فيه حق وفيه باطل. ولقد أخبرنا ربنا عن بعض الكفرة في وصفهم آيات الله، قالوا : أنها أساطير الأولين، فقال من - نعوذ بوجهه الكريم - :
{ وَمِنۡهُم مَّن یَسۡتَمِعُ إِلَیۡكَۖ وَجَعَلۡنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ أَكِنَّةً أَن یَفۡقَهُوهُ وَفِیۤ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرࣰاۚ وَإِن یَرَوۡا۟ كُلَّ ءَایَةࣲ لَّا یُؤۡمِنُوا۟ بِهَاۖ حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءُوكَ یُجَـٰدِلُونَكَ یَقُولُ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ }. (الأنعام ٢٥).
{ وَٱلَّذِی قَالَ لِوَ ٰلِدَیۡهِ أُفࣲّ لَّكُمَاۤ أَتَعِدَانِنِیۤ أَنۡ أُخۡرَجَ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلۡقُرُونُ مِن قَبۡلِی وَهُمَا یَسۡتَغِیثَانِ ٱللَّهَ وَیۡلَكَ ءَامِنۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّ فَیَقُولُ مَا هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ }. (الأحقاف ١٧).
الباطل الخامس : قالت القاديانية : لو كانت هناك معجزات "خارقة للعادة" لآمن كل الناس وما بقي كافر، إذ كيف سيرى الناس أمراً خارقة للسنن الكونية على يد نبي، ثم لا يؤمنون بهذا النبي ؟!
والجواب :
هذا الباطل من أسخف و أوهى وأضعف ما يمكن الاستدلال به على نفي المعجزات، والأدلة على إبطاله كثيرة، ذلك أن سبب عدم إيمان بعض الكفار ليس نابعا من أنهم ينتظرون معجزة "خارقة للعادة" فإن رأوها آمنوا، بل السبب في عدم إيمانهم :
١- الاستكبار والاستعلاء والطغيان :
قال فرعون عن موسى - عليه السلام - : { أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ }. (الزخرف ٥٢). وفرعون رأى المعجزات.
٢- حسد الأنبياء - عليهم السلام - وعباد الله المؤمنين على ما آتاهم الله :
قال - سبحانه الحق المبين - : { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ }. (البقرة ١٠٩).
٣- احتقار عباد الله الضعفاء البسطاء أتباع الأنبياء - عليهم السلام -، فلا يريد المستكبر أن يكون بينهم :
قال نوح - عليه السلام - : { وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ }. (هود ٢٩-٣٠).
عن سعد ابن أبي وقاص - رضي الله عنه - : " فِيَّ نَزَلَتْ : { وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ }. قَالَ : نَزَلَتْ فِي سِتَّةٍ، أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ مِنْهُمْ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَالُوا لَهُ : تُدْنِي هَؤُلَاءِ ؟ ". (مسلم).
وعنه أيضا قال : " نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا سِتَّةٍ : فِيَّ، وَفِي ابْنِ مَسْعُودٍ، وَصُهَيْبٍ، وَعَمَّارٍ، وَالْمِقْدَادِ، وَبِلَالٍ. قَالَ : قَالَتْ قُرَيْشٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّا لَا نَرْضَى أَنْ نَكُونَ أَتْبَاعًا لَهُمْ ؛ فَاطْرُدْهُمْ عَنْكَ. قَالَ : فَدَخَلَ قَلْبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْخُلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } الْآيَةَ. ". (ابن ماجة).
لقد أخبرنا - رب العزة والجلال - أن الكفار عرفوا الحق وأيقنوا أنها " آيات الله " ومع ذلك استكبروا و جحدوا وكذبوا الأنبياء - عليهم السلام - ومعجزاتهم "الخارقة للعادة" ووجدوا حجة لرد الحق الذي عرفوه باتهام الأنبياء "بالسحر" أمام الناس كذبا وزورا وهذه عندهم سنة :
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ كَذَٰلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ }. (الحجر ١٠-١٥).
{ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ }. (النمل ٩-١٤).
{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَىٰ إِلَى الْإِسْلَامِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }. (الصف ٦-٨).
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا ۖ وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ }. (الزخرف ٤٦-٥٦).
فلاحظ قوله - سبحانه - : { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ }.
كذلك قوله - تعالى - : { وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا }.
وقوله : { فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ }.
وأيضا : { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }.
قال الطبري - عليه رحمة الله - في تفسيره لهذه الآية : " وقوله (مُبْصِرَةً) يقول: يبصر بها من نظر إليها ورآها حقيقة ما دلت عليه ". (تفسير الطبري).
أقول : ذلك أن من سحر السحرة ( سحر أعين الناس ) فإذا أراد الساحر مثلا أن يري المسحور ( حية أو أفعى ) سحر عينه فرأت ذلك، ومصداق ذلك في كتاب الله :
{ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ }. (الأعراف ١١٦).
{ قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ }. (طه ٦٦).
فإن موسى - عليه السلام - لما ألقى عصاه تحولت إلى ثعبان على الحقيقة، بينما السحرة : ألقوا " حبالهم وعصيهم " وسحروا أعين الناس، ولم تتحول " الحبال والعصي " إلى أفاع على الحقيقة !
ولذلك لما شاء الله - الهداية والإيمان - للسحرة خروا سجدا، فإنهم علموا وأيقنوا أن ما جاء به موسى - عليه السلام - ليس سحرا، بل آية من آيات الله ومعجزة خارقة للعادة، وأمام هذا الإحراج الذي وقع لفرعون أمام الناس، زعم أن موسى زعيمهم الذي علمهم السحر، على طريقة اصطناع "نظرية للمؤامرة" :
{ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ قَالَ بَلْ أَلْقُوا ۖ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ۗ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ }. (طه ٦٧).
ولقد جاء في السنة المحمدية أن كفار قريش عرفوا الحق، فأصر من أصر منهم على باطله :
فمن ذلك : عَنْ أَنَسٍ : " سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً، فَانْشَقَّ الْقَمَرُ بِمَكَّةَ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ } { وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ }. ". (مسند أحمد).
ومن ذلك : ما وقع مع أبي جهل : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : " قَالَ أَبُو جَهْلٍ : هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ؟ قَالَ : فَقِيلَ : نَعَمْ. فَقَالَ : وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى، لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ، أَوْ لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ. قَالَ : فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ، قَالَ : فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ، قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : مَا لَكَ ؟ فَقَالَ : إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ، وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا ". (مسلم).
ومن ذلك : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِي، وَأَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ، فَظِعْتُ بِأَمْرِي، وَعَرَفْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِيَّ ". فَقَعَدَ مُعْتَزِلًا حَزِينًا. قَالَ : فَمَرَّ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلٍ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ : هَلْ كَانَ مِنْ شَيْءٍ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَعَمْ ". قَالَ : مَا هُوَ ؟ قَالَ : " إِنَّهُ أُسْرِيَ بِيَ اللَّيْلَةَ ". قَالَ : إِلَى أَيْنَ ؟ قَالَ : " إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ". قَالَ : ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا ؟ قَالَ : " نَعَمْ ". قَالَ : فَلَمْ يُرِهِ أَنَّهُ يُكَذِّبُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَجْحَدَهُ الْحَدِيثَ إِذَا دَعَا قَوْمَهُ إِلَيْهِ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ، تُحَدِّثُهُمْ مَا حَدَّثْتَنِي ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَعَمْ ". فَقَالَ : هَيَا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. قَالَ : فَانْتَفَضَتْ إِلَيْهِ الْمَجَالِسُ، وَجَاءُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا. قَالَ : حَدِّثْ قَوْمَكَ بِمَا حَدَّثْتَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي أُسْرِيَ بِيَ اللَّيْلَةَ ". قَالُوا : إِلَى أَيْنَ ؟ قُلْتُ : " إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ". قَالُوا : ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا ؟ قَالَ : " نَعَمْ ". قَالَ : فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ، وَمِنْ بَيْنِ وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مُتَعَجِّبًا لِلْكَذِبِ زَعَمَ، قَالُوا : وَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ ؟ - وَفِي الْقَوْمِ مَنْ قَدْ سَافَرَ إِلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ وَرَأَى الْمَسْجِدَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ، فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّعْتِ "، قَالَ : " فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ، حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عِقَالٍ - أَوْ عَقِيلٍ - فَنَعَتُّهُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ "، قَالَ : " وَكَانَ مَعَ هَذَا نَعْتٌ لَمْ أَحْفَظْهُ "، قَالَ : " فَقَالَ الْقَوْمُ : أَمَّا النَّعْتُ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَصَابَ ". (مسند أحمد).
وما سبق يبين :
١- أن كفار قريش رأوا انشقاق القمر فأصر من أصر منهم على باطله.
٢- وأن الجاهل أبا جهل رأى أمامه معجزة خارقة، ومع ذلك أصر على باطله ولم يؤمن.
٣- وإن قريشا تعلم صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه لا يكذب، ولقد أقر القوم صدق نعت النبي - عليه الصلاة والسلام - للمسجد، ومع ذلك أصر من أصر منهم على باطله.
الباطل السادس : قالت القاديانية لم يرد في القرآن لفظ المعجزة والإعجاز، في محاولة للتلبيس على العوام.
والجواب :
١- ورد في القرآن تسمية الرب تبارك وتعالى معجزات الأنبياء - عليهم السلام - بالآيات والبينات :
{ فَقُلۡنَا ٱضۡرِبُوهُ بِبَعۡضِهَاۚ كَذَ ٰلِكَ یُحۡیِ ٱللَّهُ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَیُرِیكُمۡ ءَایَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ }. (البقرة ٧٣).
{ وَلَقَدۡ جَاۤءَكُم مُّوسَىٰ بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَـٰلِمُونَ }. (البقرة ٩٢).
والمسلمون يقصدون من المعجزة، آيات الله الخارقة للمعتاد.
ثم شيوع لفظ على ألسنة المسلمين، مع وجود لفظ آخر ذكر في القرآن هذا موجود في غير المعجزات، فمن ذلك أن الله أثبت "النفس" له :
{ وَیُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُ }. (آل عمران ٢٨).
{ تَعۡلَمُ مَا فِی نَفۡسِی وَلَاۤ أَعۡلَمُ مَا فِی نَفۡسِكَۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُیُوبِ }. (المائدة ١١٦).
ومع ذلك يكثر استعمال كلمة "الذات" عند كثير من المسلمين.
٢- يكثر استعمال كلمة المعجزات والإعجاز في كلام القادياني، بل له كتاب أطلق عليه اسم "إعجاز المسيح".
هذا مع العلم أن الله في المعتاد والخارق للمعتاد يطلق - سبحانه وتعالى - مسمى "الآيات".
كقوله في المعتاد :
{ وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفُ أَلۡسِنَتِكُمۡ وَأَلۡوَ ٰنِكُمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّلۡعَـٰلِمِینَ }. (الروم ٢٢).
{ وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦۤ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَ ٰجࣰا لِّتَسۡكُنُوۤا۟ إِلَیۡهَا وَجَعَلَ بَیۡنَكُم مَّوَدَّةࣰ وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ }. (الروم ٢١).
وأخيرا :
[ يلخص حال القاديانية في إنكار المعجزات : أنها أرادت من خلال تأويلها وتحريفها آيات الله ومعجزاته، الظهور بمظهر " التعقل " و " العقلانية " فوقعت " بالسخافة "، وهذا واضح في تحريفها النصوص ].
هذا والله أعلم والحمد لله رب العالمين.
كتبه : أبو عبيدة العجاوي