آيات الله الطبيعية المعتادة وآيات الله الخارقة للعادة

آيات الله الطبيعية المعتادة وآيات الله الخارقة للعادة

آيات الله الطبيعية المعتادة وآيات الله الخارقة للعادة

نقول بداية : إن آيات الله سواء الطبيعية المعتادة أو الخارقة للعادة، هي في حق الله وصفاته وأفعاله وقدرته سواء، - سبحانه في أسمائه وصفاته وأفعاله وقدرته - هذه كتلك في قدرة الله وعظمته، وإنما البشر معتادون على آيات الله الطبيعية المعتادة، فالأمر مختلف بالنسبة لديهم في آيات الله الخارقة للعادة، لأنهم لم يألفوا مشاهدتها.

والبشر يعلمون أن آيات الله الطبيعية المعتادة لا يقدر عليها إلا الله وحده - سبحانه - مثل :

١- آية طلوع الشمس من المشرق وغروبها.

٢- آية الليل والنهار.

٣- آية القمر والنجوم.

٤- آية الخلق فلا يزال الله يخلق الخلق وهو - الخالق الخلاق -.

٥- آية علم الله للغيب وحده، الذي أحاط بكل شيء علما.

٦-  آية إنزال الغيث.

٧- آية الولادة من أب وأم.

٨- آية البحر ومخلوقاته.

٩- آية الإحياء والإماتة.

١٠- وبشكل عام الأرض وما فيها : من جبال، وأنهار، ونبات، وأشجار، وطيور، ودواب، ومخلوقات، وتدبير الله لأمر خلقه ورزقهم…إلخ. 

فكل ما سبق آيات عظيمة من آيات الله العظيم، لا يقدر عليها إلا هو - سبحانه -، وهي طبيعية ومعتادة.  

ولذلك لما أرسل الله أنبياءه - عليهم السلام - جعل الله لهم المعجزات الخارقة للعادة، تصديقا لهم وأنهم من عند الله، فإذا كانت آيات الله المعتادة لا يقدر عليها إلا الله، فمن باب أولى بالنسبة للبشر أن المعجزات الخارقة للعادة لا يقدر عليها إلا الله.

ولذلك سوف اتكلم في هذا الموضوع : للفائدة، و لطرد الغفلة بإذنه سبحانه، والتفكر في آيات الله والتنبيه لذلك، وإقامة الحجة على القاديانية وغيرها من منكري المعجزات… :  

قال الله - ذو الجلال والإكرام - : { وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ }. (يوسف ١٠٥).

في هذه الآية العظيمة ذكر الله العظيم أمرا عظيما، كم من آية في السماوات والأرض وابن آدم يمر عليها غير متفكر، ولا معتبر، ولا متنبه لها، غافل، لاه، مشغول بدنياه… اللهم رحمتك ومغفرتك وعفوك، ربنا تب علينا يا أكرم الأكرمين، ويا أرحم الراحمين، يا من وسعت رحمتك كل شيء.

تفكر يا عبد الله : من الذي يأتي بالشمس من المشرق.

تفكر : في السماء ومن بناها وسواها، وفي أبراجها ونجومها.

تفكر : في المخلوقات كيف خلقها الله وركبها وصورها، وحكمه فيها.

تفكر وتفكر وتفكر… في آيات الله التي تمر عليها… تفكر في آيات الله الطبيعية المعتادة المألوفة… فهي والخارقة للعادة سواء !!!.  

وقال سبحانه « الله » الحق مذكرا بآياته المعتادة في سورة يس :

{ وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ }.

{ وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }.

{ وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ }.

اللهم نعوذ بك من الغفلة.

ونعوذ بك من الإعراض عن آياتك.

ولك حمدنا وشكرنا يا رب العالمين.

ولذلك لما كانت آيات الله المعتادة والخارقة عند الله سواء، أرشدنا ربنا - سبحانه - لذلك، وعلمنا ذلك، واوحى لنا بذلك، ووجهنا إلى الاستدلال على "قدرته العظيمة" بآياته الطبيعية المعتادة، على آياته الخارقة للعادة   : 

١- [ هو علي هين ].

ففي قصة زكريا - عليه السلام - قال الحق - سبحانه - : { يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا }. فقال زكريا : { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا }. فأجابه " الله " : { قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا }. (مريم ٧- ٩). 

فإن " الله " أخبره هو عليه هين.

وذكره " الله " أنه خلقه من قبل، ولم يكن شيئا.

وتكرر الأمر مع مريم - عليها السلام - : { قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا }. (مريم ٢٠-٢١).

هو على الله هين سبحانه القادر القدير المقتدر.

٢- [ إن الله على كل شيء قدير ].

وفي قصة صاحب القرية : { أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }. (البقرة ٢٥٦).

فسبحان الله إن الله على كل شيء قدير.

٣- [ إن الله يأتي بالشمس من المشرق ].

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }. (البقرة ٢٥٨).

فبهت الذي كفر ! فسبحان الله رب العالمين.

٤- [ من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة ]. 

{ وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا }. (الإسراء ٤٩-٥٠).

٥- [ ونسي خلقه ].

{ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }. (يس ٧٨-٨٣).

فسبحان الله الذي إذا أراد شيئا كن فيكون.

لذلك فإن الله الذي {  يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ }. ليس عجبا في قدرته أنه شاء : طلوع الشمس من مغربها في آخر الزمان. كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا : طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الْأَرْضِ ". (مسلم).

والأمر عند الله - سبحانه - : سواء، هين، من آياته، شاء ذلك، لا يعجزه شيء، إنه على كل شيء قدير.

فالذي يأتي بالشمس من المشرق، يأتي بها من المغرب.

وإن الله الذي جعل الأيام والليل والنهار : { وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ }. ليس محالا أو غريبا - سبحانه - في قدرته ومشيئته : ما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأن المسيح الدجال، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة : " إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا، يَا عِبَادَ اللَّهِ، فَاثْبُتُوا ". قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ ؟ قَالَ : " أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ ". قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ، أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ ؟ قَالَ : " لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ ". (مسلم).

والأمر عند الله - سبحانه - : سواء، هين، من آياته، شاء ذلك، لا يعجزه شيء، إنه على كل شيء قدير.

قال النووي - رحمه الله - : " ‏قوله صلى الله عليه وسلم : ( يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم ) قال العلماء : هذا الحديث على ظاهره ، وهذه الأيام الثلاثة طويلة على هذا القدر المذكور في الحديث يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : " وسائر أيامه كأيامكم " . ‏وأما قولهم : ( يا رسول الله ، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا ، اقدروا له قدره ) ‏فقال القاضي وغيره : هذا حكم مخصوص بذلك اليوم شرعه لنا صاحب الشرع . قالوا : ولولا هذا الحديث ، ووكلنا إلى اجتهادنا لاقتصرنا فيه على الصلوات الخمس عند الأوقات المعروفة في غيره من الأيام ". (شرح مسلم).

وإن الله الذي جعل البحر على ما هو عليه ! ليس عجبا في آيات الله أن يفرقه كالطود العظيم : { فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ }. (الشعراء ٦٣).

والأمر عند الله - سبحانه - : سواء، هين، من آياته، شاء ذلك، لا يعجزه شيء، إنه على كل شيء قدير.

ونقول : إن الله - سبحانه في ذاته وصفاته وأفعاله - لم يزل متصفا بما وصف به نفسه - سبحانه في نفسه لا يشغله شأن عن شأن - : يخلق، ويحيي، ويميت، ويرزق خلقه، ويدبر، ويقضي، ويأمر، يرسل السحاب، وينزل الغيث، وينبت الزرع، والليل يسلخ منه النهار، ويمسك السماء أن تقع على الأرض، ويكلم ملائكته، وهو بكل شيء عليم لا يخفى عليه شيء، وأفعاله في سماواته السبع وأرضه لا يمكن لعقولنا تخيلها…

فبعد كل هذا.. ! عقول الجهال - عياذا بالله - عقولهم المريضة ترفض أن الله يخرق المعتاد ! و يرسل الطير الأبابيل ترمي بحجارة السجيل !!! مع أن ما ذكرناه سابقا في قياس البشر أعظم !!! فلا إله إلا الله محمد رسول الله. آمنا بالله ودينه وما أنزل وما أوحى، له النعمة والمنة والفضل والرحمة والثناء والحمد والشكر.

ولو أن الله أحيا بشرا مات قبل مئات السنين وقلنا له : إن أمريكا أرسلت طائراتها وهي عبارة عن مصنوعات من مواد مختلفة تطير في السماء وتلقي بالصواريخ والقنابل المتفجرة… لعد ذلك غير معقولا، أو أنه معجزة فوق قدرة البشر، ولن يصدق ذلك حتى تتبين له الأمور، مع أن الله هو خالق المواد التي صنعت منها الطائرة، وهو الذي هدى لصناعة تلك الطائرة، والسماء سمائه، والهواء صنعه، والموجات خلقه، والإنترنت قضاه في سابق علمه، ووسائل الإتصالات بيده، والمخلوقات أفعلها مخلوقة أيضا ومكتوبة ومقضية ومقدرة، والجهال لا يدركون أن الله « ملك » هذا الكون، ولا يكون في ملكه إلا ما أراد خيرا أو شرا، ولو شاء الله ما فعلوه، وله حكم وشؤون في ملكه وسلطانه، ولكن غرتهم سنن الأرض وقوانينها، وما توصلوا إليه وما صنعت أيديهم، فطغوا وتجبروا وتكبروا وأفسدوا… 

المهم من كل ما سبق والفكرة والمقصد : لو أن الله أرسل طائرات هو صنعها بيده أو بقدرته - لا فعل للبشر فيها - كان ذلك في عظمة الله وقدرته مثل الطير الأبابيل ويأتي الله بطائرات أعظم من طائرات البشر، هذا مع تنزيه الله عن المشابهة والمماثلة، فإن "الله" جعل نوحا - عليه السلام - يصنع سفينة بوحي منه وهداية، وعلم "الله" داود - عليه السلام - صناعة الدروع، وإن من خلق حية جعل العصا حية، ومن خلق الطير سخره لسليمان - عليه السلام -، نقول كل هذا : أفي زمن العلم والصناعة والتكنولوجيا ينكر علينا من ينكر أن الله أرسل الطير الأبابيل ترمي بحجارة السجيل ؟! نعوذ بالله من قلة التأمل والتفكر والتدبر، ونعوذ به من السفهاء والحمقى والمجانين. 

مع أننا لا نشبه ولا نمثل وإنما نحاول إيصال الفكرة للعقول الغافلة، ومن يقيسون أفعال الخالق على عقولهم المحدودة هذا معقول وهذا غير معقول ! فمثلا : لا يقاس نزول الخالق في الثلث الأخير من الليل على نزول المخلوقات، وما يلزم المخلوق لا يقاس على الله الخالق، فإن الله في عظمته وقدرته و ذاته وأسمائه وصفاته لا يشغله شأن عن شأن ولا نعلم كيفية نزوله، فمن أشكل عليه : سيقول النزول في الثلث الأخير يختلف باختلاف البلاد، وهذا يلزم منه حلول الخالق بالمخلوق - والعياذ بالله - ! يا أخي : لا يلزم، لأنك تقيس قياسات باطلة بحق الخالق سبحانه، وتقيس الخالق على المخلوق - سبحان الله و العياذ بالله -.

أضف إلى هذا أننا كبشر نعلم بعضا من " قوانين الله الدنيوية " أو " سنن الله الأرضية " مثل : أن الله يخرج العسل من بطون النحل، واللبن من الأنثى، وكثير من السنن والقوانين ليست معلومة لنا.

وفي " جنة الله " هناك قوانين وسنن أخرى فهذا العسل واللبن : 

الله يرزقنا إياه من خلال أنهار من عسل ولبن : { مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ فِيهَآ أَنۡهَٰرٞ مِّن مَّآءٍ غَيۡرِ ءَاسِنٖ وَأَنۡهَٰرٞ مِّن لَّبَنٖ لَّمۡ يَتَغَيَّرۡ طَعۡمُهُۥ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ خَمۡرٖ لَّذَّةٖ لِّلشَّٰرِبِينَ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ عَسَلٖ مُّصَفّٗىۖ وَلَهُمۡ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَمَغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡۖ }. (محمد ١٥).

ولا يقول قائل : هذا غير معقول ! وهذه الأنهار يلزم منها حلب العسل واللبن من النحل والدواب، ثم صبها في مجار مائية ! نقول : هذه قياسات دنيوية فاسدة.

وقال - صلى الله عليه وسلم - : " إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لَا يَبُولُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا يَتْفِلُونَ، وَلَا يَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ، وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ الْأَنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ، وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ ؛ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ ". (البخاري).

فلا يقول قائل : هذا غير معقول ! من يشرب لزم أن يبول، ومن يأكل لزم أن يتغوط ! نقول : هذه قياسات دنيوية فاسدة لا تنطبق على جنة الله عز وجل.

وقال الرب - السبوح القدوس السلام -  : { لَهُم مَّا یَشَاۤءُونَ فِیهَا وَلَدَیۡنَا مَزِیدࣱ }. (ق ٣٥).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَالَ اللَّهُ : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ : { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } ". (البخاري).

فهذه وغيرها سنن الجنة وقوانينها المختلفة عما هي في هذه الأرض.

ونحن لا نعلم سنن الله في السماوات، هذا عالم آخر غير الأرض التي نعيش فيها، ولله في السماوات بخصوص الملائكة - عليهم السلام - قوانين وسنن مختلفة عن قوانين وسنن البشرية، فمن ذلك : أنها في حياتها لا تأكل، ولا تشرب، ولا تنام، ولا تتعب، ولا تعصي، وتلهم التسبيح… 

{ وَمَنۡ عِندَهُۥ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَلَا یَسۡتَحۡسِرُونَ * یُسَبِّحُونَ ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَ لَا یَفۡتُرُونَ }. (الأنبياء ١٩-٢٠).

{ یَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوۡقِهِمۡ وَیَفۡعَلُونَ مَا یُؤۡمَرُونَ }. (النحل ٥٠).

ولا يقبل من منكر لعذاب القبر إنكاره بحجة أننا لا نراه، ويقيس على العظام التي أمامه، لأنه يقيس على عالمه، وعالم ما بعد الموت شيء آخر، وهذا العالم الأرضي الملائكة - عليها السلام - تطوف فيه ولا نراها، وهذه الجن مخلوقة في عالم الأرض ولا نراها، حتى هذا العقل الذي يقول هذا معقول وهذا غير معقول ! لا نعلم ما هو ! ما هو العقل ! وما هي تفاصيله ! وما هي أسراره ! نحن لا نعلم عنه كل شيء !. 

وهذا الروح التي في أجسادنا لا نعلم ما هي !

وأخيرا : نحن نعلم أن العلوم والمعارف والمواد وما سخره الله للبشر، منها ما هو بوحي من الله، ثم تناقله البشر، ومنها ما هدى الله به بعض خلقه بالصدفة أو التجربة أو كثرة الممارسة والخبرة أو تقليد بعض المخلوقات..، ثم تناقله البشر، وبعض البشر الذين قدر الله لهم العزلة في الغابات والجبال..، حياتهم بدائية كما كان حال أوروبا وغيرها قبل قرون، والإنسان جاهل وفقير و مسكين ومحتاج، وهذه الأمور من نعم الله علينا :

وإن الله علم نوحا صناعة السفينة : { وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡیُنِنَا وَوَحۡیِنَا }. (هود ٣٧).

وعلم داود صناعة الدروع : { وَعَلَّمۡنَـٰهُ صَنۡعَةَ لَبُوسࣲ لَّكُمۡ لِتُحۡصِنَكُم مِّنۢ بَأۡسِكُمۡۖ }. (الأنبياء ٨٠).

وجعل سليمان يبني قصرا من زجاج : { قِیلَ لَهَا ٱدۡخُلِی ٱلصَّرۡحَۖ فَلَمَّا رَأَتۡهُ حَسِبَتۡهُ لُجَّةࣰ وَكَشَفَتۡ عَن سَاقَیۡهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ صَرۡحࣱ مُّمَرَّدࣱ مِّن قَوَارِیرَۗ قَالَتۡ رَبِّ إِنِّی ظَلَمۡتُ نَفۡسِی وَأَسۡلَمۡتُ مَعَ سُلَیۡمَـٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ }. (النمل ٤٤).

وقال الله في ابن آدم : { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً یَبۡحَثُ فِی ٱلۡأَرۡضِ لِیُرِیَهُۥ كَیۡفَ یُوَ ٰ⁠رِی سَوۡءَةَ أَخِیهِۚ قَالَ یَـٰوَیۡلَتَىٰۤ أَعَجَزۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِثۡلَ هَـٰذَا ٱلۡغُرَابِ فَأُوَ ٰ⁠رِیَ سَوۡءَةَ أَخِیۖ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِینَ }. (المائدة ٣١).

والإنسان بلا وحي من الله وبلا أنبياء وبلا مجتمع ينقل له العلوم والمعارف، حياته بدائية و تشبه حياة الدواب والحيوانات، من حيث النظافة والطهارة والنجاسة، والمأكل والمشرب والملبس والمسكن، والنافع والضار، والعمل والحرفة والصناعة والتجارة، والزراعة والصيد، والطب والعلاج، وشؤون الحياة المختلفة… ورغم التقدم العلمي والمادي عند البشر اليوم : هناك من لا يعرف ما النجاسة، وما العورة، وما هو الأكل والشرب الضار -المحرم-، والمعاشرة الحقة، وما هو الفاسد اجتماعيا، والغاية من وجوده… وهذه ميزة أهل الوحي الحق. أما أن فلانا يركب سيارة، فمن الممكن أن نركب حمارا على ظهر سيارة ! كما يركب حمار على ظهر حمار ! مع تنزيه الحمير عن أفعال بعض البشر.    

وإن الله جعل البشر يتعلمون من بعضهم من آبائهم ومن أمهاتهم ومن محيطهم وما يتناقلون.

فسبحان الله الذي على ما يشاء قدير.

وسبحان الله العظيم، ما " لله " العظيم عظيم.

وسبحان الله العليم والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين.

كتبه: أبو عبيدة العجاوي.